تتنامى الحركية السياحية بمدينة الورود البليدة، بعد أن أصبحت، في السنوات القليلة الماضية، قبلة للعديد من الزوار والسياح وعشاق التمتع بالطبيعة العذراء، الذين تستهويهم زيارة حظيرة الشريعة السياحية وحمام ملوان والنحاوة بعين الرمانة ومنبع القردة في الشفة وقرية السعادة في الصومعة. ويأتي استقطاب الولاية للسياح بعد استتباب الأمن، ببحيرة الضاية بعين الرمانة، الفاصلة في جغرافيتها مع مرتفعات تمزقيدة بالمدية، كقلعة سياحية طبيعية أصبحت فعلا قبلة لمئات الفضوليين وعشاق الطبيعة، وفي ظل هذا الزخم الرائع نادت جمعيات ومهتمون بهذه الطبيعة الساحرة إلى المزيد من الاهتمام والاستثمار لتشجيع الفعل السياحي بالولاية. بحيرة الضاية... الجوهرة المفقودة في عقد كنوز المتيجة الطبيعية تحولت بحيرة الضاية بأعالي مرتفعات تمزقيدة الجبلية بدائرة موزاية، إلى الغرب من عاصمة الولاية البليدة، في العقد الأول من القرن الجديد، إلى قبلة حقيقية للمغامرين والمغرمين بالطبيعة العذراء، والجميل أن البحيرة، بحسب المهتمين، مصنّفة ضمن أعلى البحيرات الداخلية بالعالم. ومع الأيام وبعد عودة الطمأنينة إلى المناطق غير الآمنة في العشرية السوداء بالخصوص والمنتشرة عبر مثلث النار، كسبت البحيرة قلوب الكثير من السياح وباتت تستقطب العائلات أيضا، وأطفال المدارس والكشافة، وتردد اسمها على الألسن وتعرّف عليها الجميع عبر صفحات وشبكات التواصل الاجتماعي. وتحولت إلى منطقة يخيّم بها المغامرون، ويمشي إليها الرياضيون، يتمتعون بها من جهة ويتنفسون هواء نقيّا خاليا من سموم الدخان المرتفع من المركبات، وهروبا أيضا من ضجيج المدينة وتعب العمل وسط مساحات مغلقة كل يوم. لكن وبالرغم من التوافد المسجل على المنطقة أو البحيرة، ماتزال ظروف استقبال المصطافين والسهر على راحتهم بعيدة عن قيمة الجوهرة التي تم العثور عليها، فقاصدوها من أفراد وعائلات يتعبون في البحث عن حمامات ومرافق إطعام متنقلة. والأمر يتشابه مع وضعية الطريق غير المهيأ بشكل لائق بالمنطقة، خاصة خلال سقوط الثلوج، أين يبقى السياح والزوار محاصرين وعاجزين عن الوصول إلى تلك الجنة، وهو ما يحرم المئات منهم من التمتع بتلك البحيرة التي تكتسي برنوساً أبيضَ ساحراً. حمام ملوان... وأسطورة "ابنة الداي" التي شُفيت من مائه السحري تروي عجائز أقمن بأعالي يمّا حليمة والسباغنية والقليعة في حمام ملوان، أن الداي حسين أصاب ابنته مرض في جلدها، فبكت وأبكت الحاكم، وأصبح حزينا تبكيه ابنته السقيمة، وفي يوم من الأيام هتف في سمعه وزيره المستشار ونصحه بأن يأخذ ابنته إلى منطقة حمام ملوان، لأن بها ماءً يشفي من أمراض الجلد، وليس لديه ما يخسره أو يتعبه، تحرّك الموكب وسار بابنة الحاكم في حزن، لكنه كان ممزوجا بأمل الشفاء. وما حطّ الموكب الملكي رحاله بالمنطقة، حتى باشر الأطباء طقوس الدواء ودخلت الأميرة الباكية منبعا به ماء فاتر الحرارة واستحمّت، وما هي إلا مرات تكررت حتى عادت نضارتها وحسنها وبريق جمالها من تحت حجاب، غطت به سرّ مرضها الطويل، وفرح الداي وأكرم الموكب وسكان المنطقة وزاد. وأصبحت المنطقة منذ ذلك العهد قبلة للمرضى وطالبي الشفاء حتى من العقم وعدم الإنجاب، بل وحتى طلبا للظفر بعريس وفارس أحلام الصبايا، وبات حمام ملوان والأحياء القريبة منه، مثل حي المقطع الأزرق ويما حليمة، التي تسجل تدفق السياح أسبوعيا وتزداد الرحلات نحوها خلال موسم الحرارة، أين تتوافد الآلاف من