يعود الحدث الثقافي الأول في البلاد، "صالون الجزائر الدولي للكتاب" الذي يستقطب، في كل دورة، ما يفوق مليون زائر من جميع ربوع الوطن. وترفع هذه الدورة السادسة والعشرون شعار "إفريقيا تكتب المستقبل"، مسلطة الضوء على ما تزخر به القارة، ضيفة شرف هذه الدورة، من كنوز ثقافية وأدبية. كما تتزامن فعاليات الصالون مع المأساة التي تعيشها فلسطين، ومن ورائها الأمة قاطبة، ما يجعل من "سيلا" موعدا لتجديد العهد للقضية الأولى. أثبت "صالون الجزائر الدولي للكتاب" (سيلا)، أنه ليس مجرد معرض للكتب وجديد الناشرين، بل ملتقى للأفكار، والآراء، وأقلام من مختلف المشارب والمناهج، ستلتقي في قصر المعارض بالصنوبر البحري بالجزائر العاصمة، أين تقام الطبعة السادسة والعشرون إلى غاية الرابع من شهر نوفمبر الداخل. ويشارك في هذه الدورة 1283 عارضاً من 61 دولة، من بينها 18 دولة إفريقية، على مساحة عرض تقدر ب20 ألف متر مربع. ويقترح العارضون قرابة 300 ألف عنوان، على جمهور يراهن المنظمون عليه، إلى أنهم يتوقعون أن تسجّل هذه الدورة "مشاركة قياسية لم تحققها دورات صالون الكتاب من قبل، ما يؤكد مكانته الرائدة". ^ استراتيجية لبناء الانسان.. ليس صالون الجزائر الدولي للكتاب مجرد نشاط ثقافي أو سوق لبيع الكتب، بقدر ما هو ثمرة رؤية وإرادة لدى السلطات العليا من أجل النهوض بالمستوى الثقافي وتشجيع المقروئية في أوساط المواطنين. وقد تجسّدت هذه الرؤية على مدى السنين، وتجلّت أيضا في الدورة السابقة من التظاهرة، حينما قرّر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون إعفاء كل دور النشر المشاركة في الصالون الدولي للكتاب من تكاليف كراء الأجنحة، دعما لقطاع النشر الذي تضرّر من تداعيات جائحة كوفيد 19 وما تبعها من حجر صحي. كما أكد الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، خلال افتتاح الدورة السابقة من الصالون، على أن الدولة الجزائرية تعمل على رفع نسبة المقروئية لدى المواطن الجزائري، لا سيما من خلال السهر على تنظيم مثل هذه المعارض، داعيا إلى تحسين نوعية الكتاب شكلا ومضمونا. من جهتها، دعت وزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، في ختام الطبعة الماضية، إلى التخلي عن النظرة المسبقة التي تنفي وجود القراءة في الجزائر، معتبرة هذه التوصيفات غير صحيحة وتفتقر إلى المرجعيات التي تبرز صحتها. كما توقعت الوزيرة أن تكون الطبعة ال26 أكثر جودة، "حتى يكون الصالون الدولي للكتاب الذي تنظمه الجزائر، ثاني أو ثالث صالون في العالم". وحين إشرافها على إطلاق الطبعة الأولى من تظاهرة "منتدى الكتاب"، أفادت مولوجي بأن وزارة الثقافة تصبو إلى "تفعيل استراتيجية النهوض بالكتاب والقراءة في الجزائر، مع مراجعة آليات نشاطها وتفعيل برامجها بشكل يستجيب أكثر لتطلعات المواطن الجزائري"، مشيرة إلى "العدد المعتبر من العناوين المنشورة هذه السنة"، سواء في التظاهرات الكبرى، على غرار ستينية الاستقلال، وكذا البرنامج السنوي لدعم النشر والكتاب. وفيما يتعلق بهذه الطبعة من صالون الكتاب، شدّدت مولوجي على "ضرورة العناية بكل الجسور الثقافية والإبداعية المتصلة بالقارة، لتحقيق المستوى المطلوب من الإشعاع الثقافي الجزائري وامتداداته الأفريقية". كما دعت إلى "العناية بفئة المبدعين الشباب والأقلام الجديدة في الصالون دعما للمواهب وتشجيعا لها". ^ فلسطين في القلب.. وإفريقيا تكتب المستقبل يعود صالون الجزائر للكتاب، وفلسطين، ومن ورائها الأمة قاطبة، تواجه عدوانا همجيا يمارسه احتلال مفلس إنسانيا وأخلاقيا. وعلى الرغم من هذه اللحظات المأساوية التي تعيشها، تواصل فلسطين الثقافة والإبداع حضورها في معرض الجزائر، وهي التي