أكّد باحثون في الملتقى الدولي حول مجازر الثامن ماي 1945، في ذكراها 79 بقالمة، أنّ هذه المجازر كشفت الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي، وأن هذه الجريمة ضد الإنسانية لن تسقط بالتقادم، وتبقى راسخة في أذهان الأجيال. انطلقت أمس أشغال الطبعة 17 للملتقى الدولي بعنوان: "مجازر الثامن ماي، القمع والإبادة في ميزان القانون الدولي"، الذي تنظّمه جامعة قالمة، بالتعاون مع مديرية المجاهدين وذوي الحقوق، أمس، بحضور باحثين ومؤرخين جزائريين ومن الدول الشقيقة، حيث يدوم الملتقى إلى غاية 9 ماي الجاري. وقال رئيس جامعة 8ماي 1945 بقالمة صالح لعقون، إنّ "مجازر الثامن ماي تركت آثارا أليمة في قلوب الجزائريين، ويشهد لها كل شبر من تراب قالمة، وفي كل ركن منها معلم تاريخي يروي قصة شعب مقاوم، فهي محطة مهمة في بناء دولة الاستقلال"، يقول المتحدث. وأشار لعقون إلى "أنّ جامعة الثامن ماي 1945، بكل مكوّناتها تؤكّد التزامها بإحياء هذه المناسبة بتنظيم فعالية أكاديمية لتوثيق تاريخ الأمة، ودراسة رصيد أرشيفها بمقاربات علمية مهمة. وأوضح رئيس جامعة قالمة أنّ هذا الملتقى الدولي سيكشف الغطاء مرة أخرى عمّا حدث في الفترة ما بين الحربين العالميتين من إبادات جماعية وجرائم حرب مروعة لا تمحى من الذاكرة التاريخية، وصفها المؤرّخون والحقوقيون بأنها جرائم ضد الإنسانية، حيث تجاوزت في إضرارها ومداها الزمني كل التوقعات". وأضاف: "هي سلسلة مترابطة تعكس الاضطهاد الكبير للشعب الجزائري لقرن ونصف من الزمن ارتكبتها القوة العسكرية الفرنسية باعتبارها أكبر قوة في الحلف الأطلسي بكل أجهزتها وإمكانياتها، راح ضحيتها آلاف الجزائريين الأبرياء العزل بناءً على مؤامرة مفضوحة هدفها كسر شوكة الحركة الوطنية ونضال الجزائريين للتخلص من المستعمر الفرنسي". وأشار الدكتور لعقون إلى "أنّ الجامعة تقترب من أربعين سنة من نشأتها حملت اسم 8 ماي 1945، بكل ما يحمله من رمزية تاريخية تعكس نضال وتضحيات الجزائريين ومجاهدي منطقة قالمة على الخصوص". من جهتها، أكّدت والي ولاية قالمة، حورية لعقون، في تدخلها أنّ مجازر الثامن "تمثّل نموذجا للعنف والقمع الاستعماري في الجزائر، وواحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبت ضد شعبنا الأعزل، الذي خرج في مظاهرات سلمية كمظهر من مظاهر النشاط السياسي المشروع دوليا في طور النظم النضالية والسياسية". وأضافت الوالي أنّ "إحياء هذه الذّكرى الأليمة، التي مكّنت الجزائريين من اكتشاف الوجه الحقيقي بفرنسا يمثّل إعادة تذكير الأجيال ببشاعة الاستعمار الفرنسي، التي ستظل مغروسة في الوجدان والوعي الجماعي للجزائريين". وقالت:«من خلال هذه المحطة التاريخية السوداء، نجدّد العهد والوفاء لأولئك الذين ضحّوا بالنفس والنفيس لتبقى الجزائر سيدة صامدة". وأبرزت والي الولاية أنّ تعميم دور الذاكرة الوطنية في مسار تشييد البلاد وحماية التاريخ والذاكرة ومحاربة النسيان يتطلّب منّا بذل مساعي دؤوبة ومثابرة في إطار برامج وخطط ناجعة تساهم في تطوير مناهج البحث التاريخي والتوثيق على أوسع نطاق"، وأكّدت "أنّ تنظيم مثل هذه الملتقيات والندوات الفكرية من شأنه السماح بالكشف وإماطة اللثام عن الحقائق الخفية التي باتت لعقود بحاجة إلى تسليط الضوء بشأنها"، وذكرت بالأهمية التي أولتها السلطات العليا للبلاد في مجال تدوين تاريخ الجزائر الثوري وتبليغ رسالة الشهداء من خلال إقرار رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، بترسيم ذكرى مجازر ماي 1945، يوما وطنيا للذاكرة. وأبرز البروفيسور حسان مغدوري، في مداخلة بعنوان "8 ماي 1945 في منطقة قالمة بين الحقائق