الدراسة التي أنجزتها الباحثة بمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي السيدة الكاينة حماش كان هدفها تسليط الضوء حول الاستراتيجية التي تبنتها المرأة المقاولة في تسيير مشروعها أو تلك السياسة التي ينبغي اعتمادها من أجل بلوغ الهدف الذي من أجله أنشأت مؤسستها مسجلة كافة العراقيل التي لا تزال تعيق الكثير من النساء المقاولات بسبب الضغوطات الاجتماعية والقيود التي تحد من حريتها في الاستثمار في القطاعات والمجالات المختارة. عملية مسح شاملة وكاملة أنجزتها الباحثة حماش حول كل العوامل المؤثرة في عمل المقاولة النسائية بمختلف مراحله وحصر دقيق لواقعها ولتلك النظرة التي لا تزال تحاصر المرأة وما تنجزه في إطار مشاريعها الاستثمارية بدءا بالمحيط الضيق إلى المجتمع ومن ثم إلى أصحاب القرار ومدى إدراكهم بضرورة إدماج المرأة في مجهود التنمية وما يمكن أن تساهم به في رفع مستوى النمو الاقتصادي خاصة وأنها تمثل أكثر من نصف المجتمع. الشعب: هل يمكن أن تحدثينا عن الدراسة التي أنجزتها حول المرأة المقاولة في الجزائر وما هي محاورها الأساسية؟ الباحثة الكاينة حماش: الإشكالية التي بنيت عليها هذه الدراسة هي أن العمل المقاولاتي يستند إلى مجموعة من الخصائص أبرزها الحاجة إلى الاستقلالية وتحقيق الذات والرغبة في العمل دون أن تكون التبعية لأية جهة والقدرة على تحمل المخاطر واقتناص الفرص والإبداع أي حد أدنى من الحرية . لكن في الجزائر الكثير من الضغوطات الاجتماعية تواجه المرأة وتقف حائلا دون الحصول على حريتها. والسؤال الجوهري الذي يطرح في هذه الحالة ما هي الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها حتى تتحرر من هذه القيود ثم ما هي الاستراتيجيات الأخرى التي ينبغي اعتمادها في مختلف مراحل العمل المقاولاتي مثل استغلال الفرص وتنظيم وتجنيد الموارد وخلق القيمة وجودة وتحديث المؤسسة. موضوع الدراسة بصدد الإعداد ستمكننا من معرفة وبطريقة معمقة واقع المرأة المقاولة في الجزائر وطريقة تعاملها مع كل الصعوبات التي تواجهها والتي قد تعرقل تطور مشاريعها. ^^ تمثل المرأة في الجزائر 51 ٪ من حجم السكان ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه في التنمية الاقتصادية للبلاد؟ يفترض أن عمل المرأة يتماشى والنمو الاقتصادي، لأنها تساهم في ارتفاع الناتج الداخلي الخام بالإضافة إلى كل ما تقوم به من أعباء منزلية وتربية الأطفال. في هذا الصدد تعتبر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن كل تقليص ب 50 ٪ في الفوارق بين الرجال والنساء من حيث معدل النشاط سيؤدي إلى ارتفاع في معدل نمو الناتج الخام ب 3 ٪. وفيما يبدو فإن في الجزائر فقط عمل النساء لا يثمن على المستوى الاقتصادي بل ينظر إليه على أنه اجتماعي فحسب، المرأة العاملة تتضامن كثيرا مع محيطها في العمل أو مع أفراد أسرتها التي تواجه مشاكل مادية ونفس الشيء بالنسبة للمرأة المقاولة المتهمة بنقص المساهمة في النمو والاستثمار هذه الأخيرة تتبنى منطق المقاولة الاجتماعية من خلال توظيف أفراد أسرتها أو من جيرانها من أجل المشاركة في امتصاص البطالة والبؤس الموجود في محيطها. ^^ ما هي أبرز السياسات العمومية الموجهة لترقية عمل المرأة وهل قدمت الإضافة لها؟ الدستور في الجزائر ينص صراحة على عدم التمييز بين المرأة والرجل بدء بالتمدرس الإجباري في سن السادسة بالنسبة للبنات والذكور إلى كل المؤسسات الأخرى لضمان المساواة بين المواطنين والمواطنات من خلال إزالة العراقيل التي تحول دون مشاركة الجميع في الحياة الاقتصادية، فضلا على الحق في العمل سواء للرجال أو النساء. ومن حيث الحماية الاجتماعية فإن المرأة العاملة لها نفس الحقوق والواجبات كالرجل العامل ولكن مع بعض الامتيازات الإضافية مقارنة بزميلها، كأن تطلب التقاعد في سن أقل من الرجل المؤمن اجتماعيا، بالإضافة إلى الحق الممنوح لها في عطلة الأمومة المقدرة ب 14 أسبوعا مع المحافظة على الأجر المؤمن من نظام الحماية الاجتماعية بنسبة 100٪ . تبين الإحصائيات أن معدل التمدرس في الجزائر يتجاوز 98 في المائة وأن الهوة بين الجنسين لا تتعدى 1 ٪ لفائدة الذكور. وحسب نفس الأرقام فإنه منذ سنوات عديدة نسبة نجاح البنات في الامتحانات الرسمية أعلى بكثير من الذكور. في الانتقال إلى مستوى التعليم الثانوي على سبيل المثال فإن النسبة تعطي الأولوية للبنات ب 138 لكل 100 من الذكور ونفس الاتجاه في الحصول على شهادة الباكالوريا وفي التواجد في معظم الفروع في التعليم العالي ما عدا في التكنولوجيا وفي علوم البيطرة والأرض وتمثل الجامعيات في قسم اللغات والعلوم الاجتماعية والقانونية والطبيعة الثلثين. ^^ كيف تقيمين النشاط الحر للمرأة الجزائرية وخاصة المقاولة؟ عدد النساء المقاولات المصرح به لا يتعدى 6 ٪، هذا الرقم ضئيل للغاية ويفسر ذلك بغياب الطلب الاجتماعي في البداية على هذا النوع من النشاط والواقع أن هذه النسبة الضئيلة ليست محصلة للتطور الطبيعي للمجتمع، وإنما تم اعتماد هذا النشاط كحل لأزمة البطالة التي تفاقمت في سنوات ال 90، ولا ينظر إليه على أنه نشاط شرعي فهو أقل اعترافا وتثمينا. ^^ هل تتوفرين على إحصائيات حديثة حول مختلف الآليات المعتمدة لترقية عمل المرأة والتقليص من البطالة التي تعد مرتفعة مقارنة بالرجل؟ حسب الأرقام الأخيرة للديوان الوطني للإحصائيات يقدر عدد السكان الناشطين 10788000 شخص وبمعدل 28 ٪ من إجمالي السكان ويمثل عدد النساء ما يناهز 1904000 امرأة أي ما تعادل نسبته 17,6 ٪ بينما تقدر نسبة بطالة النساء 16,3 ٪ مقابل 8,3 ٪ لدى الرجال. عدة آليات تم وضعها لمواجهة بطالة الرجال والنساء على حد سواء فعلى مستوى الوكالة الوطنية للتشغيل 30,6 ٪ من النساء الطالبات للعمل تم إدماجهن مهنيا وهو معدل ضئيل جدا مقارنة بالعدد الهزيل للطلبات التي لم تبلغ سوى 310017 فقط. النساء الناشطات هن بالأساس من واصلن دراستهن، فكلما ارتفع المستوى التعليمي كلما زاد تواجد المرأة في سوق العمل أما عن معدل النشاط فإن أقل من 6 ٪ نساء بدون تأهيل علمي وتتجاوز النسبة 68 ٪ عندما يتعلق الأمر بالحائزات على شهادات التعليم العالي. تبين الأرقام المتوفرة أن 7,21 ٪ يمثل معدل المؤسسات التي تسيرها نساء في الوكالة الوطنية للتأمين على البطالة، بينما تقدر النسبة ب 10,35 ٪ على مستوى الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب و 56,07 ٪ من المؤسسات المسيرة من طرف المرأة على مستوى الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر. يستنتج من هذه الأرقام أن مختلف أجهزة دعم التشغيل لم تساهم في الحد من ظاهرة بطالة النساء وتشجيع التشغيل الذاتي وإنشاء المؤسسة، والنتيجة أن المعدل الأكبر في إنشاء المؤسسة من طرف المرأة يتم في إطار آخر خارج أطر آليات الدعم أو في الإطار الموازي، وتحويل جزء من النساء الطالبات للشغل إلى القطاع الموازي. ^^ ماذا عن التواجد الهزيل للمرأة في هيئات اتخاذ القرار وما هي العراقيل التي تحول دون تموقعها فيها؟ بينت الدراسة التي أنجزها مركز الإعلام حول حقوق المرأة والطفل " سيديف " أن عدد النساء تباين من مجلس انتخابي إلى آخر منذ سنة 1977 إلى يومنا هذا وأنه بفضل التعديل الذي أدخل على المادة 31 مكرر في الدستور حول توسيع مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة التشريعية والمحلية ارتفعت نسبة التمثيل النسائي في المجلس الشعبي الوطني إلى 31,38٪، في حين أنه ومع الأسف لم ينعكس هذا على مستوى مراكز القرار الذي يبقى تمثيل المرأة فيه محدودا إذ اقتصر على أربع وزيرات ، اثنتان فقط في القطاع الاقتصادي على غرار قطاع تكنولوجيات الاتصال وقطاع البيئة والدور الذي يمكن للمرأة أن تلعبه في الاقتصاد الأخضر. انعكاسات غياب المرأة في عملية اتخاذ القرارات تكون لها آثار سلبية على عدة مستويات، الشخصية والعائلية و حتى الوطنية نظرا لأن القوى الحية في البلاد مكونة من الرجال والنساء على حد سواء وأن أي اقصاء أو تهميش للمرأة أو لهذه القوة الحية يمثل وجها من أوجه التخلف. ولهذا فإن تواجدا أكبرا للمرأة في الحكومة يعني المزيد من الانفاق المالي في قطاعات حساسة كالصحة والتربية ومحاربة الفقر وكل أشكال العنف الممارس في المجتمع. ^^ السؤال الأخير يؤدي بنا إلى طرح ما بات يعرف بالمساواة بين الجنسين ماذا يمكن القول في هذا الصدد؟ صنفت الجزائر في المرتبة 124 من بين 136 دولة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين حسب التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي "ويف"، هذه المساواة تم تقييمها انطلاقا من أربعة مجالات: التمكين من الدراسة والصحة والتمثيل في الهيئات السياسية إلى جانب الوضعية الاقتصادية وإذا أدخلنا عوامل أخرى فإن الترتيب سيتراجع أكثرا لهذا أعتقد أن عملا كبيرا ينبغي القيام به في هذا المجال. ^^ هل تعتقدين أن المرأة العاملة والمقاولة والناشطة عموما لها من السند والدعم الكافيين من محيطها المباشر ومن المجتمع ككل ما يمكنها من التطور وتحقيق آمالها في التميز خدمة لها ولبلدها؟ من الواضح أن سلوك الأولياء حول عدم التمييز تجاه بناتهم يعد المحدد الأساسي في الحياة العملية للمرأة، العاملات أو النساء المقاولات اللائي تفوقن في مسارهن المهني وجدن الدعم من آبائهن بالدرجة الأولى والمساندة في الدراسة وفي إنجاز مشاريعهن والنجاح في الحياة المهنية، حتى ولو كان أزواجهن وعائلاتهم من المحافظين فإنهن يواصلن على نفس المنوال وبالطبع فإن العكس صحيح حيث أن المرأة التي تواجه ظروفا صعبة في محيطها العائلي فإنها تبقى كذلك طوال حياتها ولو كان حظها مع زوج متفتح. ^^ هل من كلمة ختامية في العيد العالمي للمرأة؟ كان الثامن من مارس ولا يزال يمثل لحظة قوية وحاسمة في نضال المرأة عبر عقود من الزمن ويعد المناسبة المفضلة لدى النساء عموما لإحياءه كونها امرأة وعاملة ويعد أيضا مناسبة هامة لتقييم حصيلة ما تم إنجازه والتفكير سوية فيما ينبغى عمله مستقبلا ومن المهم كذلك أن تتم عملية تبادل للخبرات والتجارب مع نساء في دول أخرى من أجل التضامن والتجنيد حول مختلف القضايا التي تهم المرأة وكل ما يرتبط بتطورها في الاتجاه الذي يسمح لها باحتلال مراكز قيادية في المجتمع انطلاقا من الكفاءة والقدرة على التسيير.