من الرئيس الراحل بومدين إلى الرئيس تبون.. قضية مقدسة قولا وعملا أبرزت الأحداث الأخيرة في فلسطين، وبالأخص في قطاع غزة الذي يعيش هجومًا صهيونيًا غير مسبوق، قوة وثبات الموقف الجزائري المساند للقضية الفلسطينية. ومنذ زيارة الرئيس الفلسطيني إلى الجزائر في ديسمبر 2021، سعت الجزائر بكل قوة، الى إعادة بعث وإحياء القضية الفلسطينية في ظل محاولات كثيرة من الأطراف الإقليمية والدولية لتهميشها وطمسها والرهان على مشروع التطبيع. لكن الوقائع الأخيرة أكدت فشل هذا المسعى وبيّنت أن الحلّ العادل للقضية الفلسطينية يتطلب إشراك الفلسطينيين أنفسهم باعتبارهم أصحاب الحق والأرض. تضامن تاريخي تتميّز العلاقات الجزائريةالفلسطينية بعمقها التاريخي واستدامتها عبر الزمن. ويعد دعم القضية الفلسطينية من ركائز الدبلوماسية الجزائرية، وهو دعم يظهر على الساحتين الرسمية والشعبية. كما واصلت الجزائر، وبلا هوادة، مساندة الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الجهود الدبلوماسية أو بتقديم الدعم المالي الهائل بملايين الدولارات سنويًا. وتمتلك الجزائر تاريخا طويلا في استضافة الفصائل الفلسطينية على أراضيها، وعلى رأسها حركة فتح. كما أن لها تاريخا في احتضان المؤتمرات الفلسطينية، أبرزها ذلك الذي أفضى إلى إعلان استقلال دولة فلسطين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988. كما تعد الجزائر أول بلد عربي يستضيف مكتبا لحركة فتح سنة 1963، وفي عام 1965 أصبحت الجزائر من أوائل الدول التي تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، مع افتتاح أول مكتب للمنظمة في الجزائر العاصمة. مبادرة استثنائية في ديسمبر 2021، شرعت الجزائر في جهود دبلوماسية لإطلاق مبادرة للمصالحة الوطنية بين الفلسطينيين، نظرًا للاضطراب الداخلي بين الفصائل الذي زعزع استقرار وحدة الصف الفلسطيني منذ أوت 2007. وركزت الجزائر على التنسيق بين 14 فصيلًا فلسطينيًا لتنظيم مؤتمر بغية وضع خارطة طريق لإنهاء الخلافات ومواجهة المحاولات الصهيونية التي استفادت من الانقسام الفلسطيني الداخلي. وفي أكتوبر 2022، اجتمعت الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، في الجزائر وأصدرت «إعلان الجزائر» الذي يتضمن خارطة طريق لحل الخلافات، مع تشكيل لجنة عربية لمتابعة التنفيذ برئاسة جزائرية. فلسطين أولا.. بعد شهر من مؤتمر المصالحة، استضافت الجزائر القمة العربية الحادية والثلاثين تحت شعار «فلسطين أولاً»، أفرزت القمة بيانًا ختاميًا يشدد على الحاجة للجهود العربية المشتركة لتحقيق عضوية دائمة لفلسطين في الأممالمتحدة، مؤكدة على الدعم العربي للقضية، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا. وفي جانفي 2023، غذت الجزائر الروح الجديدة للقضية من خلال إدراجها في مؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد بالجزائر، وتم التركيز على إحياء القضية على الساحة الإسلامية، خاصة في ظل النهضة الاقتصادية التي تشهدها دول إسلامية كبرى، مثل تركيا وإندونيسيا، والتي أصبحت تمتلك تأثيرا عالميا ومن الممكن أن تفيد القضية الفلسطينية، حيث سجلت اندونيسيا ناتجا إجماليا خاما بأكثر من 1200 مليار دولار في 2023 وتعدادا سكانيا يتجاوز 273 مليون نسمة. علاوة على ذلك، وفي كلمته أمام قادة العالم في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي، قال رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إن الوقت قد حان للتفكير في سبل إعلاء قيم ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة «وتعزيز التزاماتنا الجماعية وإرساء الأسس المتينة التي تفضي إلى مزيد من التعاون العالمي الفعال بشأن القضايا الرئيسية حتى نتمكن من إشعاع السلم والأمن الدوليين وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل عالم متعدد الأقطاب». مع تأكيده على دعم الجزائر لحق الشعب الفلسطيني في قيام دولته المستقلة وفق المبادرة العربية لسنة 2002. مع فلسطين ظالمة أو مظلومة مازالت المقولة التي أطلقها الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين في الأممالمتحدة، «نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة» راسخة في الوجدان الجزائري رسميا وشعبيا. وهذا ما عكسته ردة الفعل الرسمية والتي أدانت بشدة القصف الصهيوني على غزة بعد الهجوم الذي شنته المقاومة على المستوطنات الصهيونية المحاذية للقطاع، كرد فعل طبيعي على سياسة الحصار التي تشهدها غزة منذ أكثر من 20 سنة. أضف الى ذلك، محاولة ترحيل السكان ومواصلة الكيان لسياسته الاستيطانية ضاربا كل القرارات والمواثيق الدولية عرض الحائط مع سكوت غربي رهيب. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قد اتصل بالرئيس تبون مباشرة بعد التصعيد الأخير، طالبا المساعدة الجزائرية. وأكد الرئيس تبون، أن الجزائر تدعم فلسطين في منح المساعدات المطلوبة والتي انطلقت في الأيام القليلة الماضية باتجاه مصر للدخول الى قطاع غزة. وفي بيان رسمي، أكدت الجزائر أن هذه المساعدات العاجلة تعبّر عن التزام الجزائر، قيادة وشعبا، بالتضامن اللامشروط واللامحدود مع الشعب الفلسطيني الشقيق، الذي يتعرض إلى عدوان متواصل، لاسيما في قطاع غزة، من قبل قوات الاحتلال في ظل حصار شامل جائر. كما خرجت مسيرات شعبية في مختلف ربوع الوطن في الأيام الماضية، أدان فيها الجزائريون الغارات الصهيونية المستمرة على قطاع غزة والتي أودت بحياة الآلاف من الأشخاص. ورفعوا العلمين الجزائريوالفلسطيني ورددوا شعارات ضد الاحتلال الصهيوني وداعميه من الدول الغربية. وتظل الجزائر أبرز الدول العربية والإسلامية التي تساند قضية فلسطين بكل إصرار وعزم، وهي تتعهد بالمضي قدمًا في هذا الدعم حتى تحقيق العدالة والسلام في فلسطين وإقامة دولتها المستقلة على أرضها.