يدعو الدكتور عبد الحق لعميري في هذا الحوار إلى إنشاء صندوق مالي لإعادة هيكلة المؤسسات من خلال تمويل التطهير المالي أو الخوصصة بما يضمن ديمومة المؤسسة والنشاط الاقتصادي مع ضرورة الالتزام بالمعايير التي يرتكز عليها المناجمنت. ❊ الشعب/ قطعت الإصلاحات الاقتصادية شوطا معتبرا، ما هو تقييمك للحصيلة وماذا يجب القيام به لمواصلة العملية؟ ❊❊ د/لعميري: لا يمكننا عد مختلف الصناديق التي أنشئت بموجب قوانين المالية السابقة وكثير من المحللين يعتقدون أن لدينا الكثير منها وقد يكون لهم الحق في ذلك حول هذه النقطة بالذات. وحتى إذا توفر عد كبير من الصناديق، فإن الأمر لا يعني أننا اخترنا الأفيد والأكثر فعالية لترقية التنمية الاقتصادية. ويمكن لتدقيق وفحص معمقين الكشف عن النتائج والانجازات المتعلقة بمختلف الصناديق ومن ثمة تنشيط بعضها وسحب تلك التي لا داعي لوجودها وتكلف دون أن تحدث أثرا على الأهداف المسطرة. لكن يوجد صندوق حيوي لنشاط منسجم لاقتصادنا الوطني لن يتم إنشاؤه ولغيابه أثر سلبي وبالغ على الإصلاحات الاقتصادية وهو بذلك مسؤول على انحرافات الخوصصة وتطهير المؤسسات العمومية المرشحة لأن تكون فعالة وناجعة. إنه صندوق إعادة هيكلة المؤسسات. وهذا النقص يكلف ثمنا باهضا وبسبب ذلك أي عدم وجود هذا الصندوق، فإن عديد المحللين والأحزاب السياسية يقدمون تحاليل غير دقيقة. ومن المفيد توضيح طريقة عمل هذا الصندوق وكذا إظهار انعكاساته الايجابية ومردوديته القصوى وإنتاجيته بالنسبة للاقتصاد الوطني. يجب أن يكون تمويل صندوق إعادة هيكلة المؤسسات في البداية من أموال عمومية فقط كونه لا يعني ولا يشمل القطاع الخاص وتهدف هذه الآلية لتقليص المساحة التي تشغلها الدولة في مجالات ليست من اختصاصها. ويجب في نظري أن يدعم هذا الصندوق صنفين من العمليات هما الخوصصة وإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية العمومية. وليس واردا في هذا التحليل المختصر أن يتم تعميق الموضوع المعقد للخوصصة. ولكن هنا يمكن تقديم ملاحظتين هامتين حول المسألة الأولى ومن خلال أبحاث في المتناول تتمثل في رسائل دكتوراه الدولة، فإن خوصصة المؤسسات لفائدة القطاع الخاص الوطني أعطت نتائج جيدة وثانيا فإن الرأي العام يفضل ويشجع خيار الخوصصة لفائدة الإطارات والعمال أو عند الضرورة لفائدة القطاع الخاص الوطني. ويمكن للخيارين النجاح مع شروط خاصة وإذا كنا لم ننه مسار الخوصصة فإني أدعو إلى استئنافه وإتمامه. كما أننا نشهد جهودا ضخمة من جانب الدولة لتطهير وعصرنة وبعث القطاع العام، وبالنسبة لأغلب المؤسسات فإنها خسارة للوقت وللمال ذلك أن كل متخصص في المناجمنت أي التسيير الحديث ويدرك طرق سير هذه المؤسسات يصل بسرعة إلى خلاصة مفادها أن القرارات المتخذة ضئيلة بالمقارنة مع المتطلبات الأساسية لتصحيح مستدام كون أن نفس الميكانيزمات ونفس الهياكل لا يمكنها أن تنتج نتائج مختلفة حتى ولو ضخت أموال. ومع ذلك، فإن بعض المؤسسات القليلة يمكنها أن تنجح وهي تلك التي وضعت نظام مناجمنت للتغيير قادر على تكييفها مع متطلبات النجاعة العصرية. وفي هذا الإطار فإن عمليات التطهير لا يمكنها أن تحقق نتائج إلا في إطار عدد من الشروط الصارمة ولقلة من المؤسسات. وأريد الإشارة هنا إلى عمليات التشخيص وإجراءات المرافقة. ومن بين القرارات التي تدخل في مسار التصحيح والأكثر استعمالا تظهر معالجة المستخدمين، ففي بعض الوضعيات لا مفر من التخلص من بعض العناصر لإنقاذ المؤسسة وباقي النشاطات