تتميز ولاية غليزان بموقع استراتيجي هام، كونها تشكل همزة وصل بين الغرب والوسط والشرق، وهي مكونة أساسا من مناطق ريفية تعادل 70 بالمائة من المساحة الإجمالية للإقليم، حيث يعبر إقليمها العديد من الطرق الوطنية الهامة كالطريق السيار شرق - غرب، مما سهل تنقل المواطنين القادمين من مختلف الولايات، وهذا ما لاحظناه لدى زيارتنا للولاية. زيادة على وجود شبكة السكة الحديدية كالخط المزدوج (الجزائر- غليزان - وهران)، وخط السكة الحديدية (غليزان - تيارت - تيسمسيلت)، وتعتبر هذه الشبكة حسب المخطط الوطني للتهيئة الإقليمية واحدة من بين خمس مدن رئيسية لمحور التكتل الأوسط للمدينة (وهران). وكانت أول محطة توقفنا عندها هي مصنع الزرابي التقليدية أين استمعنا لانشغالات مهني الحرفة الذين طالبوا بالدعم المالي لمواصلة مزاولة نشاطهم وترقية حرفة النسيج حفاظا على تراث الأجداد،وفي هذا الإطار تعمل مديرية السياحة بالولاية على إعادة الاعتبار لهذا الموروث. من خلال إعادة بعث مركز التكوين في صناعة الزربية الموجودة بالقلعة، والذي كان تابعا للبلدية والمشروع قيد الدراسة حاليا، حسب ما قاله لنا مدير السياحة جيلالي طوالبية. كما تمّ تشكيل اللجنة الولائية الخاصة بتوزيع فضاءات لورشات على مستوى دار الصناعة التقليدية، وهذا لتشجيع الحرفيين ومساعدتهم وتنمية القطاع بغليزان. عرجنا بعدها إلى متحف آثاري بني راشد لبلدية القلعة بوعلام معرة الذي يضم صور لمناظر طبيعية للمنطقة، قطع من قماش الكعبة الشريفة وكتب نادرة عن الشعر الملحون لمحمد قاضي، خناجر تعود للحقبة العثمانية، وحسب صاحب هذا المتحف الصغير، فإنه سيقوم بإعادة هيكلته وتوسيعه، وسيزوده بالانترنيت لرقمنة محتويات المتحف، لتوريث حرفته لشباب المنطقة. وبالنسبة للصناعة التقليدية، قال مدير للسياحة للولاية جيلالي طوالبية ل»الشعب» أنه تم انجاز دار لممارسة هذا النشاط وإنشاء غرفة الصناعة التقليدية والحرف لولاية غليزان لتشجيع الحرفيين وممارسي النشاطات التقليدية، حيث تشتهر الولاية بصناعة الطين وزربية القلعة. ويقدر العدد الإجمالي للحرفيين بغليزان لغاية 29 سبتمبر 2013، ب 3441 حرفي ، منهم 920 في مجال الصناعة التقليدية والفنية، و 675 في إنتاج المواد، وكذا 1846 في مجال الصناعة التقليدية للخدمات، مع استفادة 87 بالمائة من الحرفيين من المحلات. مركز الفروسية.. وحديقة «فنيك لاند» لمن يفضل هذا النوع من المنتزهات ثالث محطة قادتنا هي مركز الفروسية الذي يتوفر على أربعين حصانا أصيلا مدربين و45 فارس، ويندرج في إطار تطوير السياحة باعتباره فضاء ترفيهي للذين يفضلون ركوب الخيل، وما يلفت الانتباه هو محافظة سكان المنطقة على طريقة لباسهم، وامتطائهم الخيل وإطلاق البارود، كما تدعمت غليزان أيضا بمشروع لمنتزه ترفيهي وهو حديقة «فينيك لاند» التي ستساهم في خلق مناصب شغل من جهة، وتحسين الوجهة السياحية للمنطقة من جهة أخرى وهو الهدف المنشود للاستيراتيجية الوطنية للنهوض بالقطاع، مما يدل على أن مستقبل السياحة في غليزان واعد. وبالنسبة للوضعية الحالية لقطاع السياحة بغليزان، فإن الحظيرة الفندقية تتوفر على عشرة مؤسسات فندقية مستغلة بطاقة إيواء إجمالية تقدر ب649 سرير، ومن بين هذه الفنادق نجد نزل «طريق الولجة» ببلدية المطمر بدرجة أولى، وفندق «الاتحاد» و»المغرب» ببلدية واد رهيو وهو هيكل معد للفندقة، مثل فندق»البرتقال» الكائن ببلدية وادي الجمعة والسلام بمازونة. بالإضافة