في الحادي عشر من سبتمبر لعام الفين تمّ تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك وبعدها قامت الدنيا ولم تقعد، وجنّدت أمريكا العالم وقامت باحتلال أفغانستان ومن ثمّ العراق ومارست هناك بهذه الذريعة كل صنوف وأشكال القتل والتدمير والإرهاب، وصنّفت العالم: إمّا معهم في حربهم هذه على الإرهاب! أو ضدّهم، وصارت أمريكا تبدو أنها ومن معها الصفّ العالمي الذي وقع ضحيّة للإرهاب وبالتالي خوّلتها هذه الصفة أن تحارب الإرهاب في الطريقة التي تراها مناسبة ولها الحق أن تصنّف وتدير العالم على هذا الأساس بكل الطرق التي تناسب مقاسها وتتحرّك حسب ما تراه أهواؤها. وعندما ننظر إلى أبراج غزة نرى هول المفارقة، بداية قيل عن أن الذي قام بالفعل هناك تنظيمات إرهابية، ماذا نقول هنا عن كيان يدّعي أنه دولة فيمارس على الملأ إرهاب الدولة، معروف العنوان والهويّة وبكلّ صلف لا يخشى من أن يوصم بالإرهاب وأن يلاحق من قبل دعاة حقوق الانسان وكل القيم الإنسانية التي تتصف بها البشرية هذه الأيام، يرتكب الجريمة بكل غطرسة وعنجهية ولا يخشى في ذلك لومة لائم ولا أن تتحرّك ضده هذه الدول التي تدّعي محاربة الإرهاب وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية. أين ما تدّعيه هذه الدولة من القنابل الذكّية التي تصيب بدقّة جراحية؟ أين ما تدّعيه من أخلاقيات جيشها وحروبها الاحترافية؟ هذا الفعل يؤكد أنها مجرّد عصابة إجرامية لا تزيد ولا تقلّ، هي عبارة عن كتلة إرهابية لا تعرف من الحياة إلا ممارسة الارهاب والعدوان، هي بهذا الفعل تلخّص تاريخها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، قامت على الإرهاب ولم تتمكّن من الأرض التي احتلتها في فلسطين إلا باستخدام كافّة الوسائل والطرق الإرهابية، فلا يمكن أن يتصوّر أحد أنّ شعب فلسطين قد خرج من دياره هائما على وجهه بعد أن ترك بياراته ومدنه وقراه من إرهاب قليل، بل كيل له من الإرهاب ما دفعه إلى هذه الهجرة الجماعية المريعة؟! هذه الأيام نعيش التجربة من جديد بل بصورة أبشع وأشد ضراوة من تلك المجازر المريعة التي هجّرت شعب بأكمله واقتلعته من مدنه وقراه ليعيش الشتات ومخيمات اللجوء منذ خمس وسبعين سنة. أمريكا طالبت كل دول العالم أن تدين ما تعرّضت له من هجمات، واليوم هي ليس فقط لا تدين بل وتقف بالباع والذراع وتتماهى مع المجرم وتقدّم له الدعم بلا حدود ماديّا وسياسيا وتحبط أية محاولة في مجلس الأمن لإدانة هذا الإرهاب وأكثر من هذا الذي عودتنا عليه أنها هذه المرّة هي التي تحارب بكل إمكاناتها الاستخبارية والعسكريّة وتقوم ذلك بكلّ مباشرة فجّة وقحة دون أن تحسب لأحد أيّ حساب، خاصة الدول العربية والإسلامية المتحالفة معها. أمريكا جيّشت تحالفا دوليّا وقادت حملة ضدّ من قام بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، اليوم هي تقف بكل ما لديها من قوة ونفوذ مع المجرم!! تقف مع من يقوم جهارا وعلانية بهذه الجريمة، تمارس ازدواجية معايير ساحقة وكأن العالم ذاكرته قصيرة ولا يقارن بين موقفها وما فعلته عندما أصابها الإرهاب! وبين ما تقوم به من دعم للإرهاب الذي تمارسه ربيبتها بلا حدود. وهنا تقف أمريكا ومن يناصرها عارية من القيم الإنسانية ويجدها الناس حيث التناقض والاختلال في الموازين والمحاباة بكل عنجهية وصلف دون أن يكون لفعلها وجاهة تتستّر بها وتغطّي سوأتها، فأية قيم إنسانية تمثّلها وهي تقف بهذه الصورة الفظّة القاسية المريعة المتناقضة؟ لن تعدو صورتها صورة رجل الكابوي الذي يحترف القتل والاجرام وصورة ذاك الانسان الأبيض الذي أقام صرحه على جماجم ما يزيد عن ثمانين مليونا من الهنود الحمر الذين ابادهم دون أية رحمة. أو صورة ذاك الذي يلقي القنابل الذريّة على المدن اليابانية فيبيد ويشوّه مئات الألوف من البشر. أو ذاك الإرهاب الذي قضى على ملايين البشر في العراقوأفغانستان بحجة محاربة الإرهاب فمارس الإرهاب عليهم أضعافا مضاعفة. إن ما يقوم به هذا الكيان النازيّ الفاشيّ اللقيط وبدعم غير محدود من الولاياتالمتحدة من تدمير وقتل وإرهاب وتلك الابراج السكنية التي تتفنّن في هدمها ماكينته العسكرية المترسنة بالسلاح الأمريكي الفتّأك، بصورة مريعة ما هو إلا دليل ساطع على إرهاب العصابة التي تأخذ شكّل الدولة، إرهاب يثبت أنهم قد أفلسوا من أن يكون لهم حضارة إنسانية تستحق الاحترام بل هي على العكس تماما لا تمتّ للحضارة الإنسانية بصلة وهي عبارة عن كتلة إجرامية لا تعرف إلا الجريمة وقتل الحضارة الإنسانية وممارسة الإرهاب. وكذلك فإن هذا التوصيف الموضوعي الدقيق لما هو عليه حالهم ينطبق تماما على الولاياتالمتحدة ونحن إذ نؤكد هذا فغننا نبني ذلك على تصريحات واضحة لا تحتمل التأويل لكبار مسؤوليهم من الرئيس ووزير الخارجية والدفاع، كان آخرها قبيل استئناف العدوان الأخير تصريح وزير الخارجية الأمريكي: "إن قرّر الصهاينة مواصلة الحرب فسندعمها ونكون معها" وهذا ليس مجرّد ضوء أخضر وإنما هي الشراكة الكاملة في العدوان.