مع العلم أنها فعلا عملية مؤلمة وصعبة لكنها أحيانا ضرورية لإنقاذ المؤسسة وباقي المستخدمين. وفي نفس الوقت يجب اتخاذ كثير من الاحتياطات لتسيير هذه المرحلة الانتقالية من مؤسسة مهلهلة هيكليا إلى أخرى ناجعة ذلك في الغالب يتم التركيز على المؤسسة ونسيان المصير المحتوم للأشخاص الذين تحملوا تسريحا اقتصاديا. وليس من العادي ولا الإنساني معاملة هؤلاء كأشياء يلقى بها جانبا. ويقع على العمال المحتفظ بهم تأثير مهول، فيقولون تقريبا التالي" مؤسستنا تعامل مواردها البشرية كمناديل يلقى بها بعد الاستعمال وأن أي أزمة مقبلة سيكون الدور علينا". وهكذا فإن اللاتحفيز والشعور بالإجحاف والرغبة في الانتقام ينتج في الغالب سلوكات تضر بالمؤسسة وهنا يتدخل صندوق إعادة هيكلة المؤسسات. ❊ ما هي الآثار التي تترتب عن مثل هذا الإطار بالنسبة للمؤسسة ومحيطها؟ ❊❊ يجب أن يعمل مسيرو الموارد البشرية للمؤسسات المرشحة لإعادة الهيكلة سواء عن طريق الخوصصة أو التطهير بالتنسيق مع مسيري صندوق إعادة الهيكلة ومن ثمة يتم تصنيف العمال والإطارات المسجلين في خانة الفائض في ثلاثة أصناف: 1 صنف من يتوفرون على كفاءات في نشاطات ذات قدرات ولديهم القابلية مع رسكلة لإنشاء وتنمية مؤسسات مصغرة أو مؤسسات صغيرة ومتوسطة. وتسمح لهم قروض وعمليات دعم من خلال مؤسسات واستشارات بإقامة وحدات إنتاجية لمواد وخدمات وتصبح مستقلة لاحقا. 2 فئة لصنف آخر يتطلب تكوينا معمقا قبل إدماجهم بعد تأهيل أفضل في مناصب عمل في مؤسسات أخرى ويخضعون لبرامج تحويل تسمح بإدماجهم في الحياة العملية وأحيانا في وظائف أخرى. 3 صنف ثالث يخص الأشخاص الذين يصعب رسكلتهم ويخصص لهؤلاء معالجة اجتماعية إلى غاية أن يحصلوا على عمل منتج. ويضمن هذا الصندوق بأن لا يلقى بأي عامل أو إطار في إطار التسريح دون العثور له عن حل بديل. ومن ثمة لا يفقد أي عامل منصبه دون التأكد من العثور على آخر. ويجب تدعيم هذا الصندوق بخبرات قوية كما هو الأمر في بولونيا والصين ولذلك فإن وجود هذا الصندوق سيجعل الخوصصة وإعادة الهيكلة للمؤسسات العمومية عملية يسيرة التسيير، علما أن أي إطار أو عامل جاد لن يهدد بفقدان منصبه وبالتالي أجره الذي تتعلق به أسرته كما أن الموارد البشرية الجادة لن تدفع ثمن عن أخطاء في التسيير وتلك الناجمة عن سياسات اقتصادية ليسوا مسؤولين عنها. وفي المدى الطويل سيكون لهذا الصندوق مردودية كبيرة وتتحقق الفوائد للأمة من المصادر التالية: 1 المؤسسات المنشأة تنتج القيمة المضافة ومناصب العمل والرسوم. 2 المناصب المنشأة بعد التحويل تنتج أموالا وخدمات وموارد للدولة. 3 المؤسسات المعاد هيكلتها أو المخوصصة لن تعيش على المساعدات (إقتصاد للخزينة) وبالعكس ستدفع الضرائب وتحقق الثروة أكثر. وقد يتساءل بعضهم عن الخاسر في كل هذا وأرد لا أحد ومع ذلك لم يتم تجسيد الصندوق الوطني الأكثر مردودية اقتصاديا والعادل اجتماعيا. ومثل هذا الصندوق سينهي الجدل حول الشغل وأما مستقبل أداة الإنتاج، فيتقرر لاحقا ذلك أن تطبيقا جيدا للخوصصة أو إعادة الهيكلة ستدفع إلى استعمال كامل القدرات شرط توفير بعض الشروط. وقد أظهرت الحلول الخاطئة محدوديتها مثل إلزام المشتري بالاحتفاظ بكل العمال حتى وإن كان معاكسا للمنطق الاقتصادي أو السماح للمؤسسات بتسريح عمالها مقابل تعويضات زهيدة، فيكون الكل غير راض لا أرباب العمل ولا العمال. وآمل أن يحمل قانون المالية القادم مثل هذا الصندوق من أجل التقدم في الإصلاحات وفي الاتجاه السليم.