تجزم السّلطات العليا في البلاد على عدم العودة إلى حقبة الاستيراد العشوائي الذي شكّل كابوسا عاشته الجزائر خلال السنوات الماضية، وتسبّب في الإضرار بالاقتصاد الوطني من خلال استنزاف العملة الصعبة وتضخيم كبير للفواتير من قبل "مستوردين وهميين"، حتى بلغ احتياطي الصرف خلال سنة 2019، 40 مليار دولار، بعدما كان يصل إلى 200 مليار دولار في سنة 2014. وقد فصل الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان في قضية الاستيراد بصفة عشوائية نهائيا، وقال وهو يرد على انشغالات نواب البرلمان: "لن نعود للاستيراد كما في السابق وهو الاستيراد العشوائي"، في إشارة منه إلى وجود بعض بقايا المستوردين المزيفين الذين تحدث عنهم سابقا رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من باب أن تهريب العملة الصعبة جريمة في حق الاقتصاد الوطني. كما أضاف الوزير الأول: "لن نعود إلى الفترة السابقة في استيراد ما يمكن زراعته من بقول من خلال زيادة قدرات التخزين السنوية". إجراءات محاربة الاستيراد المزيّف ولمواجهة ظاهرة الاستيراد العشوائي والمزيف الذي تسبب في تضخيم فواتير السلع، واستنزاف العملة الصعبة، باشرت السلطات العليا في البلاد، بتعليمات من الرئيس عبد المجيد تبون، باتخاذ إجراءات جدية لمحاربة الظاهرة، وبذل جهود حثيثة في مجال الرقابة على التجارة الخارجية، بعدما شهدت البلاد في السابق موجة نهب وتهريب للعملة الصعبة إلى الخارج في إطار عملية "استيراد مزيف" من قبل مستوردين ورجال مال وأعمال، عبر تضخيم فواتير السلع القادمة من الخارج، واستيراد عشوائي لكل شيء حتى المواد التي لم يكن المستهلك في حاجة إليها، على غرار الحجارة، البلاستيك، العلك وجل المواد الغذائية التي تنتجها الجزائر وغيرها، فجاءت القرارات الصارمة للحد من إغراق السوق بمواد هي في غنى عنها، دون التأثير على متطلبات المواطنين، ولا إحداث ندرة في الأسواق، وبذلك فقد تمّ الاستغناء عن الكماليات بشكل يدعم الإنتاج المحلي. الإستيراد..تحت مجهر الرّقابة وضمن الجهود الحثيثة في سبيل النهوض بالاقتصاد الوطني، نجحت الحكومة في خفض تكلفة الواردات من 63 مليار دولار إلى 38 مليار دولار، دون حرمان الجزائريين من الضروريات، في إطار محاربة الاستيراد العشوائي، والتحكم في علمية الاستيراد، ما سمح باسترجاع فائض من العملة كان يوجه إلى الخارج، حسب الأرقام التي قدّمها رئيس الجمهورية في جانفي 2023. وفي هذا الاتجاه، باشرت الجزائر خلال السنة الجارية باستحداث المجلس الأعلى لضبط الاستيراد يقوم بضبط العملية من خلال إحداث التوازن بين الإنتاج الوطني والاستيراد، فإن سجل انخفاض في الإنتاج الوطني لأي سبب كان، ستعمل الهيئة سالفة الذكر على ضخ المزيد من عمليات الاستيراد، من باب أن عملها يهدف لضبط علمية الاستيراد من أجل تنظيم السوق، وبغية خفض فاتورة الواردات والحفاظ على العملة الصعبة، والحفاظ على وفرة المنتجات بالأسعار المقبولة وبالجودة المطلوبة وبالتوزيع الصحيح عبر 58 ولاية، حيث أنّ هذا المجلس يحدد كل قطاع حسب حجم استهلاكه المحلي وكمية إنتاجه، ليتم بعدها تحديد كمية الاستيراد لمواجهة تكسير الاقتصاد الوطني والإنتاج الصناعي الجزائري. لا تضخيم في الفواتير.. بهذا الخصوص، أكّد الخبير الاقتصادي جلول سلامة، أنّ الاقتصاد الجزائري مرتبط في شق معتبر بالاستيراد لمختلف المواد الأساسية والمصنعة وشبه المصنعة، لتلبية متطلبات الاستهلاك المباشر وحاجيات الصناعة المحلية، مبرزا أن الاقتصاد الجزائري لا يستطيع الاستغناء عن الاستيراد تحت نسبة 60% من مجموع حاجياته من الخارج. وأشار المتحدث إلى أنّ تطبيق سياسة كبح الاستيراد كان من أجل تقليص فاتورة الواردات عموما وضبط سلة المنتجات الضرورية، وتحييدها عن مجمل المواد المستوردة، مبرزا أن سياسة كبح الواردات كان أساسه محاولة تفكيك منظومة تضخيم الفوترة وتوقيف فوضى الاستيراد لكل شيء من أجل الحفاظ على قيمة الصرف بالعملة الأجنبية، نظرا للفارق الكبير مع سعر العملة في السوق الموازية للنقد، علما أنّ عدد المتدخلين في استيراد البضائع الموجهة للبيع على الحالة تقلص إلى 14.858 متدخل بعدما كان عددهم قبل سنة 2022 يتعدى 43 ألف متعامل، دون المساس باحتياجات السوق الوطنية والمستهلك. وفق آخر أرقام الحكومة، وقال محدثنا: "كخبراء اقتصاد، دعمنا الخطوات الأولى لسياسة ضبط الواردات في بدايتها، وشجّعنا تطهير التجارة الخارجية من الدخلاء والوسطاء وأصحاب العمليات المشبوهة والقائمين على الغش الممنهج، وبموجب ذلك، تقلص عدد المستوردين وقابله ارتفاع طفيف في عدد المصدرين. وأعطى الخبير بعض الأرقام حول عملية الاستيراد عندما قال: "سجّلت عملية الاستيراد 38 مليار دولار خلال سنة 2021، 39 مليار دولار في 2022 و41 مليار دولار مرتقبة في 2023، تقابلها صادرات في نفس السنوات ب 38 مليار دولار ثم 65 مليار دولار و58 مليار دولار إلى نهاية جوان 2023، مبرزا أن الواردات قد ارتفعت بنسبة 3 ملايير دولار في ظرف ثلاث سنوات، بينما ارتفعت الصادرات بنسبة تقارب عشرة مرات، أي في حدود 30 مليار دولار.