استهدفت منظومة الاحتلال الصهيوني العمال الفلسطينيين كما كافة فئات الشعب الفلسطينيّ وعلى مدار عقود طويلة، وشكّلت عمليات الاعتقال والملاحقة أبرز السياسات التي انتهجها الاحتلال، هذا عدا أنّ جزءًا كبيرًا من الأسرى الفلسطينيين الذين خاضوا نضالهم في سبيل حرية أرضهم وشعبهم هم من الطبقة العاملة. وعمل الاحتلال على مدار عقود على تطوير أدواته وسياساته لاستهدافهم وسلبهم حقوقهم، وفرض المزيد من عمليات السيطرة والرقابة على حقّهم في العمل والحياة. في بيان صدر عن مؤسّسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسّسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) أكّدت فيه أنّه ومع تصاعد عدوان الاحتلال وبدء حرب الإبادة الجماعية بحقّ شعبنا في غزّة على مدار نحو 7 شهور، شكّلت قضية العمال الفلسطينيين، قضية بارزة وذلك في ضوء تصاعد الجرائم والانتهاكات الممنهجة بحقّهم، ومنها عمليات الاعتقال والملاحقة والتّعذيب، حيث تعرّض الآلاف من العمال الفلسطينيين من كافة الجغرافيات الفلسطينية لعمليات اعتقال جماعية وجرائم ممنهجة، وتحديدًا بعد تاريخ السابع من أكتوبر، وذلك في إطار سياسة الانتقام الجماعي التي صعّد الاحتلال من ممارستها وبشكل غير مسبوق، مقارنة مع محطات شهدت فيها فلسطين انتفاضات وهبات شعبية واسعة ضدّ منظومة الاحتلال الصهيوني. وتابعت المؤسّسات في بيانها، "إنّ العدد الأكبر من عمليات الاعتقال التي طالت العمال بعد السابع من أكتوبر، استهدفت العمال من أبناء شعبنا في غزّة، والذين كانوا يتواجدون للعمل في الأراضي المحتلة عام 1948، وبحسب معطيات من وزارة العمل الفلسطينية، فإنّ عدد العمال من غزّة الذين تواجدوا في الأراضي المحتلة عام 1948 قبل السابع من أكتوبر، بلغ في حينه ما يقارب 10300 عامل فلسطيني، 3200 منهم تم إطلاق سراحهم على معبر كرم أبو سالم في تاريخ بداية شهر نوفمبر 2023، والبعض منهم كان لا يزال يضع علامات بلاستيكية على معاصمهم تحمل أرقاماً، وجرى الإفراج عنهم المعتقلات التي كانوا محتجزين فيها. ورُحّل ما يقارب 6441 عامل إلى محافظاتالضفة الغربية، وتبقى ما يقارب 1000 عامل مفقودين في ضوء جريمة الإخفاء القسري المتواصلة بحق معتقلي غزّة، ورفض الاحتلال الإفصاح عن أيّ معطيات بشأنهم، واكتفى الاحتلال بالإعلان عن وجود معسكرين تابعين للجيش لاحتجاز معتقلي غزّة، ومنهم معسكر "سديه تيمان" بالقرب من بئر السبع، ومعسكر "عناتوت" بالقرب من مدينة القدس، ولكن لم تقتصر أماكن الاحتجاز على هذه المعسكرات لأنّ جزء من العمال تم احتجازهم في سجن (عوفر). وقد صعّد الاحتلال من عمليات ملاحقة العمال واعتقالهم على خلفية الدخول دون تصريح على الأراضي المحتلة عام 1948 للعمل خلال الشهور الماضية، وذلك في ظلّ تصاعد سياسات التضييق الممنهجة على شعبنا، وتمدّد الاستيطان، وسلب أموال الشعب الفلسطيني، وقد رافق عمليات الاعتقال هذه اعتداءات بطرق مختلفة، وعمليات احتجاز في ظروف قاهرة وصعبة. تؤكّد المؤسّسات، أنّ الاحتلال يمارس عمليات تنكيل وتعذيب وسلب بحقّ العمال المعتقلين إلى جانب كافة الإجراءات الانتقامية التي فرضتها على الأسرى والمعتقلين داخل سجونه ومعسكراته ومنها سياسة التجويع والإذلال المتواصل، هذا عدا الاعتداءات التي رافقت عمليات اعتقالهم، والتي أدّت إلى استشهاد ثلاثة عمال في سجون ومعسكرات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر وهم من بين 16 شهيدًا من الأسرى ارتقوا بعد السابع من أكتوبر: (الشهيد ماجد زقول من غزّة، والشهيد الثاني لم يتسنّ للمؤسّسات التأكّد من هويته وكلاهما من غزّة، إضافة إلى الشهيد عبد الرحيم عامر من قلقيلية). ففي ضوء الإفراجات التي جرت