أعطى رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، في مشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري، أهمية قصوى لمناقشة مختلف القضايا والمواضيع التي من شأنها أن تساهم في بناء دول الحق والقانون وتعزيز أسس الديمقراطية دون المساس بالثوابت الوطنية والقيم والمبادئ التي تؤسس المجتمع الجزائري، وتجسد تاريخه الطويل وحضارته العريقة ورؤيته المستقبلية المتشبّعة بالقيم والمبادئ. ويندرج مشروع التعديل الدستوري، بحسب ما تضمّنه العرض العام، الذي نشر في الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية، في إطار مواصلة مسار الإصلاحات السياسية، من خلال تحقيق بعض الأهداف الهامة، من بينها ملاءمة القانون الأسمى للبلاد مع المتطلبات الدستورية التي أفرزها التطور السريع للمجتمع، نظرا للدور الهام الذي يلعبه هذا التعديل في تعميق الديمقراطية التعددية وحماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وكذا الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء. وتضمّن هذا التعديل، القائم على التشاور مع القوى السياسية وأهم ممثلي المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، نقاطا هامة تتعلق بمبدإ التداول الديمقراطي على الحكم من خلال إقرارها في ديباجة الدستور، وترجمته في صلب النص بتحديد العهدات الرئاسية - المادة 74، بالإضافة إلى دعم حماية الاقتصاد الوطني ومحاربة الرشوة بمختلف أنواعها من أجل محاربة هذه الآفة الخطيرة بفعالية وبطريقة نهائية. وفيما يخص العمل الإداري، تناول التعديل الجديد أهمية دعم ضمانات احترام عدم تحيّز الإدارة، وإقرار معاقبة القانون لكل إخلال بهذا المبدإ الدستوري، بالإضافة إلى العمل على توسيع وإثراء الفضاء الدستوري للمواطن من خلال تكريس حريات عامة جديدة، وتعزيز حقوق مكفولة دستوريا. علما أن هذه التعديلات كفيلة بدعم مكانة المجلس الدستوري ودوره في مسار بناء دولة القانون وتعميق الديمقراطية التعددية. وتشمل الحقوق والواجبات التي تضمنها الدستور المقترح، إقرار العمل على تحقيق المناصفة بين الرجل والمرأة، وإقرار حرية ممارسة الشعائر الدينية في إطار القانون، وحرية الصحافة ضمن احترام حقوق وحريات الغير ومنع ممارسة أي رقابة مسبقة عليها، بالإضافة إلى الحق في التظاهر والتجمع بطريقة سلمية. ومن بين الحقوق التي من الممكن أن تجسد في إطار التعديل الدستوري، الحق في محاكمة عادلة، ومنع الحجز أو الحبس في أماكن غير مقررة قانونا، وإلزامية إبلاغ الشخص الموقوف للنظر بحقه في الاتصال بعائلته، وإلزامية إخضاع القاصر الموقوف للنظر للفحص الطبي، وحماية بعض الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا، وواجب المواطن في حماية وحدة الشعب الجزائري وواجب المواطنين في الامتثال لمبدإ المساواة أمام الضريبة. وبالنسبة للمحور المتعلق بتنظيم السلطات، تهدف التعديلات المقترحة في هذا الشأن إلى إضفاء المزيد من الانسجام والوضوح، ضمن احترام مبدإ الفصل بين السلطات، على النظام السياسي في البلاد، وذلك من خلال إعادة ترتيب العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وبين مكوناتهما، ودعم صلاحياتهما من أجل تحقيق توازن أفضل بينهما، وفعالية أكبر في أعمال كل واحدة منهما، ومن خلال توسيع تمثيل السلطة القضائية في المجلس الدستوري ودعم استقلالية القاضي. وتهدف مراجعة الدستور، إلى تعزيز المركز القانوني لرئيس الجمهورية بصفته حامي الدستور، من خلال إقرار شروط جديدة للترشح لرئاسة الجمهورية مراعاة لأهمية الوظيفة الرئاسية وطابعها الجد حساس، بالإضافة إلى تحقيق أهداف سامية كالفصل بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، ودعم دور البرلمان في اتجاه تحقيق توازن أكبر بين غرفتيه، ومضاعفة صلاحياته، ودعم صلاحية المجلس الشعبي الوطني بتخصيص جلسة في كل دورة تشريعية، لرقابة عمل الحكومة بحضور الوزير الأول وجوباً، ومنح كلتا غرفتي البرلمان إمكانية إنشاء لجان إعلامية مؤقتة عبر كامل التراب الوطني، سعيا لتسهيل عمل البرلمانيين ميدانيا. ويمنح التعديل المقترح الأقلية البرلمانية حقوقا، لاسيما ما تعلق بحق إخطار المجلس الدستوري حول مدى مطابقة نصوص قانونية للدستور؛ بمعنى منازعة القوانين التي صادقت عليها الأغلبية البرلمانية والمراسيم الرئاسية وكذلك حق اقتراح جدول أعمال يعرض على المجلس الشعبي الوطني للنقاش وهو ما سيمكن المعارضة السياسية الاستفادة من مركز دستوري كفيل بإعطاء دفع للحياة السياسية. كما نال الشعب الجزائري حصة كبيرة في هذا التعديل الدستوري المقترح لإبراز دوره التاريخي في إقامة دولة عصرية ذات سيادة من جهة، ولترسيخ قيم السلم والمصالحة الوطنية لتكون وتبقى دوما معالم ثابتة لأجيال المستقبل ولتشكل سبلا ووسائل مفضلة لحل كل نزاع محتمل قد يواجهه المجتمع عبر تاريخه. وسيفضي هذا التشاور إلى إعداد نص توافقي سيخضع، بالنظر إلى محتواه، إلى إجراء التعديل الدستوري المناسب الذي يخدم الصالح العام.