المناولة، حجر الزاوية في ترسيخ الجهد والابتكار الصناعي تسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية التي تنتهجها الحكومة لتجسيد التزامات رئيس الجمهورية، لم يستثن مجال تصنيع السيارات، وهو ما تحدث عنه خرجات وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني علي عون إلى مصانع السيارات بالجزائر، فبعد مصنع "فيات" بوهران، جاء الدور لمصنع "كيا"، فقد أمر الوزير بإعادة بعث مصانع السيارات المتوقّفة. والمتتبع للملف، يلاحظ أنّ هناك جهودا منيرة، وعملا متواصلا من أجل بعث تصنيع السيارات بالجزائر في ظلّ تعطّش السوق المحلية للمركبات بجميع أنواعها. حيث من المرتقب أن يكون عام 2024، منصة إطلاق نسيج صناعي يسمح بإقامة صناعة للسيارات بمعايير عالمية، تمكّنها من اقتحام الأسواق الدولية. أوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور حسين بن عالية، أنّ الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل شبه كلّي على النشاط الصناعي، أين تمثّل صناعة السيارات 70 % من إجمالي الصناعات الميكانيكية في العالم. ومسايرة للركب الاقتصادي العالمي، تسعى الجزائر لاكتساب خبرة في هذا المجال، تمكّنها من إقامة صناعة سيارات وطنية حقيقية، يقول حسين بن عالية، من خلال توجّهها إلى إبرام شراكات واتفاقيات تعاون، مع شركات ذات خبرة وصيت عالمي في هذا المجال. ولا يخفى أنّ الجزائر تمثل ميدان منافسة لعدد من الدّول المصنّعة التي ترغب في تصدير منتجاتها الميكانيكية من السيارات النفعية والسياحية والدراجات النارية وقطع الغيار، فالجزائر تمثل سوقا واعدة. بعد انفراج ملف السيارات الذي عرف انسدادا عمّر طويلا، تسبّب في اختناق على مستوى سوق السيارات وأضرم النيران في أسعارها. بدأت حركية الصناعة تزحف على الواقع المعيش، وتأسّست مصانع وفق دفتر الشروط محكم أصدرته وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، بعد طول دراسة وتمحيص لمختلف البنود، بما يخدم الاقتصاد الوطني ويحافظ على استقرار سوق السيارات على المدى الطويل، وتم فرض إقامة مصانع للسيارات بنسب إدماج عالية، تسمح بخلق المزيد من الفرص للمؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة وحتى الناشئة وانتعاش نشاط المناولة، وخلق مناصب شغل دائمة وغير دائمة. المناولة إجبارية في ظلّ إرادة سياسية لتطهير الاقتصاد الوطني وتثمينه بما يحميه ويؤطّره من تشريعات وقوانين تضمّنت جميعها إجراءات ردعية، قال محدّثنا إنّ السلطات العمومية من خلال وزارة الصناعة، حرصت على إقامة صناعة سيارات حقيقية، ولو تدريجيا، وجعلت هدفها بلوغ نسبة إدماج لا تقلّ عن 30%، في مرحلة أولى، ممّا يجبر المتعامل الاقتصادي القائم على مصنع السيارات من إدراج الشقّ المناولاتي، وإشراك المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة الناشئة في صناعة قطع الغيار ولواحق السيارات، وذكر الخبير الاقتصادي أنّ مصنع علامة "كيا" مستعد لتموين السوق الجزائرية بنسبة 60 إلى 65 % كقطع غيار مصنعة بالجزائر، إضافة إلى مصانع العلامات "شيري"، "فيات" و«تويوتا"، من أجل تحقيق هدف تغطية حاجيات السوق المحلية، أو على الأقلّ تهدئة حدّة الطلب على السيارات بجميع أنواعها في المرحلة الحالية. مزايا وتحفيزات أخذ ملف السيارات بعدا استراتيجيا بالنسبة للتوجّه الاقتصادي الجديد للدولة الجزائرية، حيث يرى الخبير الاقتصادي أنّه يقوم بتوفير سيارات تستجيب لتطلّعات واحتياجات المواطن الجزائري من حيث السعر والنوعية، ما دفع بالسّلطات العمومية إلى تكثيف التحفيزات الاستثمارية ومناخ الأعمال المناسب، الأوعية العقارية والتسهيلات الجبائية من أجل استقطاب المستثمر الأجنبي لبعث صناعة السيارات ببلادنا دون تمييز بين دول العالم. حيث استفاد المتعاملون الاقتصاديون من تخفيضات في الرسوم والضرائب المتعلّقة باستيراد قطع غيار السيارات الموجّهة لاستعمالها في عملية التصنيع محليا، كشرط أساسي للترخيص باستيرادها، بينما تحتفظ الدولة الجزائرية في ممارسة حقّها في الضرائب والرسوم الجمركية المعمول بها، في حال استيراد قطع الغيار بغرض تسويقها على مستوى السوق المحلية، في هذا الإطار سجلت الهيئات الرقابية عدّة تجاوزات من طرف بعض المستوردين فيما يتعلّق بكميات قطع الغيار المستوردة التي يوجّه جزء معتبر منها للأسواق بغرض الكسب المضاعف، إلا أنّ مصالح الجمارك والهيئات الرقابية لوزارة التجارة، بما يمتلكه أعوانها من خبرة واحترافية، تمكّنوا من كبح العديد من المحاولات لإغراق السوق الوطنية بقطع غيار لواحق السيارات، كانت موجّهة أساسا لاستعمالها لحاجيات التصنيع محليا. توازن العرض والطلب يرى حسين بن عالية أنّ التنافس صار واضحا بين العلامات الآسيوية والأوروبية، من خلال تقديمها لعروض تنافسية للزبون الجزائري الذي أبدى ميولا للعلامات الصينية مثل "فاو" و«شيري"، بسبب أسعارها المغرية، ويتوقّع المتحدّث انهيارا لأسعار السيارات المستعملة بنسبة 90% فور دخول الماركات الصينية السوق. وتحرص الدولة الجزائرية – يقول محدّثنا - على تحقيق أعلى نسبة إدماج ممكنة - 30 % على أقلّ تقدير، مطالبة بالارتفاع إلى 55% بعد 5 سنوات، وتصنيع محلّي كلّي لمختلف اللواحق المتعلّقة بتصنيع السيارات، بما يضمن تموين السوق المحلية من حاجياتها من المركبات نفعية أو السياحية، وهي السوق التي وصفها المتحدّث ب«المتطلّبة لكميات معتبرة من المركبات لسدّ النقص المسجّل"، مرجعا ذلك إلى عاملين أساسيين، أولهما الوضعية المهترئة لحظيرة السيارات بسبب سياسة عدم الاستيراد المنتهجة سابقا ولسنوات متتالية، وثانيهما الركود الاقتصادي الذي دام لسنوات بسبب جائحة كورونا، ممّا سبّب شحّا في السلع المعروضة بما فيها المركبات. ويتوقّع الخبير الاقتصادي أن تعرف صناعة قطع الغيار ولواحق السيارات، انتعاشا كبيرا خلال السنوات القادمة، حيث باشرت بعض المؤسّسات الاقتصادية في جلب الآلات الخاصة بهذا النوع من الصناعة، من أجل الشروع في الإنتاج الفعلي، مشيرا - في سياق متصل - إلى أنّ فتح الجزائر لمعابرها الحدودية نحو الدول الإفريقية، سيضمن ممرات آمنة للسلع الجزائرية نحو الأسواق الإفريقية، ممّا سيجعل من الجزائر منطقة عبور بالنسبة لكبريات علامات السيارات المصنّعة بالجزائر.