وصف رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، أمس، ما يحدث في فلسطين من عدوان جائر على شعب أعزل ب «مهزلة في تاريخ الإنسانية»، حيث يتم تخيير أصحاب القضية والأرض بين الخضوع لِلأمر الواقع أو التّنازُل عن أرضه أو الإبادة الجماعيّة، محملا مجلس الأمن الدولي المسؤوليّة الكاملة تاريخيا وأخلاقيا تجاه الانتهاكات المستمرة الّتي يمارسها الاحتلال الصهيوني. في افتتاحه لأشغال الجلسة الاستثنائية حول الوضع الخطير في فلسطينالمحتلة، نظمت بالمجلس الشعبي الوطني، بحضور وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، قال بوغالي «نجتمع اليوم تحت قبة المجلس الشعبي الوطني وقلوبنا منفطرة أمام ما يحدث لِإخوانِنا وأُمّهاتنا وأَطفالنا في غزّة العزة المُحتلّة، تَحت مَرأى ومَسْمع العالم بِأسرِهِ». وتأسف بشدة لاستمرار تعاطي المجتمع الدّولي، بدم بارد وبِهُدوء تامّ، مع الكيان الصهيوني، واجتهاده في تبرير جرائمه الشّنعاء، بَلْ واعتباره بكل وقاحة «الضحيّة» التي تدافع عن نفسها. وتساءل بوغالي، «مُنذ مَتَى تَساوت الضّحيّة بِالجلّاد، وأصبحت المُطالبة بِالحقوق الإنسانيّة المشروعَة ومقاومة المحتل إرهابا؟ وإلى متى يظلّ المُحتلّ الصهيوني يتمتّع بِحصانة مُطلقة من المتابعة والمساءلة عن جرائمه، بِالرّغم مِن انتهاكه العلني لِأَبْسط الحقوق الفرديّة وارتكابه أبشع أشكال العنف والتّقتيل والتّعذيب والتنكيل وأفعال لا يمكن وصفها إلا بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فضلا عن التّهجير القسري الّذي يعد لوحده جريمة تصفية عرقيّة». وحمّل رئيس المجلس الشعبي الوطني، مجلس الأمن الدولي المسؤوليّة الكاملة تاريخيا وأخلاقيا تجاه الانتهاكات المُستمرّة الّتي يُمارِسها الاحتلال الصهيوني لميثاق الأممالمتحدة ولقراراته ذات الصلة ولجميع الاتفاقيات التي تنظم الحرب والسلم بين الأمم، وفي مقدمتها اتفاقية جنيف لسنة 1949. ودعا بوغالي، بكل صرامة ووضوح، إلى إدانة العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني والوقف الفوري لهذه الحرب الوحشية التي نسفت كل قيم الإنسانية والحضارية، وتكاد تعصف بما تبقى من مصداقية لهذه الهيئة الدولية ولكل ما تدعو إليه من مبادئ وقيم. في هذا المقام، استنكر رئيس المجلس الشعبي الوطني، بشدة، سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها بعض الدول والمنظمات، كلما تعلق الأمر بجرائم المحتل الصهيوني. كما استنكر تمادي البعض في سياساته التطبيعية على حساب دماء الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. وندد بالتحيز المفضوح للإعلام وقلب الحقائق والتخندق في جهة الجلاد والتجرد من المصداقية والاحترافية في العمل الإعلامي. وأمام كل ما يحدث، أكد بوغالي أنه قد حان الوقت لِتجنيد كافّة الطّاقات، حكوميّة كانت أم دبلوماسيّة أم برلمانيّة أم شعبيّة، لِوضْعِ حَدٍّ نِهائي ودائم لِخمسة وسبعين عامًا مِن القَهْر والإهانة والاحتلال الغاشم لِشَعْبٍ ذاق الأَمَرَّيْن وسُلبتْ مِنه أدنى حُقوقه الإنسانيّة، ودفع المجموعة الدولية إلى تطبيق الأحكام والّلوائح الأمميّة الواضحة حفاظا على ما بقي من مصداقيتها. وقال بوغالي، «كفَانَا مِن الشّعارات الوهميّة والاجتماعات واللّقاءات الّتي تظلّ مُخرجاتها حِبْرًا على وَرق، فنحن اليوم أمام مأساة حقيقيّة تَضَعُ الجاني والمجني عليه على نفس المُستوى مِن المسؤوليّة ولابُدَّ مِن تحسيس الرّأي العامّ الدّولي بِأنّ عدم الاعتراف بِالحقّ التّاريخي والمشروع لِلشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المُستقِلّة