بطء وتيرة الإنجاز قد تؤخر عملية ترميم 400 بناية إلى سنوات ترميم البناءات القديمة والمعالم التاريخية بوهران إشكالية تطرح في ظل نقص المؤسسات المؤهلة وندرة اليد العاملة. وتزداد الإشكالية حدة إثر غياب قاعدة مفاهيم صحيحة تساعد سكان وهران على فهم المقاصد الأساسية من ثقافة الحفاظ على الشاهد التاريخي، وهي من التحديات الكبرى التي تواجه كبريات المدن الجزائرية، وخاصة الساحلية منها، بعدما طغت ثقافة الإسمنت. والسؤال المطروح، هل ستدخل عاصمة غرب البلاد في صميم الترميم الحق الذي يحافظ على وجهها العمراني ومعالمها التي تروي حضارة عريقة لا يمحوها الزمن. إنها أسئلة تحاول الإجابة عنها ‘الشعب" من خلال هذا الاستطلاع بأخذ انشغالات أهل الاختصاص والفاعلين ومقاربتهم حول أي ترميم نريده وكيف ينجز. الترميم، من العمليات الهامة التي تتوخى المحافظة على الشواهد المادية، فالمبنى التاريخي، ليس مجرد كتل معمارية ينبغي الحفاظ عليها، نظرا لقدمها فحسب، وإنما مرآة، تعكس الحياة الإنسانية في مراحلها التاريخية، وتمثل أحد أشكال تطور الذكاء البشري والحضارة الإنسانية في أبعد مداها ومضامينها. ولاية وهران اليوم، نموذج في ترميم السكنات القديمة غير الشاغرة، بعد العاصمة. وهران التي اعتمدت تقنية ترميم بعض المباني، وهي فارغة تحتوي على بنايات يعود تاريخ تشييدها إلى العهد العربي العثماني، الإسباني، الفرنسي، ويتمركز هذا النوع من العمارات خصوصا بوسط المدينة والأحياء العتيقة. كل التفاصيل في هذا الاستطلاع الي قامت به "الشعب" بعاصمة الغرب الجزائري. الإنطلاق في ترميم 60 بناية قبل نهاية السنة ومن المنتظر، أن يتم الشروع في ترميم الشطر الثاني من البنايات القديمة عبر العديد من المواقع بإقليم الولاية، في انتظار وضع الترتيبات اللازمة من أجل تنصيب المؤسسات المشرفة على العملية، وهذا بعد ضبط دفتر الشروط الجديد والإعلان عن المناقصة الخاصة بها منتصف جانفي 2014.وحسب ما صرح به مصدر مسؤول من المصلحة المكلفة بملف الترميمات على مستوى ديوان الترقية والتسيير العقاري بوهران لنا، فإن المشروع سيشمل 60 عمارة بوسط المدينة، منها ساحة 1 نوفمبر 1954 وشارع خميستي. يأتي هذا في الوقت الذي تقارب فيه وتيرة الأشغال على مستوى 120 عمارة، فيما غلقت ورشات أخرى، وهذا من أصل 400 عمارة ، علما أن المشروع، والذي يرجع إلى العهدة الثانية لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، عرف العديد من العوائق، لاسيما منها، قلة المؤسسات المعنية بالتهيئة. السيد قويدر مطاير رئيس جمعية الأفق الجميل، مهتم بالتراث المادي لولاية وهران حذّر من بطء وتيرة الإنجاز الحالية قائلا: "إذا تمادت الوضعية على هذا المنوال، فإن عملية الترميم قد تستغرق أكثر من 50 سنة". وذكر مطاير أن هذا الأمر بات في حكم المؤكد في ظلّ عدد المؤسسات الحالية بسوق ترميم البنايات، والتي لا تزيد عن 5 شركات منها الجزائرية والمختلطة، حسب ما توصل إليه خلال عملية حسابية سريعة أجراها على هامش اللقاء الأخير الذي جمع ديوان الترقية والتسيير العقاري مع المقاولات المعنية. يعاب على