لمعتقلين من غزّة، بدأ مجموعة منهم بالحديث مع الإعلام الفلسطيني عن ظروف هذه المعسكرات، والظروف اللاإنسانية التي تعرّضوا لها والتي ترقى إلى درجة التعذيب. حيث أكّد الأسرى على احتجازهم في العراء وتكبيل أيديهم طوال فترة احتجازهم بالإضافة إلى تعصيب أعينهم، وممارسة سياسة التجويع والتعطيش والحرمان من العلاج، واحتجازهم في أماكن غير نظيفة ولا تراعي الحدّ الأدنى من الحياة الآدمية. وقد أفاد أحدهم في شهادته: "أنّه وبينما كان يتواجد برفقة 70 عاملا آخر في سكن بمنطقة رهط بتاريخ 10/10/2023، قام صاحب السكن بطردهم، بعدها جرى نقلهم إلى شرطة رهط واحتجازهم بساحة خارجية غير مسقوفة داخل المركز، وهم مقيّدي الأيدي والأرجل بقيود بلاستيكية، ومعصّبي الأعين وأبقوهم بهذه الحالة لمدة 12 ساعة، واستمر عناصر الشرطة بضربهم خلال هذه الفترة، وأدخلوا عليهم الكلاب البوليسية التي قامت بنهش أجسادهم، وأبقوهم تحت أشعة الشمس بلا طعام أو شراب. بعد ذلك جرى نقلهم إلى سجن عوفر، حيث تم احتجازهم في بركس تبلغ مساحته حوالي 700 متر، مقسوم إلى قسمين، في كلّ قسم كان يحتجز ما يقارب 150 عاملاً، وكانت ظروف الزنازين سيئة جداً، حيث أنّ كلّ قسم كان يحتوي على 3 مراحيض متنقلة وتخلو من أماكن للاستحمام وكانت الزنازين والمراحيض على حدّ سواء تخلو من أيّ مستلزمات للنظافة الشخصية كالصابون أو ورق التواليت. وتستعرض المؤسّسات نموذجًا من زيارات جرت لمعتقل (عتصيون)، حيث احتجز فيه الاحتلال العشرات من العمال المعتقلين، منهم من اعتقل على خلفية الدخول دون تصريح، وبعضهم رغم حصوله على تصريح إلا أنّه تعرّض للاعتقال والاستجواب والتحّقيق، هذا عدا تحويل البعض منهم إلى الاعتقال الإداريّ. وقد تضمّنت الزيارات التي جرت للمعتقل، عشرات الشهادات ومنها شهادات لعمال عن عمليات تعذيب، وتنكيل، وضرب مبرح تعرّضوا له خلال اعتقالهم واستمر ذلك وبعد نقلهم إلى المعتقل، حيث تعرّض المعتقلون ومنهم العمال لعمليات تحقيق قاسية، واعتداءات، وعمليات سلب وحرمان، ففي تاريخ 11/2/2024 نفذت زيارة لمعتقل (عتصيون) التابع لإدارة جيش الاحتلال، حيث كان يحتجز الاحتلال في حينه أكثر من 80 معتقلًا غالبيتهم من العمال، وهذه جزء من شهادات نقلوها للمحامية التي قامت بزيارتهم: (ذكر الأسرى في معتقل (عتصيون) البالغ عددهم (85) اسيراً ومعظمهم من العمال الذين اُعتقلوا على خلفية الدخول للعمل دون تصريح أنّ إدارة السّجن أحضرت وجبات متعفّنة وغير صالحة للأكل، وفي حينه قام المعتقلون بإرجاع الوجبات عدّة مرات لعدم صلاحيتها للأكل، واضطر الأسرى إلى جانب إرجاع ما تسمى بوجبات الطعام، بالطرق على الأبواب بعد أن تعرّض بعضهم للإغماء بسبب وضعهم الصحيّ وقلّة الطعام، فردّت إدارة المعتقل عليهم باقتحام الزنازين، وأقدمت على ضربهم وإلقاء أغطيتهم خارج الغرف، وإجبارهم على خلع ملابسهم كاملة، وتركهم في البرد، وهم عراة، حيث كان غالبيتهم من العمال في حينه). هذه جزء من شهادات عديدة قدّمها معتقلون عمال في هذا المعتقل على وجه الخصوص، عكست مستوى عاليا من التوحّش، والانتهاكات غير المسبوقة. تجدّد مؤسسات الأسرى مطلبها إلى كافة المؤسّسات الحقوقية الدولية بمستوياتها المختلفة إلى ضرورة فتح تحقيق دولي مستقل في ضوء استمرار تصاعد الجرائم وحرب الإبادة الجماعية بحقّ شعبنا في غزّة، والعمل في سبيل وضع حدّ للجرائم المتصاعدة وغير المسبوقة بحقّ الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، واستعادة دورها الحقيقي واللازم أمام توحّش منظومة الاحتلال المدعوم من قوى دولية تتجاهل المجتمع الإنساني والبشري برمّته وكلّ أصوات الأحرار في العالم والذي يتعالى بحقّ الفلسطيني في تقرير مصيره.