العائلات وتصطفّ على ضفتي وادٍ مايزال الصفاء والنقاوة ميزتاه. ولكن المتعة تبقى نسبية والقدرات السياحية والمرافق الموجودة نادرة وأحيانا منعدمة، لتدفع بالكثير من السياح إلى النفور في بعض الأوقات، للعجز المسجل على مستواها، بالرغم من تاريخ المنطقة والمميزات التي تجعل من المنطقة، في حال استثمار أوفر، مقصدا سياحيا دون منازع بالمتيجة. قرية السعادة... متنفس للعائلات البليدية وإلى الشرق من عاصمة الولاية، اختارت "الشعب" مزارا أصبح يعرف بغابة قرية السعادة، بضواحي مدينة الصومعة التاريخية، وهو المكان الذي يدهش زائره ويسلب عقله، لما يتمتع به من هدوء تنتشي له الروح وهواء نقي تزيده متعة جولة وسط أشجار الخروب. تحولت المنطقة الهادئة، القابعة على مقربة من الطريق العام، إلى محج حقيقي للعائلات القادمة من كل زوايا الولاية، يجلبون معهم أغراضهم ومأكلهم ومشربهم، يفترشون تحت ظل الأشجار ليغيروا من جو وروتين العمل وضجيج المدينة. وغير بعيد عنهم اختار بعض عشاق الرياضة مسارات للجري في مواكب، فيما فضل أطفال رافقوا أهاليهم التسابق بالدراجات، متحررين من ضغط الدراسة وضيق أحيائهم وانعدام مساحات اللعب المهيأة. لكن ووسط كل هذه النشاطات العفوية التي أوجدها الزوار، تجد انعداما ملحوظا لوسائل الترفيه والراحة، خاصة فيما تعلق بالمراحيض، وزاد في تعاسة المكان أن بعض الزوار لا يجدون حرجا في رمي الأوساخ وسط تلك الطبيعة المسالمة. الشريعة... الطبيعة الساحرة يستحيل أن يزور الوافد إلى البليدة عاصمة المتيجيين، ولا يعرج على إحدى شوامخ المنطقة، وهي حظيرة الشريعة الطبيعية والمحمية بموجب تصنيف عالمي؛ حلقة سياحية طبيعية هامة بالمنطقة، بل في شمال إفريقيا والوطن العربي بالكامل. والحقيقة المتعارف عليها، أن الكثير من السياح الذين قدموا من بلدان عربية شبهوها، بل فضلوها على مرتفعات وشوامخ رمز لبنان، فعلا هي حظيرة تأسر العاشق الولهان وتسحره كلما توغل داخلها، طبيعة عذراء بامتياز، زادت في زينتها وجمالها كسوتها بغطاء أبيض طبيعي من ثلج بارد ناصع البياض كلما حل فصل الشتاء، أذهلت المغرمين بحب الثلج، واستهوتهم بسحرها الأخّاذ وأجبرتهم على مقصدها طوعا وكرها. إلا أن الانتشار غير المسبوق لقوالب الإسمنت بمحيطها أصبح يقلق الجميع،، فضلا عن تسجيل نقص ملحوظ في مرافق الراحة والاستجمام، بل إن الأمر أصبح يتعدى ويتحدى إرادة التصنيف الذي حظيت به المنطقة، بتسجيل نقص واضح في الهياكل الفندقية التي تستقبل آلاف الزوار على مدار أيام السنة، وبالخصوص مع حلول رأس السنة الميلادية وأيام تساقط الثلوج وخلال فصل الصيف، ناهيك عن النقص المسجل أيضا في محلات الإطعام والترفيه والتسلية وصالونات الشاي. منبع القردة في الشفة... قلعة سياحية تنتظر اهتماما أكبر غالبا ما تجد العائلات في البليدة والولايات المجاورة، على غرار الجزائر العاصمة، نفسها أسيرة سحر منطقة منبع القردة، وهي الحلقة السياحية الثانية التي تمتاز بها البليدة. وأصبحت فعلا قبلة للزوار من داخل الوطن وخارجه، وما زاد في جمال المنطقة غناها بثروة حيوانية طبيعة تمثلت في قردة شمال إفريقيا، التي أصبحت مثل البهلوان تبهر الزوار بمشاكساتها وتزيد في استقطاب الناس للمنطقة، التي يشقها طريق متعرج تتخلله أنفاق منحوتة في صخر الجبل، يزيدها سحرا تدفق شلالات المياه الرائعة التي أخذت لها طريقا وسط الصخور الصلبة، تتدفق من مرتفعات وأحيانا من منخفضات مغذية وادي الشفة.