يساهم النقاش حول القضايا الاقتصادية بكافة جوانبها في توضيح الرؤية للمتعاملين والشركاء من خلال إقحام الخبراء في التشخيص وتقديم البدائل بما يعزز القدرات لتستعمل بعقلانية في ظل اتسام الاقتصاد العالمي والأسواق الإقليمية بحركية سريعة لا يمكن لمن لا يتحكم في المؤشرات والمفاهيم والآليات التطلع لشغل مواقع متقدمة. توجد حقائق ومؤشرات لا يمكن القفز عليها أبرزها استعادة التوازنات الكبرى والتخلص من جملة من المعوقات التي لطالما عطلت عجلة التنمية يتقدمها تحرير الاقتصاد من المديونية الخارجية واستعادة ثقة الشركاء للاستثمار. ولعل الورقة القوية التي يراهن عليها في الانتهاء من التردد تفعيل خيار استرجاع القاعدة الصناعية التي صمدت أمام التحولات ووضعها على سكة الانتعاش بالشراكة المحلية والأجنبية، بما يؤكد التزام الدولة بإعادة صياغة التوجهات الإستراتيجية. وبقدر ما ينير النقاش السبيل في ظل صراعات دولية على الموارد والأسواق، بقدر ما ينبغي تسجيل الكاسب وتحصينها وعدم السقوط في الحلول السهلة التي دفعت البلاد ثمنا باهضا جراءها. وهنا من المفيد الإشارة إلى الاهتمام الذي يخص به قطاع الموارد البشرية وترقية آليات التشغيل مع تصحيح المسارات كلما احتاج الأمر لذلك. وإذا كان صحيحا أن الدولة في اقتصاد السوق لا يمكنها أن تستثمر إلا في المنشآت القاعدية والبنى التحتية، فان الأزمة المالية العالمية التي عصفت بأكبر اقتصاديات البلدان الصناعية أظهرت كيف سارعت تلك البلدان المتزعمة للمشهد الاقتصادي العالمي والمحتكرة للأسواق ومصادر الموارد الطبيعية تتقدمها الطاقة إلى التدخل لنجدة بنوكها المفلسة ومرافقة مؤسساتها للخروج من عنق الزجاجة. وفي ضوء هذا لا غرابة في أن تستأنف الجزائر قيادة قاطرة الاستثمار الاستراتيجي بالرغم من الجدل القائم حول جوانب تتعلق بالمعايير والكلفة وهو أمر يعالج في أطره القانونية، لتنتقل في مرحلة لاحقة إلى الحرص على التكفل بتنشيط الجهاز الاقتصادي المنتج، بوضع المؤسسة الاقتصادية الجزائرية الوطنية منها والقائمة على الشراكة الأجنبية في مقدمة الاهتمام، باعتبارها الأداة التي تنتج عنصر القيمة المضافة الحاسم لإشكالية المنافسة والتموقع في الأسواق الخارجية. ولا غرابة في أن تكون السنة الراهنة فاتحة أمل للمؤسسات الجزائرية لتطرح على الساحة ثمار كل تلك المساعي التي بذلت وبكلفة عالية، بما يؤهل للإعداد جيدا لخوض مسار الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية بأكثر أمان وتفادي ما حصل مع ملف الشراكة الأوروبية، من خلال خاصة إشراك الخبرات الوطنية وتوسيع النقاش بين الشركاء من اجل ضبط وتحديد جوانب القوة والضعف والحسم مرة واحدة في الخيارات التي يراهن عليها.