صرّح الدكتور أحسن تليلاني خلال تنشيطه أمسية ثقافية في "أربعاء الكلمة"، الذي تنظمه مؤسسة فنون و ثقافة بمركز النشاطات بشير منتوري، أن المسرح الجزائري هو أحد أهم أعمدة الفن الذي يحتضن التراث. أوضح تليلاني، أثناء تقديمه مؤلفيه "رشيد قسنطيني" و«سلالي علي" (اللذان يعتبران أبرز الوجوه المسرحية الجزائرية التي نجحت في تقديم الفن من خلال التراث الشعبي)، أن المسرح الجزائري مشروع فني مستمد من الفن الأوروبي، الذي دخل الجزائر سنة 1921 عبر فرقة مسرحية يُطلق عليها "جورج الأبيض"، والتي قدمت مسرحيتين باللغة العربية أمام الجزائريين الذين لم يتجاوبوا معها لبعض الاعتبارات أهمها، أن فن الأداء المسرحي كان مجهولا بالنسبة لهم رغم وجود مسارح محلية باعتبارها فضاءات محتكرة من طرف الفرنسيين، مؤكدا بذلك أن المسرح الجزائري عرف ذروته أثناء التحضير للثورة التحريرية التي اتخذت من العروض المسرحية فضاءً شعبيا يندد بالاستعمار الفرنسي ويرفض الخضوع له، باعتباره وسيلة تحتضن الشعب وتصلح المجتمع بطريقة سياسية سلسة تظهر في شكل أداء فني ذي غاية واضحة. في حديثه عن كتابه الموسوم "رشيد قسنطيني رائد الكوميديا السوداء"، قال الكاتب إنه من رواد المسرح الجزائري، يمتاز بعروضه الكوميدية والارتجالية وتأخذ من الطابع الغنائي نهجا لإيصال الرسائل التي تؤثر في توجه الشعب وتخلق نوعا من الديناميكية بين الفن المسرحي والحياة الشعبية، مشيرا إلى أن أول مسرحياته كانت سنة 1926، وكانت ناطقة باللغة العامية، تعتز بالتراث الشعبي الوطني وبطريقة كوميدية عرضها في قاعة القرصان بباب الواد أمام 1500 متفرج تحت عنوان "جحا"، هذا العرض الفني ساهم في ربط الجزائريين بالفن المسرحي المبدع. كما ركّز المتحدث على موليير الجزائر، المسرحي الكوميدي سلالي علي المدعو "علالو"، الذي قدم ما يفوق عن 200 سكاتش ومسرحية أشهرها "زواج بوعقلين"، "النائم اليقضان" المأخوذة من أساطير "ألف ليلة وليلة"، "الصياد والعفاريت"، "عنتر لحشابشي"، "الخليفة والصياد"، "حلاق غرناطة" سنة 1928، وغيرها من المسرحيات التي تعمل بالإيحاء لإيصال الرسائل. وفي السياق، أكّدت الشاعرة فوزية لارادي أن الاهتمام بالفن والتراث مرهون بتعزيز الأعمال الثقافية والتعريف بها في مختلف الفضاءات، التي تعد محطة هامة لجمع الفاعلين من النخبة المثقفة، لإبراز أبعاد أعمالهم ولمناقشة اسهاماتهم التي تثري رصيد المجتمع وتعترف بمرجعيته. واستعرض ضيف "أربعاء الكلمة" قامات فنية قديرة من أمثال محي الدين بشطارزي، رويشد والكثير من الأسماء التي قدمت للمسرح الجزائري أعمالا خالدة، لاسيما الرسالة الهادفة التي جمعت بين المتعة والمقاومة، وكان لها السبق في تنوير الرأي العام بالقضية الجزائرية، وفي تعزيز الروح الوطنية بين أفراد المجتمع الذي استلهم من تماثلات النص المسرحي الجاد الذي يتميز به النسق الركحي الوطني داخل وخارج الوطن، أواصر الموروث الشعبي، ناهيك عن واجب الحفاظ عليه من الاندثار والتزييف والتحريف.. في الختام وجّه تليلاني رسالة إلى المثقفين والفنانين والمهتمين بالتراث، يحثهم من خلالها على ضرورة العودة إلى التركيز الاعتزاز بالهوية الوطنية، والاهتمام بالتراث الثقافي الجزائري بمختلف طبوعه، باعتباره واجهة الأمة ومستقبلها، مشدّدا بذلك على ضرورة التحضير لمائوية المسرح الجزائري من خلال تثمين المراجع الثقافية وتدوين أعمال أعمدة المسرح وتوثيق إسهاماتهم.