تخصصات جديدة لإعداد إستراتيجية شاملة تواكب التطورات العلمية والتقنية تتوّجه الجزائر اليوم نحو إطلاق العديد من المشاريع الضخمة، التي تهدف إلى تجسيد الإستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر والقادرة على جعل الجزائر موطنا إقليميا لإنتاج وتصدير هذه الطاقة النظيفة ومشتقاتها. استحدثت الجامعة الجزائرية تخصصات جديدة في مجال التكوين والبحث العلمي حول الهيدروجين الأخضر، في إطار مساعي الدولة لتطوير هذا المجال، الذي سيضمن من خلال هذه التخصّصات الجديدة إعداد إستراتيجية شاملة تواكب التطورات العلمية والتقنية التي يشهدها العالم، والعمل على تعزيز قدرات بلادنا كذلك بالاستفادة من فتح المجال للتعاون مع الدول ذات الخبرة والرائدة في هذا المجال الحيوي. توجّه عالمي وتطمح الجزائر وفق رؤية إستراتيجية للسلطات العمومية لأن تكون قطبا هاما في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وذلك بالارتكاز على إمكانياتها المعتبرة في هذا المجال، حيث باشرت بإطلاق عدة مشاريع في سياق برنامج تطوير قطاع الطاقات المتجدّدة، ضمن مساعي الدولة في رفع رهان الاستثمار في إنتاج مزيج طاقوي خارج نطاق الطاقات الأحفورية، وتأتي هذه المساعي في ظل توجه عالمي للحصول على مصادر نظيفة للطاقة، الأمر الذي من شأنه مجابهة تغير المناخ وإيجاد مصادر بديلة للطاقة. كما تراهن الجزائر من خلال استثماراتها في تجسيد مشاريع ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر على ما تتوفر عليه من إمكانيات ومزايا تجعلها تطمح في تصدّر الدول الموردة لهذه الطاقة النظيفة، ولعلّ أبرزها قربها الجغرافي من الأسواق الأوروبية، مع بنية تحتية مناسبة من خطوط الأنابيب وغيرها، لاستغلالها في تصدير الهيدروجين إلى الخارج. وتشير قراءات المختصين إلى أن الجزائر تسعى إلى تطوير قطاع الهيدروجين عبر 3 مراحل رئيسية، انطلاقا من مرحلة البدء والتكوين بهدف اكتساب التكنولوجيا والمهارات وتكوين العناصر البشرية، تمهيدا لإطلاق إنتاج الهيدروجين، ثم مرحلة التوسّع وإنشاء السوق في ضوء المشروعات التجريبية، ومن ثمة الانطلاق في مرحلة التصنيع والتصدير. وانطلاقا من ورقة الطريق المعدّة، فإن اهتمام الجزائر بمشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر برز أكثر وبشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، حيث تسعى من خلاله إلى تحقيق أمنها الطاقوي كخيار استراتيجي يمكّنها من تنويع مصادرها الطاقوية المتجدّدة، بالإضافة إلى تعزيز صادرتها في قطاع الطاقة، وهو ما أكدّته عدّة تقارير أشارت إلى توجه الجزائر فعليا إلى عقد اتفاقيات تعاون وشراكة لتزويد بلادنا دولا أوروبية من بينها ألمانيا بشحنات من الوقود الأخضر. بدائل متمّمة وبهذا الصدد يقول الباحث في اقتصاديات الطاقة والتنمية المستدامة الدكتور إسماعيل زحوط، أنه لابد لنا أن نشير إلى أن الجزائر قد وضعت إستراتيجية شاملة عبر عدة قطاعات وزارية مهمة في إطار مجابهة التحدّيات الأمنية المقبلة، ومن أبرزها التحدّيات المرتبطة بالأمن الطاقوي وضمان ديمومة واستقرار الأسواق الطاقوية التقليدية للجزائر، ممثلة في السوق الطاقوية الأوروبية خاصّة الغربية، ولهذا فقد برز ملف الهيدروجين الأخضر كأحد البدائل المتممة لإستراتيجية التحوّل الطاقوي، لاسيما أن الجزائر تحوز على مقدّارت كبيرة جدا تؤهلها لتكون من أهم المصدرين والمنتجين له. وقال موضحا "نجد أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد أعطى بعدا كبيرا لأهمية إدماج طاقة الهيدروجين الأخضر ضمن السياسات الطاقوية المستقبلية، حيث أنه من الطاقات النظيفة والجديدة التي تعتبرها الوكالة الدولية للطاقة مستقبلا للحياد الكربوني العالمي". وتستهدف الجزائر من خلال ذلك –بحسبه- إلى الوصول لما يفوق المليون طن من الهيدروجين الأخضر في حدود سنة 2040 وهو ما سيغطي حوالي 10 بالمائة من الطلب الأوروبي على طاقة الهيدروجين الأخضر، 35 بالمائة موجهة لدولة ألمانيا التي عقدت شراكة هامة ومباحثات مع الجزائر لتكون المورد الأكبر لها من شمال إفريقيا في مجال الهيدروجين الأخضر، خاصة أنها بعد الأزمة الأوكرانية أصبحت تبحث عن تنويع إمدادتها الطاقوية وتنويع مزيجها الطاقوي بين الطاقات الأحفورية التقليدية والطاقات المتجددة والفحم والهيدروجين الأخضر النظيف. بنى تحتية ومراكز البحث وأشار الدكتور زحوط أيضا إلى أن الجزائر بالتنسيق مع إيطاليا بدأت بالعمل على تخصيص أنبوب لنقل طاقة الهيدروجين الأخضر عبر جزيرة سردينيا باتجاه أوربا الغربية والوسطى، مع العلم أنها تحتل المرتبة الثالثة في مجال تأمين احتياجات السوق الطاقوية الأوروبية من الغاز الطبيعي. وأوضح أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كان قد أكد على التزام الجزائر ووفائها لشركائها الطاقويين، حيث دعا شركة سوناطراك إلى رفع تصديرها إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب عبر زيادة الإنتاج وتحقيق اكتشافات جديدة وتحسين المكامن البترولية والغازية التي رصدت لها ما يقارب 41 مليار دولار للأربع سنوات المقبلة. وأكد المتحدث أن الجزائر تؤسس في الوقت الحالي لجعل كل الظروف مواتية لتحقيق إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره، حيث أنها سجلت استثمارات موسّعة في مجال الطاقات المتجدّدة، تجعلها من الدول العربية والإفريقية المتصدّرة، بالإضافة إلى حيازتها على الإمكانيات الضخمة المتاحة في مجال الطاقات المتجدّدة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتوفّرها على البنى التحتية المهمة ومراكز البحث والجامعات التي أصبحت تفتح تخصّصات ذات صلة بالهيدروجين الأخضر وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقات المتجدّدة والجديدة.