تدرج السيد يوسف جيدي مسؤول التنظيم بالاتحاد الولائي للجزائر العاصمة وعضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للعمال الجزائريين في المسؤولية النقابية بدءا من القاعدة العمالية في منتصف السبعينات، ويواصل مهامه اليوم في وقت تطرح فيه حتمية إعادة صياغة مفهوم الممارسة النقابية، حريصا على التشبّع بتلك القيم التي تتجاوز إطار الزمان والمكان جاعلا من معادلة الدفاع عن المصالح المتوازنة للعمال والمؤسسة الاقتصادية القاسم المشترك لعالم الشغل بكافة أطرافه واعتبار الحوار الاجتماعي على كافة المستويات أفضل مسار للدفع بالمؤسسة الاقتصادية إلى الأمام في ظل المنافسة الإقليمية والعالمية للسيطرة على الأسواق ومصادر الموارد الطبيعية. وفي هذا الحوار، يكشف محدثنا مواقف المنظمة النقابية في جملة من المسائل التي تلقي بظلالها على عالم الشغل من المفهوم الصحيح للممارسة النقابية إلى الشروط الأساسية لضمان التنمية، مرورا بالمراحل التي مرّت بها المنظومة الاقتصادية وإفرازاتها، وصولا إلى الوضع الراهن الذي بقدر ما يحمل مؤشرات ايجابية كلية بقدر ما يفرض ضرورة الإسراع في صياغة مقاربة لمرحلة ما بعد البترول. وفيما يلي مضمون الحوار. ❊ الشعب: مرّ عالم الشغل بمراحل عديدة كان فيها الاتحاد العام للعمال الجزائريين في صلب كل تلك التحولات، وتعرض لانتقادات في أكثر من مرة، بالرجوع إلى الوراء ما هي قناعتكم اليوم؟. ❊❊ يوسف جيدي: بداية، يجب القول، إن من لم يمر على القاعدة لا يمكنه أن يكون نقابيا كاملا. لقد اندمجنا في المنظمة النقابية في السبعينات وكانت المرحلة حينها مشجعة للممارسة النقابية، خاصة من حيث المنظومة القانونية مثل الأمر 71 74 المتعلق بعالم الشغل وكان يصب في صالح العمال. ويجب التنويه بالدور البارز للرئيس الراحل هواري بومدين الذي كان يحرص ويسهر على أن تكون القوانين في صالح العمال، ثم جاءت مرحلة التسيير الاشتراكي للمؤسسات في 1978 والذي بقدر ما كان جيدا للنقابة بحيث أصبحت طرفا في التسيير، بقدر ما كان سلبيا كونها تكون محل اتهام في حالة تدهور الحالة المالية للمؤسسة. وبكل صراحة أعتبر أن الأصل في النقابة، أنها مطلبيه ولا دخل لها في تسيير المؤسسة، ومن ثمة فإن مهمة النقابة الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للعمال. بعدها دخلنا في الثمانينات مرحلة جديدة مخالفة لسابقتها، بدأت تعاني فيها منظمتنا من مشاكل بسبب سياسة إعادة هيكلة المؤسسات الوطنية التي نتجت عنها مشاكل عويصة انعكست على الممارسة النقابية. ولحقت بعدها مرحلة الإصلاحات الشاملة ودخلنا حينها كمجتمع ومؤسسات في نفق زادتها فوضى التعددية السياسية التي كان الأجدر أن يمهد لها بإصلاحات اقتصادية عميقة ومتدرجة، ما يوفر مناخا اقتصاديا واجتماعيا يساعد على إرساء الثقافة الديمقراطية والتعددية البناءة التي ترتكز على تنافس الأفكار والبرامج. وقد أكدت التطورات ذلك مطلع التسعينات حينما حطمت السياسة المنظومة الاقتصادية وإصابتها في الصميم. وخلال التسعينات صدرت قوانين أخرى لعالم الشغل الذي دخل مرحلة جد صعبة ومعقدة وذات كلفة اجتماعية ثقيلة، كما أصبحت الممارسة النقابية مهمة شاقة وأكثر تعقيدا. وإثر توقيع اتفاق إعادة جدولة الديون الخارجية مع صندوق النقد الدولي “افامي" واعتماد مخطط التعديل الهيكلي تمخض فقدان لمناصب العمل، علما أن الافامي اشترط تسريح 700 ألف عامل، كما وقّع