يلقي التشغيل بظلاله على السنة الاقتصادية الجارية، في وقت تتظافر فيه الجهود لإعطاء دفع جديد وقوي لوتيرة الاستثمار في مختلف قطاعات النشاطات، خاصة تلك المصنّفة خارج المحروقات، ومن شأن العقد الوطني للنمو الاقتصادي والاجتماعي الذي وقّعته أطراف الثلاثية في اجتماعها الأخير يوم 23 فبراير، أن يوفّر العناصر الملائمة لبلوغ الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المسطّرة في المديين القريب والمتوسط. وأبرز تلك الأهداف تنمية التشغيل من خلال ديناميكية المؤسسات بمختلف أنماطها خاصة الصغيرة والمتوسطة التي تتحرّك حول قطاع الصناعة، الذي ينتظر أن يقفز إلى الواجهة خلال هذه السنة بفعل دخول عدة استثمارات مرحلة الإنتاج، على غرار مصنع تركيب السيارات بوهران ومصنع النسيج بغيليزان، اللذين يندرجان في إطار مسار الشراكة الجزائرية الأجنبية القائمة على الإنتاج مع متعامل فرنسي للأول وآخر تركي للثاني. وينتظر أن يتم تنشيط مسار التشغيل بالمفهوم الجديد على محورين، الأول يتعلق بالوظيفة العمومية التي بدأت تنفتح على المحيط الاجتماعي والثاني يتعلق بالميدان الاقتصادي. أما بالنسبة للوظيفة العمومية فينتظر أن تستوعب مختلف الإدارات والهيئات نسبة معتبرة من طالبي الشغل في ضوء النتائج التي يرتقب أن تتوصّل إليها الدائرة الوزارية المعنية في تصفية ملف مناصب العمل الشاغرة التي تقدّر بأكثر من 150 ألف منصب، كفيلة بأن تستوعب نسبة معتبرة من البطالين أو من ذوي مناصب العمل المؤقتة والهشّة. واستنادا لما صرح به وزير المالية كريم جودي سابقا، فإنّ هذه المناصب ستفتح أمام توظيف جديد وأمام من هم يتطلّعون لترقيات مستحقّة. ومن أجل أن تحقّق النتائج المرجوّة، يرتقب أن ترافقها آليات من شأنها أن تضمن حدّا أدنى من الشفافية على الأقل، وذلك باعتماد معايير تضيّق الخناق على أي تلاعب محتمل وممارسات تلحق ضررا بالعملية في بعدها الاجتماعي المرتبط بدقة بالاستقرار. وفيما يتعلق بالقطاع الاقتصادي الواسع المشكّل من منظومة مؤسسات استثمارية واقتصادية يشكّلها القطاع العام والخاص على نفس الدرجة من الاعتبار والأهمية، فإنه يملك القدرات للاستجابة للطلب على العمل وتجسيد برنامج التشغيل، خاصة وأنّ المؤسسة الاقتصادية بغضّ النظر عن طابعها القانوني تستفيد حاليا وفي المنظور المستقبلي من امتيازات وتحفيزات تنافسية تدخل في إطار تشجيع الاستثمار خاصة في المناطق الداخلية على مستوى الهضاب العليا والجنوب الكبير، حيث توفر الدولة كافة التسهيلات وإجراءات المرافقة خصوصا للبرامج الاستثمارية التي تتعلق بالفلاحة والسياحة واستغلال المناجم، ونشر التكنولوجيا الجديدة والطاقات المتجدّدة. وإلى جانب هذا، تواصل الآليات العمومية للتشغيل تقدّمها وكالة دعم تشغيل الشباب وصندوق التأمين على البطالة التكفل بجانب معتبر من الطلب في عالم الشغل بالاستجابة لحاملي الإرادة في تجسيد مشاريع مقاولاتية صغيرة، تتطابق مع فرص عمل تطرحها السوق خاصة بالنسبة لحرف ومهن تقوم على التحكم في التكنولوجيا والمعارف العلمية، وبالفعل يجد الشباب من حملة الشهادات الجامعية السبل مفتوحة أمامهم لتحقيق ما يراودهم من تطلعات مشروعة تتجاوز إطار الحصول على فرصة القيام بعمل إلى مستوى المشاركة في التنمية المحلية بذهنية جوارية. وقد كشف المعرض الوطني الأخير للتشغيل الذي نظّم الأسبوع الأخير بالعاصمة إقبالا كثيفا من المشاركين ومن المهتمين، حيث اطلعوا على تجارب ناجحة تحفّزها الذهنية الاستثمارية لحامل المشروع من جهة والإرادة الجديدة لمكافحة البيروقراطية في عالم التشغيل من جهة أخرى كما هو الشأن لوكالة ‘'أنساج''، التي تتكفل وكالاتها بدراسة ملفات الشباب في أجل 3 أشهر بدل 8 أشهر كما هو الأمر حاليا، وذلك باعتماد إجراء عملي في التكفل بطلب الشاب انطلاقا من تسجيل أولي عبر الشبكة العنكبوتية ‘'أنترنيت''، يحصل جرّاءه المعني على رقم وبطاقة يمكّنانه من متابعة ملفه الذي أصبح يتشكّل من استمارة واحدة، ويتم إتمامه بمجرد الحصول على الموافقة. لكن خلف كل هذا يوجد التكوين المهني الذي بدأ يشقّ طريقه إلى عالم الشغل بالتخلص من ثوبه الكلاسيكي، فلم يعد ممكنا أن يعيش هذا القطاع على هامش الديناميكية الاقتصادية، ومن ثمة من المفيد أن يندمج كلية في السياسة الوطنية للتشغيل من خلال إعادة تصويب البرامج في ضوء دراسة عناصر سوق العمل والجدوى الاقتصادية والارتباط الوثيق بعناصر الدورة الاقتصادية أولها المؤسسة. وأبدى وزير القطاع نور الدين بدوي تصميما على تحويل قطاعه إلى قاطرة لا تقل أهمية عن التمويل في جرّ عجلة التشغيل من خلال اعتماد برامج لمهن وحرف يجري الطلب عليها في السوق، خاصة لدى قطاعات كالبناء الحديث والطاقة المتجددة والسياحة الجوارية والفلاحة والصيانة الصناعية والتكنولوجيا الجديدة وغيرها. ويرتقب أن يتم تكوين حوالي 70 ألف متربص إلى نهاية السنة الجارية. وضمن هذا التوجه الواقعي والذي يتطلب تنمية روح خلاقة في قطاع التكوين بتجاوز أساليب تجاوزها الزمن، يبدو أنه من المفيد توسيع ميدان هذا القطاع ليستوعب كافة الشباب الذي يتقدم لإنجاز مشروع لمرافقته سواء بتكوين قاعدي أو برسكلة من أجل امتلاك مستوى الإتقان، وبالتالي الوقوف في وجه تحديات السوق بامتلاك مناعة اقتصادية من حيث تقنيات تسيير المشروع أو دراسة السوق والتحكم في معايير التسويق والترويج، تحسّبا للمنافسة التي تفرضها تحديات اقتصاد السوق والانفتاح على الأسواق الخارجية.