المشروع، حسب ما استقته "الشعب" من الحضور أن بعض المباني لم تخضع إلى تهيئة حقيقية، باستخدام المواد الأصلية كالحجر القديم والخشب وبعض المواد العصرية المعالجة. وفي ذات السياق، يجدر التنبيه إلى أن بلدية وهران لوحدها استفادت من عمليات ترميم 400 عمارة، بما فيها تلك المتموقعة بالشوارع الرئيسية الكائنة بمركز المدينة، ناهيك عن عملية ب 200 عمارة متواجدة بكل من أرزيو وبلدية المرسى الكبير. وللعلم، فإن القيمة المالية المخصّصة لهاته المشاريع التابعة لديوان الترقية والتسيير العقاري لولاية وهران، كالتالي، 1.6 مليار دج وتركيبة أخرى ب1 مليار دج يضاف إليها 1.5 مليار دج و700 مليون دج. التشويه البصري يستنزف الملايين وبغية تسليط الضوء أكثر على عملية ترميم البنايات بعاصمة الغرب الجزائري، تقرّبنا من إحدى المكاتب المكلفة بمشروع الترميم بوسط المدينة، وأكّد المسؤول عن هذه العملية، بأن الأشغال، عرفت تأخرا كبيرا لكن حسبه، الأسباب خارجة عن نطاقهم، وترجع إلى غياب بعض المواد الأولية، ومشاكل أخرى وصفها ب«العويصة"، في مقدمتها نقص اليد العاملة المختصة، وحتى إن وجدت، تدخل حسب مصادرنا في إطار التكوين والعمل في وقت واحد، علما أن هذه التقنية، تتطلب مرمّمين في غاية المهارة والخبرة، وذلك للمحافظة على الأثر الأصلي وعدم إحداث خدوش أو تشققات به. كما أضاف محدثنا، بأن هناك مشكل آخر يعيق عمل المقاولات والمتمثل في المحلات التجارية، التي تمارس نشاطها بصورة عادية، وهو الأمر الذي يشكل خطورة على الزبائن، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف لهؤلاء التجار أن يغلقوا مصادر رزقهم؟ هذا ولا تزال ظاهرة التشويه البصري، تفرض نفسها بالعمارات التي طالها الترميم، يضيف المصدر، في إشارة منه إلى إعادة تنصيب الهوائيات المقعرة، وفتحات المكيّفات التي تطلّ على الشوارع العمومية، ناهيك عن خزانات المياه العلويّة المكشوفة. كما أشار إلى ظاهرة نشر الملابس بمختلف الأشكال والأحجام، يهدّد بظهور علامات واضحة في تلك العمارات بتصدّعها أو تقشر طبقة الطلاء. من جهتهم شدّد عدد من أعضاء الحركة الجمعوية المهتمة بالتراث ل«الشعب" على ضرورة إلزام أصحاب العمارات السكنيّة والتجاريّة في وسط المدينة بضوابط للحفاظ على المظهر الحضاري، خاصّة للمباني المطلة على الشوارع الرئيسيّة، لافتين إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة ضد التحويرات والتوسعات غير القانونية، وأكدوا على أهمية تفعيل قانون المباني الذي يلزم المالك المحافظة على مظهره العام من التشوّه. وطالب أعضاء الجمعية بمتابعة البنايات التي خضعت للصيانة لتفادي الإهمال الذي طالها لسنوات خلت، وأشاروا إلى أن النتيجة تشويه المظهر الجمالي العام، وبدرجة أكبر فقدان أجزاء مهمة من الموروث المادي وتعريض حياة السكان للخطر. وبالمقابل صرّح بعض المواطنين ل"لشعب " لا بد من البديل قبل إصدار مثل هاته القرارات، وتساءل عدد منهم" أليس من الأجدر صيانة المصاعد وشبكة الإنارة وتوفير المراحيض العمومية على مستوى العمارات، وهذا للتخّلص من الظاهرة السلبية التبول في الهواء الطّلق". وقال عدد من إطارات المؤسسات الخاصة، أن تجهيزات الإعلام الآلي، تتطلب أجهزة تكييف، وإلا فهي أيضا معرضة للتلّف.. فما هو البديل" يتسالون؟ الحركة الجمعوية تطالب بتمويلات أكبر بدوره، رئيس جمعية صحة سيدي الهواري، بريكسي كمال، صنّف ملف رد الاعتبار للتراث المادي، ضمن خانة العمليات المعقدة التي تحتاج إلى تمويلات كبيرة، لما تتوفر من مآثر تاريخية ومعالم أثرية تختزل خبرات ومهارات عريقة في مجالات الثقافة والهندسة المعمارية وفن العيش، وهو ما يفرض تضافر جهود جميع المتدخلين والشركاء، من أجل رفع التحديات التقنية والقانونية وحتى الاجتماعية والاقتصادية التي تطرحها عملية إعادة الاعتبار لهذا النسيج العمراني، دون المس بقيمته الحضارية والتاريخية. «هناك تهديدات تتربص ببطاقة الهوية الوهرانية، كمدينة متوسطية"، قال رئيس جمعية صحة سيدي الهواري، والتي اختارت من الحمامات التركية التابعة لعهد الباي مصطفى بن يوسف والمستشفى القديم العسكري الفرنسي الذي بني في 1838 مقرا لها، بعد عمليات تأهيل واسعة، وعيا منها بالمخاطر المحدقة بهذه الحاضرة، في ظل نقص التوعية بقيمة التراث، وهي الحلقة المفقودة التي زادت من اتساع دائرة التشقق والانهيار والاندثار في حركية التهيئة والتعمير وثقافة البناء الجديدة. وأضاف بريكسي "يحدث هذا في وقت تعيش فيه المدن العريقة، وخاصة المدن التي تتمازج بها الأنماط الهندسية، إشكالية ثقيلة، بكل ما تحمله من إرث تاريخي، ثقافي، حضاري واجتماعي إنساني". والي وهران يؤكد على الإحترافية واكتساب الخبرة ومن هذا المنطلق صنّف والي وهران، السيد عبد الغني زعلان، خلال الأيام الدراسية حول إشكالية الترميم بمدينة وهران والمنظم مؤخرا من قبل "الأوبيجي" قضية "إعادة الاعتبار" في خانة العمليات الحساسة والدقيقة، لما تحمله من أبعاد كبيرة، ودعا إيمانا منه بأهمية القضية إلى الاحترافية والاستفادة من خبرات ومهارات المؤسسات الأجنبية، في إطار ما يعرف بصفقات التراضي. كما طالب الوالي مديرية التكوين المهني عامة بفتح فروع داخل مراكز ها، بعدما أعلن عن مناقصة دولية سيعلن عنها قبل 15 جانفي لانتقاء أحسن العروض، في وقت تسجل فيه بولونيا، إيطاليا، فرنسا، اهتماما ملحوظا. يحدث هذا في وقت، لا يزال فيه الإقبال على مثل هاته التخصصات بين الشباب محتشما، بشهادة مسؤولي قطاع التكوين، والذين لفتوا إلى أن الحركية الأخيرة في مجال البناء، أثمرت بفتح العديد من المجالات، حيث دخل قطاع التكوين المهني المعركة والتحدي الكبير الذي تنتظره وهران، وتمّ على ضوء ذالك إبرام العديد من الإتقاقيات، نذكر منها اتفاقية بين وزارة التكوين والسكن والعمران والمدينة في 19 سبتمبر 2013، تبعتها تعليمة وزارية مشتركة ولقاءات مع المديريات المعنية على مستوى الولاية، من بينها ديوان الترقية والتسيير العقاري ومديرية العمران والسكن وكذا مديرية السكن والتجهيزات العمومية. وهذا من أجل التنقيب عن مناصب خاصة بالشباب في إطار التكوين والتربص بجل مؤسسات البناء، خاصة منها الناشطة في مجال الترميم، ناهيك عن الشراكة الجديدة بين مديرية التكوين