الاتحاد العام للعمال الجزائريين مع الحكومة حينذاك على المادة 87 مكرر وإنشاء خيارات قاسية تتمثل في الذهاب الطوعي للعمال. غير أن منظمتنا النقابية العريقة حرصت على تقليل حجم الضرر والحد من الآثار السلبية فلم يتم تسريح سوى حوالي 500 ألف عامل أدرجوا في أغلبهم ضمن منظومة للحماية الاجتماعية وإنقاذ حوالي 300 ألف منصب عمل، ولم يكن الأمر بالسهل، لكن بالحوار والمبادرة بالاقتراح تحقّقت أشياء معتبرة في ذلك الوقت. ❊ لكن الوضع لا يبدو اليوم كارثيا ويكفي النظر بموضوعية للمؤشرات على الساحة الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم مما يدور من جدل حول بعض الجوانب فيه أيضا جانب من الصحة؟ ❊❊ بالفعل مع تولي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مقاليد السلطة بدأت الأمور تتجه نحو الأحسن ولمسها عالم الشغل، بفضل جملة من العوامل لعلّ أبرزها إرساء خيار السلم والمصالحة داخل المجتمع وتسريع إجراءات إنهاء وضع أضاع للجزائر إمكانيات ووقت ثمين باسترجاع الأمن والطمأنينة. وضمن هذا المناخ، لابد من التوضيح أنه لا ينبغي الاعتماد المطلق على الموارد البترولية فقط، علما أنه لو كان التسيير الاقتصادي جيدا وبمعايير النجاعة في الماضي والتزم العمال بدورهم في رفع الإنتاج وتحسين الإنتاجية والتحكم في عناصر التكلفة والجودة، بل وفي الحفاظ على مؤسساتهم ومكاسبهم لكانت الأوضاع بشكل مغاير وأقل وطأة على العمال وأسرهم. والأمور تسير حاليا في الاتجاه السليم رغم كل ما يدور، ذلك أن للبلاد موارد وخيرات مادية وبشرية. لقد أهملنا في الماضي والمسؤولية جماعية قطاع الفلاحة والسدود والسياحة والصيد البحري وهي من أبرز الأقطاب الاقتصادية التي تؤسس لمرحلة ما بعد المحروقات كبديل منتج للقيمة المضافة قادر على المنافسة الإقليمية والدولية فهي بالتأكيد مفتاح اقتصاد المستقبل إضافة للطاقة الشمسية. ولا يمكن القفز على حقائق ملموسة في هذا الظرف مثل قطاع السكن الذي عانى من عجز في الماضي ويستفيد اليوم من مجهود استثمار الدولة وتمويلها لبرامج ضخمة من شأنها أن تضمن حركية للنمو وتوفر فرص عمل كثيرة. ويجب القول بصدق أن الدولة لعبت ولا تزال الدور الكبير والبارز في هذا الميدان وهو نفس الثقل الذي ألقت به في قطاعات الهياكل القاعدية كالطرق والمياه وهي مكاسب لا ينكرها سوى جاحد. ❊ تتفق معي أن كل هذه المكاسب والطموحات تحتاج لأن ترافق بمنظومة أمنية تضمن سلطان القانون وتطمئن المتعاملين، والجزائر شهدت اعتداء تيقنتورين الإرهابي الذي أكد أن المكاسب الوطنية للدول مستهدفة كون الصراع أصبح اقتصاديا ؟. ❊❊ حقيقة، الأهم في كل هذا بالطبع استرجاع الأمن الذي أعطى نفسا جديدا لعالم الشغل من حيث جذب الاستثمار وطمأنة المؤسسات والمتعاملين وتنشيط أداوت الإنتاج. وبالرغم من مؤشرات التحسن، إلا أن هناك عمل كبير ينبغي مواصلته بما في ذلك مضاعفة جهود مكافحة الاعتداءات اليومية والتصدي لها كونها بمثابة الفيروس الذي يعرقل النمو. وبالمناسبة، أشير كما يلاحظه الجميع إلى أن الوضع بحاجة إلى ضبط مقاربة أمنية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية بما يطمئن المواطنين ويعزز الثقة في نفوس السياح، فالأمن ضمانة للاقتصاد والتنمية. ونحن على ثقة بأن القاضي الأول للبلاد يعير الموضوع أهمية قصوى نتوقع أن تفرز إجراءات أكثر صرامة ضمن الإطار القانوني. وبالمناسبة، أشير إلى ما حصل في شهر