تعرف مصر أزمة سياسية غير مسبوقة أعقبت عزل الرئيس محمد مرسي من قبل الجيش، بعد مظاهرات حاشدة طالبت برحيله قادتها حركة (تمرّد)، وإثر إنسداد الأفق وشلل أصاب البلاد، وبروز بوادر لمواجهة محتملة بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، قال الجيش أنها تهدد الأمن القومي للبلاد وأمهل أطراف الأزمة للوصول إلى حل توافقي للاستجابة لتطلعات الشارع، وتدخل بعدها وعزل الرئيس، لتبدأ حلقة أخرى من المواجهة أدخلت البلاد في مأزق مجهول النهاية ولتوضيح الصورة أكثر حول الوضع في مصر أجرينا هذا الحوار مع محمود أبو بكر، صاحب كتاب «السادسة بتوقيت التحرير» وهو مجموعة مقالات صحفية وتغطيات ل « ثورة 25 جانفي 2011». @ الشعب : هل ما وقع في مصر انقلاب، أم تصحيح لمسار «ثورة» جانفي؟ @@ محمود أبو بكر: بعيدا عن التوصيف، ينبغي متابعة المشهد المصري عامة، خلال عام مضى من حكم الرئيس محمد مرسي، حيث شهد هذا العام عدة تحديات كبرى أصبحت تهدد مكتسبات «ثورة» 25 جانفي من جهة والتجربة الديمقراطية الوليدة من الجهة الأخرى، وأعتقد أن ما حدث في 30 جوان الماضي ، يعبر بصدق عن تلك الأزمة التي وصل إليها النظام السياسي في مصر بقيادة الإخوان، أين سدت كل قنوات ''الاتصال'' بينهم وبين القوى السياسية الأخرى، ما استدعى إعادة الاحتكام مجددا إلى الميدان، بحثا عن محاولة استكمال مطالب «الثورة» بعد حملة واسعة قامت بها حركة «تمرد» لسحب الثقة من الرئيس، بالتالي أي تطور لاحق، سواء تعلق بموقف الجيش أو غيره من الأطراف، ينبغي أن ينطلق من هذه الحقيقة، حقيقة أن هناك الملابس من المصريين يرفضون حكم الرئيس مرسي الذي فشل في تحقيق تعهداته، سواء ما يتعلق بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية أو الوفاق الوطني وإنجاز دستور ديمقراطي يعكس توافق كل التيارات والتوجيهات، الممثلة للمجتمع المصري، وهم بذلك يعتقدون أنه قائد للشرعية، وبالتلاي هي «ثورة شعبية» إنحاز لها الجيش بإتخاذه قرار عزل مرسي. @ ولكن ألا تعتبرون ما يجري اليوم في مصر هو استمرار لصراع طويل بين العسكر والإخوان؟ @@ لا أعتقد أن هذا التوصيف دقيق بشكل كلّي، لأن أزمة نظام الرئيس مرسي كانت مع القوى السياسية بالدرجة الأولى بينما الجيش ظل يؤدي مهامه الدستورية تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الرئيس المعزول محمد مرسي، دون أي صراعات وبالتالي أعتقد أن جوهر الصراع لا يمكن تصنيفه في معادلة العسكر والإخوان إلى درجة أن الإخوان كانوا يرّوجون أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي محسوب على تيارهم، بحكم أن عمه عبد المؤمن السيسي كان عضوا بمكتب إرشاد الجماعة إلى غاية عام 1996 وعيّنه مرسي على رأس الجيش، وهناك عوامل أخرى لابد من أخذها في الاعتبار حول هذا التعيين، فعندما كان على رأس المخابرات الحربية أثناء أحداث جانفي 2011 التي أطاحت بالرئيس مبارك كانت التقارير التي يوجهها إلى الرئيس تعكس حقيقة الأوضاع على الأرض خلافا للتقارير الأخرى للمخابرات العامة والشرطة التي لم تكن كذلك والإخوان اعتبروا ذلك مساهمة في «الثورة»، وهذا كله يؤكد أنه لم يكن أي صراع بين الرئاسة والجيش قبل عزل مرسي. @ عزل مرسى وانتهى الأمر، كيف تتصورون المشهد المصري في المرحلة القادمة؟ @@ في اعتقادي أن الأمر لم ينته بالنسبة لمؤيدي مرسي من الاخوان والتيارات الاسلامية الأخرى، بل يبدو لي أنه بدأ الآن، والمؤشرات الأولية لردود الفعل لا تبشر بانتقال سلس وسلمي، في ظل تمسك هذه التيارات، بمطلب عودة الرئيس المعزول كشرط لأي حوار قد يفضي إلى مخارج للأزمة، بينما ترى القوى الأخرى، بما فيها المؤسسة العسكرية والمعارضة بعدم العودة في قرار نهاية محمد مرسي، وبالتالي فالأمر مرشح للمزيد من الاستقطاب الحاد والعنيف والأيام الماضية، أبانت جزء من السيناريو الدامي الذي قد تجر إليه مصر. @ كيف تتصورون مخرج الأزمة التي تعيشها البلاد في ظل عدم وجود تصور توافقي لحلها؟ @@ أولا مع صعوبة تصور حلول قريبة، فإن ما ينبغي تأكيده أن أي مخرج للأزمة لا يمكن أن يكون إلا عبر الحوار وأي حوار يفترض تقديمخ تنازلات من كل الأطراف من أجل انتشال البلاد من السيناريوهات الأكثر قتامة، هناك مبادرات كثيرة مطروحة من عدة جهات من أجل تغليب المصلحة العليا للبلاد وامكانية نجاحها ترتبط بتخلي كل الأطراف عن أي شروط مسبقة للحوار. ثانيا، على السلطة الانتقالية تقديم ضمانات حقيقية وتوفير أجواء لمصالحة وطنية جامعة تقصي أحدا وإيقاف الاجراءات الاحترازية والطارئة، مثل اعتقال رموز الاخوان بما فيهم الرئيس المعزول محمد مرسي كمبادرة لانجاح وتهيئة الظروف المناسبة للوفاق والمصالحة. ثالثا، إيقاف الإجراءات المتخذة بشأن غلق صحف وقنوات فضائية لتعارضها مع الممارسة الديموقراطية.