والشغل ومجمع كوسيدار والمتعلقة بجهاز 16 إلى 20 سنة، والذي ينص على تلقين حرف البناء لمدة تتراوح من 3 إلى 6 أشهر، مقابل حافز مالي. وتمّ إلى يومنا هذا التحاق 65 متربصا بهذا الجهاز عبر مؤسسة التكوين المهني بحاسي بونيف ومركزين ببلدية وهران، سيدمج من أجل التطبيقي في الشركات الإسبانية والإيطالية، والرقم يبقى بعيدا كل البعد عن واقع المشاريع الكبرى التي تشهدها منذ سنوات عاصمة غرب البلاد، يضيف إطار بمديرية التكوين. وأشار ذات الإطار إلى أن عددا كبيرا من طلبة الجامعات يلجأ إلى صقل قدراته وخبراته عبر الإنخراط في عدد من المؤسسات، وخاصة منها الناشطة في مجال الترميم والصيانة، ونوّه إلى وجود طاقات كثيرة من الشباب الجزائري التي درست في أفضل الجامعات وتحتاج إلى استيعاب طاقتها من أجل المساهمة في نمو وتطور وهران، إلا أن القطاع لازال يشهد عجزا هاما في اليد العاملة المؤهلة. وفي هذا الصدد نذكّر بمفهوم المبنى التاريخي، وهو أحد التخصصات الحديثة التي ميزت التاريخ المعاصر، فعملية "الترميم" تدخل ضمن منظومة الحفاظ على الشاهد المادي. نحو إنجاز قطب متخصص في مختلف مجالات البناء بدوره بن ملوفي حواس، مدير مدرسة التكوين التابعة لجمعية صحة سيدي الهواري، أكد أن الجمعية، زودت ورشات الترميم ب150 شابا، يعمل بمختلف الشركات الأجنبية و50 شابا في مجالات أخرى، كما استطاعت على مدار 10 سنوات، أن تتكفّل مجانا بتكوين أكثر من 400 شابا في مختلف حرف البناء التقليدي والحدادة، مع العلم أنه تمّ اعتماد هاته المدرسة من قبل مديرية التكوين المهني والتمهين منذ جانفي 2011، فيما يحصي قطاع وهران 20 مؤسسة عمومية منها 3 معاهد متخصصة، واحدة منها مختصة في البناء بمستوى تقني سامي، إضافة إلى بعض التخصصات يحصيها نمط التمهين. وكشف ذات المصدر، عن مشروع هام لتخصيص مؤسسة، ستكون بمثابة قطب يجمع كل تخصصات البناء، كما تجدر الإشارة إلى نشاط 20 مؤسسة خاصة تساند قطاع التكوين العمومي بوهران، على حد تعبير المتحدث، نقلا عن الوزير الأول عبد المالك سلال، حين طالب بشراكة بين القطاع العمومي والخاص، خاصة إذا علمنا أن الجزائر تعرف عجزا ب 18 تخصصا، من بينها 7 على مستوى ولاية وهران. الحفاظ على الموروث التاريخي ...قيمة مضافة وإن الحفاظ على الطابع المعماري والتخطيطي للمدن القديمة، مبدأ أساسي، يبدأ من إدراك أهمية العلاقة ما بين السياحة ومواقع التراث العمراني في إظهار ثقافة الحضارات المختلفة، من خلال ارتياد أفراد المجتمعات المختلفة لهذه المواقع، كحوصلة لمختلف تدخلات مصادر "الشعب"، خاصة وأن وهران، استطاعت أن تفتك المرتبة الأولى بين 14 ولاية ساحلية، باستقبالها أزيد من 13 مليون سائح خلال هذه السنة 2013، حسب نتائج الاجتماع التقييمي الأخير لوزارة السياحة والصناعات التقليدية، والذي تظم مؤخرا بالجزائر العاصمة. تستقبل وهران العديد من الشخصيات في إطار الندوات والملتقيات الوطنية والدولية، وهي من المؤشرات الهامة التي تستدعي إقلاع تنموي رائد بالقطاع، لما يترتب عليه من زيادة في القيمة المضافة للاقتصاد الوطني خارج المحروقات الرهان الكبير.