جانفي المنصرم بتيقنتورين بعين اميناس، حيث قدم الجيش الوطني الشعبي الرد المناسب للإرهابيين الذين حاولا عبثا ضرب مصدر قوت الشعب الجزائري وتهديد الأمن الغذائي للجزائر. وما أنجزه أبطال جيشنا يستحق الإشادة محليا وعالميا باعتراف الدول الكبرى. وما يهمنا ضمان تكريس الاستقرار الاقليمي على امتداد منطقة المغرب العربي وبلدان الساحل والصحراء، ذلك أن الأمن يخدم التنمية للشعوب، ولذلك من حيث يتسرب الخطر يجب صده. إلى اليوم ينبغي حمد اللّه على ما حققته البلاد بالنظر لما مرت به من صعوبات. وبلادنا حاليا في وضعية مريحة وصوتها مسموع. وبالمقابل هناك بعض القضايا التي يجب أن تعالج مثل الملفات المتعلقة بالوظيف العمومي على غرار عمال الأسلاك المشتركة الذين يستحقون التفاتة الحكومة فهم متضررون بحق. كما أن الأمور في القطاع الخاص ليست كما يجب من جانب أجور العمال وعدم التصريح لدى الضمان الاجتماعي وهذا من صلاحية وواجب الدولة لفرض مراقبة من خلال مفتشي العمل من أجل تطبيق القانون وإعادة هيبة الدولة أمر ضروري حتى لا تتبدد الجهود الوطنية. وما أعتقده بكل موضوعية، أن حوالي 80 بالمائة من العمال في وضعية مقبولة مقارنة بالمحيط القريب والبعيد وحتى عالميا ويكفي النظر للوضع في بعض البلدان في أوربا، حيث الأزمة المالية والاقتصادية تطيح بالرفاهية. ❊ يشكو عالم الشغل من تجاوزات تثير حالة اللاثقة، كيف تعالجون المسألة خاصة بالنسبة للأحكام القضائية التي لا تطبق؟. ❊❊ بصراحة لا توجد شكاوي كبيرة من عمال الشركات الأجنبية التي يعد وجودها في بلادنا مؤشرا طيبا، ما عدا بعض الحالات نحن بالمرصاد لها لمنع التجاوزات والحرص على فرض احترام القانون، علما أننا في دولة القانون والجزائر تصنف ضمن البلدان الأولى في العالم من حيث جودة القوانين التي للأسف لا تحترم أحيانا. وأوضح هنا، أن القاعدة القانونية موجودة، بينما هناك من 4 إلى 6 آلاف حالة فصلت فيها العدالة لصالح العمال ولم يتم تطبيق أحكامها من بعض المسيرين، وهذا مشكل يمس بالمصداقية. وهذا المشكل ينبغي إنهاؤه والمركزية النقابية لا تتوقف عن الإلحاح على تطبيق أحكام القضاء بلا تردد والأمين العام الأخ سيدي السعيد يضع هذه المسألة على مكتبه باستمرار، لأن اتحاد العمال من المدافعين عن سلطان القانون ولو يكون عامل خارج عن القانون لا نقبل به بيننا نحن معشر النقابيين. ❊ الظرف الراهن بقدر ما هو إيجابي بقدر ما يعاني من هشاشة بالنظر للأزمة المالية العالمية التي تتأجج في أوروبا ، ما هي رسالتك للعمال تحسبا للمستقبل ؟ ❊❊ في هذه المناسبة أدعو العمال إلى الحرص على الحفاظ على مؤسساتهم ووسائل الإنتاج، لأن المؤسسة هي التي تضمن أرزاقهم وأسرهم، ومن ثمة من الواجب التصدي لمن لا يخدم مصلحة المؤسسة، على اعتبار أن المقصود تقوية الإنتاج، ويكون هذا بتقليص الغيابات وإتقان العمل والتحكم في الجودة، ومن ثمة كلما كانت المؤسسة في صحة جيدة ماليا وتنظيميا واستقرارا، كلما يقطف عمالها الثمار. وبخصوص حركة الاحتجاجات، منها ما لأصحابها الحق مثل عمال الأسلاك المشتركة وهنا أجدد دعوة السلطات للنظر في مطالبهم، وبالعكس منها هناك احتجاجات يمكن أن وراءها أطراف تريد استغلال الظرف ومعاناة الناس لبلوغ أغراض غير معلنة، وأطلب من العمال والشعب الجزائري الحذر والتفطن لتفويت الفرصة على المغرضين حتى تواصل بلادنا شق الطريق إلى المستقبل في عالم لا مكان فيه للمتأخرين.