إلى فندق «مسنا» والإقامة السياحية «نجمة فتحية» ببلدية بلعسل بوزقزة، وفندق»الظهرة» بسيدي أمحمد بن علي، وكذا فندق «النجاح» الكائن ببلدية بن داود، و تتوفر الولاية على تسع وكالات للسياحة والأسفار من بينها ثمانية تابعة للقطاع الخاص، وواحدة للقطاع العام موزعة عبر تراب الولاية. وبالموازاة مع ذلك، يوجد ديوانين للسياحة وهما الديوان المحلي للسياحة غليزان والديوان المحلي للسياحة مازونة، زيادة على جمعية الظهرة للفن والسياحة والآثار لبلدية مازونة، حيث تهدف هذه الجمعيات لترقية المنتوج السياحي المحلي، عبر انجاز مطويات إشهارية عن الأماكن السياحية التي تزخر بها المنطقة، وأقراص مضغوطة عن الوعدات التي تقام بها والجولات السياحية. وتجدر الإشارة إلى أنه، تمّ تصنيف أربع مناطق للتوسع السياحي وهي عبارة عن منابع حموية وسدود بكل من بلديات منداس، عمي موسى، لحلاف وسيدي أمحمد بن عودة، تستقبل المواطنين بحثا عن الراحة والعلاج خاصة في فصلي الربيع والصيف، وفي هذا الإطار تتوفر ولاية غليزان على تسعة عشرة منبعا منها أربع منابع خضعت لدراسة هيدروجيولوجية من طرف المؤسسة الوطنية للدراسات السياحية سنة 1984، ونظرا لقدمها فهي تحتاج إلى عملية تحيين. وعدة سيدي أمحمد بن عودة وجهة سياحية أخرى تستقطب الآلاف من السكان ومن التظاهرات ذات الطابع السياحي الذي ما يزال يحتفل بها سكان غليزان، رغم أنها قاربت خمسة قرون، في جو أخوي بهيج تتداخل فيه العادات والتقاليد من جهة والجود والكرم من جهة أخرى، هي وعدة الولي الصالح سيدي أمحمد بن عودة بن يحي بن عبد العزيز وهو معروف أكثر ببن عودة نسبة إلى مربيته عودة بنت سيدي أمحمد بن علي المجاجي المعروف بابن بهلول، وهي عالمة متصوفة وتقية. حسب الشروحات التي تلقينها بعين المكان من أحد المشايخ بالزاوية. وفي هذا الصدد، أشار محدثنا إلى أن عدد الطلبة الذين يدرسون القرآن الكريم بزاوية الولي الصالح هو 120 طالب، في حين عدد الأشخاص الوافدين يوميا من كل الولايات يقدر بالآلاف، حيث يزور الضريح خلال ثمانية أيام الذي تقام فيه الوعدة 80 ألف زائر. ومما لفت انتباهنا خلال الزيارة هو الاهتمام الكبير لسكان الولاية بالحفلات الشعبية أو ما يسمى بالوعدات خاصة وعدة الولي الصالح سيدي أمحمد بن عودة الذي تشتهر به المنطقة، التي تجذب إليها العديد من المواطنين الذين يتنقلون من كل الولايات مثلما أظهرته لوحة ترقيم السيارات خاصة من الولايات المجاورة، رغم بعد المسافة ووعورة المسلك. يتم الإعلان عن موعد الاحتفال بعد اجتماع مشايخ الفروع والعروش ال25 المكونة لقبيلة فليتة وتقوم بعملية الإعلام فرقة من الرجال يحملون الركيزة وهي عبارة عن عمود خشبي يستعمل فيما بعد كدعامة لإحدى الخيم. يعلن موعد الوعدة عن طريق التهليل المصحوب بأنغام الغايطة والبندير وروائح البخور، وعند مرورهم بالمنازل يهديهم السكان التبرعات والمحارم المرشوشة بالعطور، بينما تقوم فرقة أخرى بإبلاغ السكان بواسطة البراح في الأسواق الأسبوعية للقرى والمدن المجاورة. وحسب أهل المنطقة، فإنه قبل يوم الموعد في اتجاه مقام الولي الصالح سيدي أمحمد بن عودة وفور الوصول يتم تنصيب خيم، وتقوم النساء بإعداد الطعام التقليدي المعروف (الكسكسي). وفي هذا اليوم تكون قبيلة فليتة بأعراشها ال25 حاضرة، بالإضافة إلى الزوار الذين يتولى إطعامهم وإيوائهم سكان الزاوية المعروفون بالخدم وتكون القبة التي تحتضن ضريح الولي الصالح سيدي أمحمد بن