من المنتظر الشروع قريباً في استحداث نقاط بيع في مختلف ولايات الوطن، تشكّل همزة وصل حقيقية بين الفلاح والمواطن، وتزيح العقبات والمطبّات التي أحدثت تذبذباً في النسيج الاقتصادي المحلي والوطني، وأدّت إلى تفاقم مشكلات اقتصادية واجتماعية وصلت تأثيراتها إلى أبعد نقطة من الوطن. يهدف قرار السلطات القاضي باستحداث نقاط بيع مباشرة، في الأساس، إلى تقريب المنتجات الفلاحية من المستهلك بثمن مناسب دون الحاجة إلى المرور عبر سلسلة الإمداد التي تبدأ من الفلاح وتنتهي عند المستهلك، مروراً بأكثر من وسيط يرفع الثمن في وجه المستهلك دون مبرّرات منطقية. تعتبر نقاط بيع المنتجات الفلاحية حلاّ موضوعيا لما عاناه الفلاح والمستهلك معا، بسبب السمسرة التي طغت على الأسواق، وقد أظهرت فكرة التعامل المباشر بين المنتج والمستهلك قدرة كبيرة على تحقيق التوازن في السوق والاستغناء عن الوسطاء. ويُعوّل المواطن والفلاح على القرار الجديد الرامي إلى القضاء على سلسلة التوريد الطويلة التي أثّرت على القدرة الشرائية وأدّت إلى تفاقم ظاهرة المضاربة غير الشرعية، ومن المنتظر أن تُعطي نقاط البيع الجديدة، دفعة قوية للاقتصاد المحلّي، والتي تُعيد الفلاح إلى مكانته الحقيقية كرأس حربة في ساحة الفعل الاقتصادي، كما ستكون مساهماً كبيراً في جذب مستثمرين أكثر لقطاع الفلاحة، وتغيير واقع السوق بشكل جذري وفتح أسواق أكثر تستجيب لتطلّعات المواطنين. ستضع الإستراتيجية التجارية الجديدة، حدّا للوسطاء والمضاربين والمحتكرين الذين عاثوا فساداً في الأسواق، وتلاعبوا بمقدرات المواطنين. سوق الفلاح.. كفكرة قديمة تعيد المخيال الشعبي الجزائري إلى أمجاد الثورة الزراعية الأولى، بات تجسيدها قاب قوسين أو أدنى من التحقيق، بعد نجاح الثورة الفلاحية الثانية التي خطّها ورسم معالمها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، كعلامة تجارية تهدف إلى تمكين المواطن من اقتناء حاجياته بأسعار معقولة دون الحاجة إلى المرور عبر سلسلة طويلة من التجار والمضاربين الذين يكبّدونه تكاليف إضافية. المواطن.. الرابح الأكبر تعدّ ولايات الجنوب أسواقاً رائجة ومناطق مستهلكة للعديد من المنتجات الفلاحية خاصّة الفواكه، وهو الأمر الذي أسال لعاب المضاربين والوسطاء بسبب تعطّش ولايات الجنوب لكثير من هذه المنتجات وارتفاع أثمانها بأضعاف مضاعفة. قد تمتدّ سلسلة الإمداد باتجاه أسواق الجنوب لتصل في الغالب إلى خمس وسطاء، يتفنّن كلٌ منهم في رفع ثمن المنتجات بحجّة غلاء تكاليف النقل أو الظروف المناخية أو حتى حالة الطريق، لتصل إلى تاجر التقسيط في أسواق أقصى الجنوب بأضعاف أسعارها الحقيقية. وفي خضمّ الإصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها بلادنا، أصبح في المتناول حذف هؤلاء الوسطاء وإنهاء معاناة سكان المواطنين البعيدين عن مراكز التموين، إلى جانب استحداث صلة بين الفلاح والمستهلك، ممّا يُمكّن الأول البيع بسعر أفضل، ويُخلّص الثاني من إكراهات المضاربة. استفادة المواطنين من هذا القرار وتجسيده حسب تطلّعات السلطات العليا في البلاد، يعتمد على جملة من الخطوات الهامة التي تسير بالتوازي مع عملية التجسيد الفعلي، فمسيرو الأسواق مطالبون بمرافقة هذا القرار مرافقةً حقيقية تتطلّب منهم فتح الأسواق أمام الفلاحين طيلة أيام الأسبوع، وعدم تحويل تنفيذ هذا القرار إلى أمر شكلي وحدث مناسباتي مرتبط بشهر رمضان أو الأعياد الدينية فقط، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ضمان تدفّق الخضر والفواكه بصفة يومية وتسهيل تسويق المنتجات بسلاسة. من شأن هذا القرار، تمكين السلطات المحلية من معالجة اختلالات السوق والقضاء على تذبذب توزيع المنتجات الفلاحية في مختلف البلديات والدوائر، والذي يبقى مرهوناً –أيّ نجاح القرار- بتعاون كلّ المتدخّلين في مختلف القطاعات والهيئات العمومية والخاصة، بما في ذلك جمعيات حماية المستهلك المُطالَبة ببذل المجهودات اللازمة من أجل بلوغ الأهداف المنشودة لهذا القرار.