والإدعاءات على ضوء نماذج من الأرشيف الفرنسي"، أنّ ملف الذاكرة إرث مشترك بين المؤرخين والقانونيين. وأشار المؤرخ إلى "أنّ التقارير الفرنسية تجمع على أن أحداث الثامن ماي في قالمة تختلف عن باقي المناطق الأخرى، بحكم أنّ هذه المنطقة كما كانوا يلاحظون، كانت تتمتّع بإمكانيات اقتصادية وكانت في وضع أريح مقارنة بالولايات الأخرى". وتؤكّد التقارير - حسب مغدوري - أنّ قالمة ولاية غنية بثرواتها الزّراعية، وقال: "ففي نظر الفرنسيّين أنّ هذه المنطقة لم يكن في الحسبان أنها ستكون في مقدمة هذه المظاهرات، ومع ذلك تجد أن كل السلطات الاستعمارية اهتمت بهذا الموضوع، وقدّم الذين عاشوا هذه الأحداث تقارير يعرضون فيه الطبيعة السياسية لهذه الأحداث، ويجمعون أنّها كانت بتحريك منظم وتأطير المجتمع من طرف التيارات الوطنية". وأضاف مغدوري: "تذكر التقارير الفرنسية أنّ الشعب الجزائري كان مستعدا، وبأن المحاولات الأولى للتعبير عن الرفض لهذا الاستعمار قد بدأت في 19 مارس، لهذا نجد أشياري تولى قيادة قالمة، ثم يذكرون أن الجزائريين أصروا على عدم مشاركة الفرنسيين في هذه المظاهرات". وأشار مغدوري إلى أنّ التقارير الفرنسية تذكر الوسائل التي استعملتها القوات الفرنسية لمواجهة المظاهرات وقمعها. من جهته، قدّم عادل بن يوسف، أستاذ بجامعة سوسة بتونس، مداخلة بعنوان "السينما ومجازر الثامن ماي 1945 بالجزائر، رصد لإنتاج الأفلام والوثائقيات وقراءة في مضامينها"، تطرّق فيها لأهم الأفلام التاريخية التي أنجزت عن هذه المجازر، وأكّد أن الأعمال السينمائية الجزائرية نجحت في تحقيق الوقوف على العنف الذي استخدمته فرنسا الاستعمارية ضد المتظاهرين الجزائريين في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وأضاف أن مجازر الثامن ماي 1945 بسطيف وخراطة وقالمة، ذاكرة تأبى النسيان في العقل. وتناول الدكتور سفيان لوصيف، من جامعة سطيف 02، موضوع إخضاع سكان المناطق المنتفضة بساحل مالبو Les Falaises، في 22 ماي 1945، والقهر والإذلال الذي تعرضوا له، حيث جمعت قوات الاحتلال الفرنسي 15ألف جزائري في مالبو، وأرغمت النساء الحوامل على السير عبر الجبال الوعرة للبابور هروبا من قمع الإدارة الاستعمارية، ما أدى إلى وفاتهن بسبب التعب والإرهاق والجوع. قرى أبيدت عن آخرها.. وأكّد لوصيف أنّ منطقة عموشة أكثر المناطق بسطيف تعرّضت للتقتيل، حيث أبيد سكانها، كما قتل 250 جزائري من سكان قرية بوعنداس، ولم يتوقف التقتيل والإبادة بالمنطقة حتى 26جوان 1945. وتطرّق الدكتور العايب علاوة، من جامعة بن يوسف بن خدة، الجزائر 1، إلى جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر حسب القانون الدولي، ومجازر الثامن ماي أنموذجا، وأكّد على المسؤولية الدولية لفرنسا عن جرائمها في الجزائر ابتداء بجرائم الإبادة منذ 1830 إلى 1900 تقريبا، بإبادة قبائل العوفية، والفراشيح، والظهرة، وبني صبيح، وأولاد رياح، وغيرها، مشيرا إلى أن هذه الجرائم لها أركان وأن التطهير العرقي هو محاولة خلق جنس معين. وأوضح العايب أنّ جرائم الحرب تعني التجاوزات التي ترتكب مخالفة لأنظمة وقوانين وأعراف النزاعات المسلحة، مثلا قتل السكان المدنيين وتدمير البنى التحتية، الحرب العشوائية مثلما يحدث في غزة، تجاوزات عسكرية وعدم الاعتراف بأسرى الحرب، وعدم حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. وأشار الدكتور العايب، إلى "أنّ جرائم الحرب مرتبطة بالقانون الدولي الإنساني ارتباطا وثيقا، وترتكب أثناء النزاعات المسلحة أو الحرب، في حين جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية يمكن أن ترتكب أثناء السلم أو الحرب.