وعاصمتها القدس الشّريف، هُو العامِل الرّئيسي في تدهور وعدم استقرار منطقة الشّرق الأوسط بِأكملِهَا». وأبرز بوغالي، أنه بهذا الأسلوب سنؤسس لمقاربات مغلوطة ستدفع ثمنها الأجيال الصاعدة وستنمي الكراهية والعنف بين الشعوب. وأشار إلى أن المجلس الشعبي الوطني، بكل مكوناته السياسية وعلى قلب رجل واحد، يخاطب كل ضمير حر في هذا العالم ويوجه نداء لكل البرلمانات، بأن تثور في وجه هذا الطغيان الذي تجاوز كل حدود القوانين والأعراف والأخلاق والقيم الإنسانية، حيث أصبح يبيد الإنسانية وينصب لها المشانق والمحارق والمجازر والمذابح أمام مرأى ومسمع من العالم، ولا يستثني الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ وحتى الصحفيين، ويتعمد ضرب كل مقومات الحياة والمعتقدات والبنى التحتية، ولم يسلم من همجيته لا المستشفيات ولا المدارس ولا المساجد ولا الكنائس، وهو وضع قال «لا يمكن السكوت عنه»، خاصة أمام انحياز بعضهم للجلاد والتخندق ضد الضحية. من جهة أخرى، ثمن بوغالي مواقف الجزائر الثّابتة والرّاسخة في المحافل الجهويّة والدّوليّة، تنديدًا بِالإبادة الجماعيّة الّتي تُرْتَكَب في حقّ مدنيّين عُزَّل وأطفال أبرياء، من أهلنا في فلسطين، ولاسيما مقاطعة الاجتماعات والقمم التي يشارك فيها المحتل الصهيوني، أو تلك التي تضع الضحية والجلاد في مقام واحد، معتبرا أن هذه المواقف تعكس شجاعة وإصرار قيادة بلادنا النابعة من ثبات الشعب الجزائري الأبي على مواقفه ومبادئه المستلهمة من مبادئ وقيم ثورتنا المجيدة وبيان الفاتح من نوفمبر 1954. عطاف: الجزائر تواصل مساعيها لفك الحصار على غزة من جهته، كشف وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، أمس، استمرار مساعي الجزائر الحثيثة إقليميا ودوليا لدعم المطالب المستعجلة التي يفرضها الوضع الراهن في فلسطينالمحتلة، مؤكدا أن الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة أشقائنا المضطهدين في غزة وفي كافة ربوع الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وجهٌ من أوجه الوفاء لتاريخها الوطني ولمبادئ الثورة التحريرية المجيدة التي نحيي اليوم ذكراها 69 الناصعة. عدد وزير الخارجية، في كلمته أمام الجلسة الاستثنائية حول الوضع الخطير في فلسطينالمحتلة، المنظمة بالمجلس الشعبي الوطني، أربعة مطالب استعجالية، قال «إن الجزائر تواصل مساعيها إقليميا ودوليا لدعمها»، تتعلق بفك الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من ستة عشر عاماً، ووقف القصف العشوائي الذي راح ضحيته آلاف الأرواح البريئة، ووقف التهجير القسري للسكان والسماح بإغاثة أهل غزة دون قيود أو شروط. وأبرز عطاف بالمناسبة، مواقف الجزائر الثابتة والمشرفة تجاه القضية الفلسطينية، حيث قال إنها «شددت في جميع الاجتماعات التي شاركت فيها، سواء على مستوى جامعة الدول العربية، أو على مستوى الأممالمتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن والجمعية العامة، على حتمية معالجة الأسباب الجذرية للصراع برمته، عبر إحياء مسار السلام في الشرق الأوسط والعمل على إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتمكين إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف». في ذات السياق، حذر عطاف من مغبة مواصلة الرهان على الأسوإ، عبر إطفاء شعلة الأمل لدى الشعب الفلسطيني، الذي لا تعرف أجياله الحديثة، مثلما ذكر، «أي شيء عن مسار السلام، فآخر مبادرة للتسوية السلمية تعود لسنة 1998، ومنذ ذلك الحين لم تشهد القضية