عودة قد تمّ تزيينها من الداخل وطلائها من الخارج. ويكتسي الضريح حلة مزركشة من الأقمشة والمحارم تتشكل حوله مجموعة من حفظة القرآن الكريم يتلونه الطلبة، وفي خارج القبة يلتف الزوار في حلقات حول المتبارزين بالعصي في جو تنشطه الفرق الفلكورية البدوية، المداحين، القوالة، القرقابو وغيرهم من الفرق. وهذا ما وقفنا عنده فور وصولنا بعد مشقة إلى مكان الضريح بسبب كثرة السيارات القادمة من كل الولايات، وكذا الأشخاص من كل الأعمار الذين كانوا يمشون على الأقدام متجهين نحو مقام الولي الصالح تفاديا للازدحام، شاهدنا جمهور غفير بجوار الضريح من أجل التبرك بهذا الولي الصالح المعروف عند أهل المنطقة بخصاله الحميدة مثلما أخبرتنا به إحدى الفتيات التي جاءت للتبرك والتضرع في الصلاة إلى الله عزوجل ليلبي حاجاتها في مقامه الطاهر على حد تعبيرها. وأضافت في حديث ل»الشعب»، أن هذه العادة أصبحت سلوك يحرص سكان المنطقة على القيام به سنويا، حيث يتوافد عليهم الناس من كل مكان بحكم ما سمعوه عن فضائل هذا الولي الصالح الذي ينحدر من سلالة أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أين يقرأون القرآن ويهللون ويكبرون. وبالمقابل، شاهدنا رجال يمتطون أحصنة وفي يدهم بنادق يستعرضون تقاليد المنطقة، ووفقا للأعراف المتوارثة منذ قرابة خمسة قرون خلت، فإن الوعدة تدوم مدة ثمانية أيام ويتم يوم الأربعاء خياطة الخيمة بحيث تضم قطع القماش المنسوجة من الوبر الخام، وتنصب تحت زغاريد النسوة ومنافسة بالعصي بعدها يفسح المجال للفرق الفلكلورية التي تمتع الحاضرين بنغمات الزرنة والقصبة ودقات الطبول والحضرة. وفي وقت الغذاء يتنافس أهل بلدة سيدي أمحمد بن عودة على إطعام الزوار بالطبق التقليدي المعروف «الكسكسي» الذي يقدم في قصعة كبيرة الحجم مرصوصة باللحم ومزينة بالبيض، الزبيب، والعنب حسب عادة أهل المنطقة، حيث يتباهى كل خديم في إطعام ضيوفه. وبعد نصب الخيمة وتناول الغذاء ينتشر الزوار في عدة أماكن مستحبة للزيارة، منها حجر الباز الذي يعتبر أول مقصد يتوجه إليه الزوار بعد تسلق جبل صخري، حيث يمكنهم بعد المرور بالحجرة الباكية من الوصول إلى قبة الولي الصالح سيدي عبد القادر الواقع في أعلى قمة الجبل، ويعرج الزوار بعد نزولهم من حجر الباز على منبع المالحة، نظرا لملوحة مياهه وفيه يغتسلون ويتوضأون. يتجه الزائر إلى العبادة التي هي عبارة عن مغارة يتربع بداخلها يوم الوعدة الطلبة لترتيل القرآن الكريم تيمنا بالولي الصالح، الذي يتخذ من هذا المكان مكانا للعبادة والتصوف. وتتزامن الزيارة بتقديم استعراض أحسن فرس من كل عرش، وهي إشارة لانطلاق ألعاب الفروسية وللتباهي بالفرسان الذين يلبسون أحلى الملابس التقليدية، زيادة على السروج المطرزة وفي أثناء هذه الألعاب تسمع عيطة واحدة وتكون بمثابة إيعاز لإطلاق البارود بدفعة واحدة وفي انسجام وتنافس كلي، وقد كان هذا الاستعراض جد مشوق ونال إعجابنا حيث تقدم أحد الشيوخ وبدأ يمدح في بعض الشخصيات والمسؤولين المحليين الجالسين بالمنصة، والحضور يعطيه ورقة نقدية بقيمة 1000دج كشكر على ثنائه. يجتمع مشايخ قبيلة فليتة في مكان رحب لجمع التبرعات ولحل النزاعات وتوحيد العروش، وبين ألعاب الفروسية وسوق الربح يتفرغ الزوار لاقتناء بعض المنتوجات التقليدية والمؤونة والملابس والأواني والفواكه كالتين المجفف، الرمان والخروب. وقد غادرنا المكان على أصوات التهليل والتكبير وتركنا الوعدة متواصلة.