أعلن أمس عز الدين ميهوبي رئيس المجلس الأعلى للغة العربية عن التأسيس لجائزة أبو القاسم سعد الله لأحسن بحث في التاريخ الثقافي، مشيرا إلى أنّ الجائزة تأتي استجابة لرغبة العديد من الهيئات الرسمية، وبمبادرة من وزارة الثقافة. قال عز الدين ميهوبي في «احتفائية الوفاء والعرفان» لشيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله، والتي احتضنها متحف «المجاهد» برياض الفتح، تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أنّ الجائزة هي مشروع نص قيد البحث، وهو موجود حاليا بالأمانة العامة للحكومة، مؤكدا في سياق حديثه أن هذه المبادرة تهدف إلى خدمة التاريخ وحفظ اسم سعد الله في الذاكرة. وفي كلمة ألقاها بمناسبة أربعينية فقيد الجزائر، أكّد ميهوبي بأن أبو القاسم من أوائل الجزائريين الذين شقّوا طريق البحث في الذاكرة وتدوينها، إدراكا منه أنّ هذه الأمة لا يمكنها أن تعيش خارج التاريخ موصولة بحبل النسيان والموت في الحضارة. وأضاف بأنّ هذا الرجل العالم والمثقف والمفكر والشاعر والمؤرخ والمترجم والمحقق، وهب حياته للعلم والبحث والكتابة، ولم تنل منه الإغواءات التي كثيرا ما قتلت حسبه كتّابا وعلماء، وظل ذلك الرجل الذي عرف فيه الناس التواضع مع الانضباط، والفطنة مع الطيبة، والجرأة مع الحكمة، والذي لم يتبدل أبدا، حيث كان ثابتا على رأي يراه صوابا ومنافح عن قيم يستشعر فيها ما يليق بالأمة. كما نوّه رئيس المجلس الأعلى للغة العربية بمناقب سعد الله الذي اختار التنقيب في ذاكرة مخرومة بفعل الاستعمار ومسحوقة بفعل الإهمال، مشيرا إلى كلمته الخالدة «نحن شعب يصنع التاريخ، ولا يحسن كتابة التاريخ»، إشعار يضيف المتحدث بأنّ الذاكرة في خطر، وأنّ تدوينها يقتضي من الجزائريين شعبا ودولة أن يستعيدوا ذلك بوعي كبير لا أن يتركوا الأمر للأغراب فيشوّهون التاريخ ويدمّرون الذاكرة. وختم عز الدين ميهوبي شهادته عن شيخ المؤرخين بالقول: «إنّه رجل زهد في المناصب وانتصر للعلم والمعرفة، وترك رصيدا زاخرا من المؤلفات، حق له ولعائلته وللجزائر أن تفتخر بها». من جهة أخرى، شهدت الاحتفائية التي حضرتها شخصيات سياسية وثقافية، تكريم أبو القاسم سعد الله بحضور نجله أحمد سعد الله، الذي خانته دموعه للحديث عن مآثر والده، مشيرا إلى أنّه خدم الجزائر بقلمه ولسانه، وقضى جلّ حياته يحلم بلمّ الشمل وخدمة الوطن، مؤكّدا أنّ هاجسه الوحيد تمثل في رفعة البلاد والارتقاء بها بين الدول. في حين أكّد الأستاذ جمال قنان، رفيق دربه في الجامعة الجزائرية أنّ سعد الله إلى جانب أساتذة آخرين، كان له الفضل في تأسيس قسم باللغة العربية في الدراسات التاريخية، حيث كرّس نفسه للثقافة والعلم، وساهم في عديد الكتب والمؤلفات التي تتعلق بتاريخ الجزائر، مؤكدا أنّ أبو القاسم سعد الله كان له الفضل في تمكين جامعة الجزائر من التحرر من الوصاية الأجنبية، وتعريب الأقسام التي تدرس بالغة الفرنسية كعلم الاجتماع وعلم النفس. وأكّد المؤرخ محمد عباس في ذات السياق، أنّ إسهامات سعد الله لا يمكن إيفاءها حقها في هذه الجلسة، حيث ترك تراثا مهما وأثبت أن تاريخ الجزائر لا يقتصر فقط على فرنسا، بل يجب التنقيب عنه أيضا لدى مختلف الدول الأوروبية والعربية، وقال: «كان كريما وما مات من خلف هذا التراث الكبير».