الفلسطينية أي اهتمام دولي في صورة تحرك يهدف لتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني وتمكينه من استرجاع حقوقه كاملة غير منقوصة». وذكر عطاف بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، المعتمد منذ أربعة أيام، والذي يدعو لهدنة إنسانية فورية ويتضمن حدا أدنى من الالتزامات للاستجابة للوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، محملا مسؤولية وقف العدوان الصهيوني، ووضع حد لتجبره وتسلطه وطغيانه، ومسؤولية ضمان الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، لمجلس الأمن الذي لا يمكنه، كما ذكر، «بأي حال من الأحوال، وتحت أي ظرف من الظروف، التنصل منها ومن تبعات عجزه عن التحرك لإنهاء هذا الظلم التاريخي الذي طال أمده بحق الشعب الفلسطيني». من هذا المنظور، وبصفته صانع القرار السياسي الخارجي والمشرف الأول على تنفيذه، قال عطاف «إن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حدَّد وشخَّص بدقة وصرامة روافد موقف الجزائر من الحل العادل والشامل والدائم للصراع العربي الصهيوني، وهي 6 روافد؛ يتمثل الرافد الأول في الاستجابة الفعلية والجادة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في حين يتمثل الرافد الثاني في توحيد الصف الفلسطيني بغية تعزيز موقعه في الأطر الدولية الهادفة لإحلال السلام في الشرق الأوسط وتقوية نفوذه وتأثيره فيها، وكذا إعطاء صلابة أكبر لمرافعاته لصالح مشروعه الوطني ولمطالباته بحقوقه المشروعة». أما الرافد الثالث، فيتمثل في ضمان حماية دولية مستعجلة للشعب الفلسطيني في وجه خروقات وتجاوزات الاحتلال الصهيوني. ويتمثل الرافد الرابع في إقدام الجمعية العامة على منح عضوية كاملة لدولة فلسطين، ممهِّدة بذلك الطريق للحل المبني على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة وسيّدة. ويتمثل الرافد الخامس في إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس المبادرة العربية المتبناة في قمة بيروت سنة 2002. ويتمثل الرافد السادس في تتويج أي عملية سلام بإقامة دولة فلسطينية على حدود جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وأكد عطاف، أن قناعة الجزائر تبقى راسخة، من أن الوضع الراهن أخطر بكثير من أن يتم التعامل معه دون معالجة التراكمات التاريخية التي أدت إلى تكرار ظهوره عشرات المرات طيلة العقود الماضية، وأن السلام الدائم والمستدام في الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتحقق طالما استمر المجتمع الدولي في تجاهل تطلعات الفلسطينيين الشرعية والمشروعة لتحرير أراضيهم المحتلة وإقامة دولتهم المستقلة، وأنه ما من قوة، وما من جبروت يمكن أن ينال من عزيمة الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه المسلوبة. 5 أسباب للعدوان الصهيوني على غزة عدد وزير الخارجية، 5 أسباب للعدوان الصهيوني السافر على قطاع غزة، وقال «إن ما يطال غزة اليوم من عدوان سافر، وما يطوقها من حصار جائر، وما تتعرض له من سفك الدماء، وزهق الأرواح، ليس وليد أحداث السابع من أكتوبر الجاري، بل هو مرحلة متقدمة من مراحل استمرار وتوسع وتفاقم الاحتلال الصهيوني. هذا الاحتلال الذي أشهر أحد مسؤوليه، منذ بضعة أسابيع، ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، خريطةً تمحو فلسطين تماماً من الوجود، معيدا إلى الحياة مشروع الكيان الصهيوني الكبرى». وأضاف، أن هذا العدوان ليس إلا نتاج الحصانة الممنوحة، جوراً وزوراً، للاحتلال الصهيوني ودعمه معنوياً وسياسيا وعسكرياً وإعلامياً