في الواقع لم أكن أريد أبدا الكتابة عن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أرييل شارون" ولا تذكر الجرائم والمذابح التي ارتكبها على مرّ السنين في حق الفلسطينيين والعرب بدءا بمجزرة قبيّة عام 1953، مرورا بقتل وتعذيب الأسرى المصريين عام 1967، فمذبحة صبرا وشاتيلا، ووصولا إلى مذابح ما بعد انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي تجاوز عدد ضحاياها تسعة آلاف. لقد سلّمت بأن نهايته التّعيسة التي جعلته يرقد في غيبوبة ثمانية أعوام كاملة بين الموت والحياة هو بعض القصاص لما ارتكبه في حق آلاف الأبرياء الذين استباح أرضهم ودمائهم فلم يسلم من جبروته أطفال أو نساء ولا حتى شيخ الشهداء المقعد أحمد ياسين الذي نسفه وكرسيَهُ المتحرّك وهو يغادر المسجد بعد صلاة الفجر. لقد اعتقد أبناء شارون، بأن والدهم فوق الإنسان والطّبيعة، وبأنّهم بإرادتهم سيبقونه على قيد الحياة من خلال أجهزة وأناس تمدّه بالأوكسجين والغذاء والدّواء، وغاب عنهم بأن الغيبوبة الطويلة هي عذاب وموت بطيئ إذ تؤدي إلى ضمور الأعظاء فتتلاشى وظائفها شيئا فشيئا، ليلقى حتفه في النّهاية بإرادة الخالق الذي جعل لكل أجل ميعاد ولكل عمل حساب. وفاة "شارون" البالغ من العمر 86 عاما كانت في واقع الأمر في الرابع جانفي 2006، أي قبل ثمانية أعوام، عندما تعرّض لجلطة دماغية أنهت فصول حياته ومعها طوت سلسة جرائمه التي ارتكبها منذ أن انخرط وهو فتى صغيرا عام 1942، في منظمة "الهاغانا" وهي في واقع الأمر عبارة عن عصابات تضم غلاّة الصّهيونية الذين شرعوا في تقتيل ومطاردة الفلسطينيين لإرغامهم على مغادرة بيوتهم وأراضيهم ليستولوا عليها ويقيموا فوقها دولتهم غير الشرعية. سلسلة طويلة من المذابح اسم "شارون" لم يرتبط بشىء أكثر من ارتباطه بالمجازر الفظيعة التي ارتكبت في حق الفلسطينيين والعرب وإذا كان الصّهاينة يعتبرونه بطلا قوميّا، فالعالم أجمع ينظر إليه على أنه مجرم حرب. وأوّل مجزرة أشرف عليها هذا الراقد بين الحياة والموت، وقعت في قبيّة في خريف 1953 (كان عمره 25 عاما) والتي راح ضحيّتها 170 من المدنيّين الأردنيّين. ويسجل التّاريخ اسم شارون في عمليات تغذيب وتقتيل للأسرى المصريين عام 1967، ومن الأساليب البشعة التي اعتمدها خلال النكسة أنه أعطى أوامر لقواته بتقييد الأسرى المصريين وطرحهم أرضا لتمرّ المدرّعات عليهم وتسحقهم وهم أحياء. لكن تبقى المجزرة المروّعة التي هزّت العالم وحرّكت العديد من الجهات لفرض محاكمته ومعاقبته دون أن يتحقق ذلك لما تتوفّر عليه إسرائيل ومواطنيهامن حصانة، هي مجزرة صبرا وشاتيلا التي أشرف عليها وزير الدّفاع "أرييل شارون" أياّم اجتياح جنوبلبنان عام 1982، ونفّذت بأيدي قوات حزب الكتائب اللّبناني تحت إمرة العميل إيلي حبيقة، وخلّفت عددا كبيرا من الشهداء، وصل حسب المصادر إلى أزيد من ثلاثة آلاف أغلبهم فلسطينيين وبعض اللّبنانيّين. صبرا وشتيلا ...