حظيت الرسائل الخطية بأهمية وبمكانة خاصة لدى الجزائريين، حيث كانوا يلجؤون إليها في كل مناسبة وغير مناسبة للتواصل فيما بينهم وتبادل التهاني، لتساهم بأسلوبها المتميز في توطيد الأواصر و صلة الرحم بين الأقرباء والأصدقاء. وشيئا فشيئا بدأت تعرف طريقها نحو الزوال، بعد أن اكتسحت تدريجيا وسائل التكنولوجيا حياتنا وعرفت انتشارا مذهلا، إذ لا يكاد بيتا من البيوت الجزائرية يخلو من الأنترنيت والهواتف النقالة بأنواع وأشكال متطورة، وهو ما وقفنا عليه من آراء جمعناها لكم من مواطنين، استنتجنا من خلالها أن كتابة الرسائل أصبحت مجرد ذكرى من الماضي، اللهم إلا إذا استثنينا منها رسائل يحملها سعاة البريد لأصحابها، مصدرها جهات رسمية أو إدارات أو شركات. ''رسائل كنّا ننتظرها بلهفة'' ''فاطمة الزهراء''، إطار باحدى الشركات العمومية تقول'' :ظهور التكنوجيا الجديدة كان له أثره الايجابي على التطور وسرعة التواصل، لكنه قتل الكثير من الأشياء الجميلة، أولها الرسائل التي كنا نتبادلها بيننا فتزيد من روابط الحب والايخاء التي كانت تجمعنا، في كلمات بسيطة مليئة بالمعاني الصادقة نكتبها في رسائل للأصدقاء، تبقى ذكرى جميلة لا تمحوها الأيام''. وواصلت حديتها قائلة: ''الدليل على ما نقوله هو أننا مازلنا نحتفظ بها لأنها حقا تعيدنا إلى الماضي في رحلة ممتعة وجميلة''. مؤكدة في سياق حديثها أنه ''لا يمكن لهذه التكنولوجيا الحديثة، الهاتف، الرسائل الالكترونية وغيرها أن تعوض سطورا تخطّها بيدك على ورقة، تصب فيها كل المشاعر والأحاسيس التي تكنّها للشخص الذي سترسل له تلك الرسالة، كما أنّنا لم نعد نرى ساعي البريد الذي كنا ننتظره ونحنّ للحظات تسليمه رسائل كنا ننتظرها بلهفة، وكنّا نكنّ له كل التقدير والاحترام''. ''لولا ذلك لما استمرت حياتي بشكل عادي'' أما ''نجيب''، أستاذ بإحدى ثانويات العاصمة، في عقده الخامس قال أنه يفضل رسائل البريد الالكتروني على العادية، خاصة عند تواصله بوالده المقيم بفرنسا.والأسوء في كل هذا حسب ما صرح به ''نجيب'' أنه عاش معاناة نفسية حقيقية وقلق لم يحدث أن شعر به من قبل عندما أصيب والده بوعكة صحية شديدة كاد أن يلفظ فيه أنفاسه، ولم تسمح له ظروفه بالسفر لزيارته ولولا جهاز الهاتف النقال وما يحتوي عليه من تقنيات عالية لما استطاع أن يتابع ويطمئن على وضعه الصحي وهو في ديار الغربة. وعلّق على ذلك قائلا أنه ''لولا هذه الوسيلة لما استمرت حياتي بشكل عادي، ولما تخلصت من ذلك الكابوس الذي أخلط عليّ الليل والنهار، لذلك لا يمكننا في ظل الانشغالات اليومية وسرعة مرور الأيام إلا أن نقول أن عصر الرسائل قد ولى وأصبح مجرد ذكرى من الماضي لأنه حسب رأيي مهما أثنينا على الرسائل وما تحتويه من مشاعر نبيلة إلا أنها لا يمكن أن تقدم الخدمة التي تقدمها الوسائل التكنولوجية الحديثة. رأيان فقط، لكنهما يوجزان تحول القيم والمبادئ في المجتمع الذي أصبح في حالة من الاغتراب حوّلت واقعه إلى مجهول لا يعرف عنه شيئا سوى عالم الآلات والأجهزة الالكترونية.