لاحتلال وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات على أشلاء ساكنيها الفلسطينيين الأصليين». كما أن هذا العدوان ما كان ليحصل، حسب وزير الخارجية، لولا السجل الدولي الحافل باللامساءلة، واللامحاسبة، واللامعاقبة للاحتلال الصهيوني وتجاوزاته وخروقاته، وعبثه بكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية. مبرزا أن هذا العدوان ليس إلا محصلة غياب إرادة سياسية دولية صادقة لحل القضية الفلسطينية، هذه القضية التي هُمشت وغُيِّبت، بل وطُمِست، من جدول أعمال المجموعة الدولية طيلة العقدين الماضيين، وهي التي لم تحظ بأي مبادرة جدية للسلام منذ تسعينيات القرن الماضي. وأخيرا، أن هذا العدوان لم يكن ليتحقق لولا تراجع الضغط العربي في خدمة القضية الفلسطينية، وانحسار الدور الدبلوماسي العربي في نصرة الشعب الفلسطيني وفي تأييد مشروع دولته الوطنية في أعقاب آخر مبادرة تم طرحها منذ ما يربو عن عشرين عاماً. وأمام وضع كهذا، تأسف وزير الخارجية لازدواجية المواقف الدولية في التقديرات والتموقعات والمعايير المطبقة، حيث يتسارع البعض في إدانةِ المساس بالمستوطنين، وفي ذات الحين يغضَّون الطرف عن أشد أشكال التقتيل والقمع والتنكيل التي يتعرض لها أصحاب الأرض الأصليون، والمرافعة زوراً وبهتاناً بحق المحتل في الدفاع عن نفسه. وفي ذات الحين، يجردون الشعب القابع تحت الاحتلال من أبسط الحقوق التي تكفلها له الشرعية الدولية، بما في ذلك حقه في رفض التصفية والفناء. وقال عطاف، إن «شعوب المعمورة التي هبت لنصرة الشعب الفلسطيني من كل حدب وصوب، ضاقت ذرعاً بهذه المقاربة التي تصدم العقول وتعارض المنطق وتخل بواجب الإنصاف وبهذه المقاربة التي ترفضها جميع الضمائر الحية، وبهذه المقاربة التي تستهجنها أي فطرة سوية، متسائلا أي منطق هذا الذي يبرر قتل أكثر من ثمانية آلاف مدني فلسطيني، منهم أكثر من ثلاثة آلاف طفل ورضيع؟ وأي منطق هذا الذي يبرر تدمير أكثر من خمسٍ وأربعين من المائة (45%) من البنايات على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة؟ وأي منطق هذا الذي يبرر قصف المستشفيات، والمدارس، والمساجد والكنائس، ومقرات الوكالة الأممية لإغاثة اللاجئين؟ وأي منطق هذا الذي يبرر تهجير شعب بأكمله من أرضه بالقوة وتحت القصف الجوي، خدمةً لأجندة توسعية تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها؟ وأكد أن الجزائر قالت كلمتها في أكثر من محفل إقليمي ودولي، منذ بداية هذا التصعيد، وهي تعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية ونصرة أشقائنا المضطهدين في غزة وفي كافة ربوع الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وجهاً من أوجه الوفاء لتاريخها الوطني ولمبادئ ثورتها التحريرية المجيدة التي سنحيي، اليوم، ذكراها التاسعة والستين الناصعة. تعليمات الرئيس لتعزيز التضامن مع فلسطين في هذا الإطار، ذكر عطاف أنه بتعليمات من رئيس الجمهورية، فقد تجسدت أوجه التضامن الجزائري مع أشقائنا الفلسطينيين على مستويين أساسيين: المستوى الإنساني والمستوى الدبلوماسي. فعلى المستوى الإنساني، ساهمت الجزائر في إغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر مساعدات هامة واستعجالية، تم نقلها إلى مطار العريش في مصر، عبر جسر جوي مكون من طائرات تابعة للقوات الجوية الجزائرية، مشيرا إلى أن المحتل الصهيوني لايزال يعرقل إمدادات الإغاثة لسكان غزة، وهو ما يشكل بحد ذاته جريمة حرب وفق ما أكد عليه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مؤخراً.