قمّة الإجرام تولّت قوّات العميل جبيقة تنفيذ المذبحة في مخيّمي صبرا وشاتيلا بالأسلحة البيضاء وتولى الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون تأمين الأجواء للمجرمين لينفذوا المجزرة دون أن يكتشف أمرهم، حيث كان يطلق القنابل المضيئة ليمدّهم بالإنارة ويحاصر المكان حتى ينهي المجرمون مهمّتهم القذرة. لكن رغم فظاعة الجريمة التي هزّت العالم، إلا أن أحدا لم يقوَ على معاقبة "شارون" والثمن الوحيد الذي دفعه هذا الأخير الاستقالة هو من وزارة الدّفاع عام 1983، بعد أن قرّرت لجنة قضائية خاصة بالتّحقيق في المجزرة أنه لم يفعل ما يجب لتفاديها. وبعد غياب إضطراري، عاد أرييل شارون بقوّة إثر اقتحامه لساحة الأقصى عام 2000، وقد بدا جليّا بمجرّد ظهوره أن جرائم جديدة سترتكب في حق الفلسطينيين وأنهم على موعد آخر مع التصعيد والمعاناة... وفعلا لعد تسبّب الرّجل في اندلاع انتفاضة الأقصى التي استمرّت أربع سنوات قتل خلالها 9 آلاف فلسطيني. ولعلّ أفضع جريمة سوف لن يمحوها الزمن مهما طال، هو مقتل الطفل محمّد الذرة، واغتيال كوادر حماس وقياداتها وعلى رأسهم شيخ الشهداء أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي، بالإضافة إلى مجزرة جنين عام 2002 ومذابح أخرى لا تعد ولا تحصى. الجدار العازل أو السجن الكبير توصّل "شارون" إلى أن التّقتيل والتذبيح والترهيب لا يكفي لاقتلاع الإرادة الفلسطينية في استعادة الأرض والحقوق المغتصبة، ففكّر في خطّة مكمّلة لضمان أمن اسرائيل وقرّر بناء الجدار العازل كما سمّاه الجدار الواقي ليفصل كيانه الغاضب عن الضفة وغزة وحوّل الأراضي الفلسطينية إلى سجن كبير نزلاؤه الفلسطنيّون يعيشون في بؤس ومعاناة وحصار شديد، وبعد أن سيّج إسرائيل بهذا الجدار الذي إلتهم ما تبقى من أرض فلسطينية، بادر في 2004 إلى طرح خطّة فك الارتباط الأحادية الجانب وأعلن في 2005 الإنسحاب من غرة رغم أنه كان من أشد المدافعين عن الإستيطان. وقد أظهر هذا الانسحاب، أن المقاومة الباسلة التي قادتها غزة في فترة رئاسة "شارون" كان لها وقعها الشّديد عليه وعلى إسرائيل، الأمر الذي جعله يقرّر صاغرا الإنسحاب من القطاع. وبعد أن عثّ في الأرض فسادا وفي الناس تقتيلا، غطّ "شارون" في غيبوبة عميقة لا يحيا فيها ولا يموت ولعنة ضحاياه تلاحقه. بطاقة تعريف ولد" أرييل شارون" في 26 فيفري 1928، في قرية كفار ملال بفلسطين أيام الانتداب البريطاني، والداه من اليهود الذين هاجروا من شرق أوروبا، فأبوه من بولندا وأمه من روسيا. حاصل على عدّة دبلومات جامعية، ويتقن العبرية والإنجليزية والروسية. بدأ حياته عسكريا، وتحوّل إلى السياسة ليتقلّد عدّة حقائب وزارية قبل أن يصبح رئيس الحكومة الإسرائيلية الحادي عشر، حيث انتخب عام 2001 رئيسا للوزراء، وأعيد انتخابه عام 2003. في 4 جانفي 2006، تعرّض لجلطة دماغية وغّط في غيبوبة طويلة قد يحطّم بها الرقم القياسي العالمي. من أقواله الإستفزازية «جميعنا يجب أن نتحرّك... يجب أن نستولي على مزيد من التّلال .. يجب أن نوسّع الأرض التي نعيش عليها، فكل ما بين أيدينا لنا، وما ليس بأيدينا سيصبح لهم".