سجّلت حضورها على امتداد دوراته. وسيحمل لواء هذه المشاركة المميزة كل من الكاتبين إبراهيم نصر الله ويحيى يخلف. كما أكد محافظ الصالون، محمد إيقرب، عشية انطلاق "سيلا"، تنظيم تظاهرة ضخمة تضامناً مع الشعب الفلسطيني. ودائما على وتر المقاومة، سيتم إحياء الذكرى العاشرة لرحيل الزعيم نيلسون مانديلا، وكذا الاحتفاء بشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا. وكما جرت العادة، يُختار لكل دورة ضيف شرف، له باع في عالم الكتاب والنشر. ولكن ضيف الشرف هذه المرة ليس بلدا، بل قارة بأكملها، لم تقدم للبشرية إبداعا فحسب، بل تعتبر مهدا للبشرية جمعاء: هي إفريقيا، القارة التي تجري فعاليات الطبعة الحالية على شرفها، والتي ستكون الآداب والثقافة الأفريقية محورا لها. وكما كتبت إفريقيا التاريخ والحضارة، فستكتب الحاضر والمستقبل، ومن هنا جاء اختيار الشعار الذي ترفعه هذه الدورة من صالون الجزائر الدولي للكتاب: "إفريقيا تكتب المستقبل". وفي هذا الصدد، قال محافظ "سيلا" إنّ اختيار إفريقيا ضيف شرف يعكس البعد الإفريقي للجزائر اقتصادياً وثقافياً وجغرافياً، ويهدف إلى مد جسور التواصل بين الجزائر والشعوب الإفريقية كافة. وستشهد هذه الطبعة اهتماما ب«الكنوز الثقافية والأدبية لقارتنا، من خلال برنامج يركز على اكتشاف المؤلفين ذوي الصيت الواسع عبر القارة السمراء، حيث سيتداول روائيون ومؤرخون وباحثون من إفريقيا، والولاياتالمتحدة، وأوروبا، وآسيا، على حلقات نقاش حول التراث الثقافي والإبداع الأدبي، فضلا عن تحديات القارة في مطلع القرن الحادي والعشرين"، يقول منظمو "سيلا". ومن الشخصيات الأدبية والفكرية المكرّسة في مجال إبداعها، التي سيكون بوسع جمهور الصالون مقابلتها والتواصل المباشر معها، نذكر كاليكست بيالا (الكاميرون)، تييرنو مونينمبو (غينيا)، رشيد بوجدرة (الجزائر)، مايسة باي (الجزائر)، أكلي تاجر (الجزائرفرنسا)، فاطوماتا كايتا (مالي)، مانهوغنان كاكبو (بنين)، وغيرهم. كما سيسجل عدد من المؤرخين المتميزين حضورهم، على غرار تود شيبارد (الولاياتالمتحدة)، مليكة رحال (الجزائر)، عمار محند عامر (الجزائر)، فؤاد سوفي (الجزائر). وفي إطار المعرض ولكن خارج أسوار أجنحته، تستضيف هذه الطبعة ندوة دولية حول الصوفية، بكل ما يعنيه ذلك من قواسم مشتركة بين الجزائر وامتدادها الإفريقي، وبمناسبة ذكرى رحيله الخمسين، تحتضن المكتبة الوطنية ندوة دولية حول مالك بن نبي، وأعماله، وفكره. وكانت وزيرة الثقافة والفنون قد أكدت على ضرورة انفتاح الصالون على فضاءات ثقافية جديدة، بتنظيم بعض الندوات الكبرى والفعاليات خارج أروقة العرض، على غرار قصر الثقافة مفدي زكريا، المكتبة الوطنية، ومتحف السينما. وإلى جانب ما سبق، يقترح "سيلا" قطبا محوره النشر الرقمي، "وهو موضوع راهن وسبقت الإشارة إليه في الماضي، غير أنه سيكتسي أهمية خاصة هذا العام، ويتمثل الهدف الأساسي منه في جمع مهنيي صناعة الكتاب والعاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات والرقمنة في فضاء واحد للنقاش في سبيل بلورة خطة عمل مشتركة للمستقبل، لا سيما وهو الموضوع الذي يفرض نفسه في واقعنا أيضاً في ضوء عملية الرقمنة التي شُرع فيها في جميع المجالات في بلدنا بمبادرة من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون"، تؤكد الجهة المنظمة. في الأخير، تجدر الإشارة إلى أن ثراء برنامج هذه التظاهرة الثقافية، سواءً المسطّر من قِبل الجهة المنظمة، أو الذي يقترحه مختلف العارضين والمشاركين، يجعل من الصعب التطرّق إليه بإسهاب وتفصيل في هذه السانحة، لذا فإن الجمهور مدعو إلى زيارة المعرض، والاستفادة ممّا تيسر من هذه الطبعة التي يُنتظر منها الكثير.