تطرّق عبد المجيد عطار إلى واقع الكفاءة والترشيد الطاقوي، كما أكد على ضرورة إعادة النظر في مسألة دعم أسعار بعض أنواع الوقود، وأشار إلى وجود نصوص قانونية تشجع على اعتماد الطاقات المتجدّدة، ولكنها تبقى تنتظر التطبيق.. كما أكد على إشراك المواطن والمجتمع المدني في هذه الخيارات الاستراتيجية. وعبّر عطار بكل صراحة عن واقع ترشيد الاستهلاك بالقول: "في الوقت الحالي، لا توجد كفاءة طاقوية، سواءً فيما يتعلق بكميات الطاقة المستهلكة، أو فيما يخص المعدات التي تستهلك هذه الطاقة". وأكد بأن الكثير من المعدات والآلات المستهلكة للطاقة تبقى غير مطابقة للمعايير، مثل المكيفات الكهربائية ومشاريع قطاع البناء والسكن، بمعنى إنشاء سكنات مقتصدة طاقويا، كما تساءل عن سبب وجود هذا العدد الكبير من السيارات التي تستعمل المازوت، الذي نستورده من الخارج، على الرغم من أن الجزائر دولة نفطية. واستشهد محدثنا بأرقام عرضها السيد ربّاح خلال ملتقى حول الموضوع انتظم منذ أسبوع بفندق الهلتون، أظهرت بأن نسبة استهلاك السيارات لوقود "سيرغاز" منذ 2010 إلى اليوم تراجعت من 4 بالمائة إلى 2 بالمائة، أي بما يعادل النصف، ولكن العكس هو ما يجب أن يكون، لأن ذلك كان سيسمح: أولا باقتصاد الوقود (البنزين والمازوت)، وثانيا بمساهمة أكبر في حماية البيئة، لأن البنزين والمازوت هما مصدرات لغازات الاحتباس الحراري، على عكس السيرغاز، وهو الوقود الذي تنتجه الجزائر بكثرة، فنحن من أهم المصدرين لهذا النوع في العالم، والمصدّر الأول على مستوى حوض المتوسط، حيث ننتج أكثر من 10 مليون طن سنويا، وهو رقم كبير. وفي الوقت الذي تنتسب الجزائر إلى كثير من البرامج الدولية والإقليمية في مجال الطاقة، فإن هذا القطاع يبقى متعثرا، ويعزو عطار ذلك إلى عوامل هي: أولا مسألة المعايير الطاقوية غير المحترمة أو غير الموجودة أصلا، وثانيا غياب الميكانزمات التنظيمية التي تشجع على تخفيض استهلاك الطاقة، أما العامل الثالث حسبه فهو دعم الأسعار، فمادام سعر الكهرباء أقل مرتين أو ثلاث مرات من تكلفة الإنتاج، ومادام المازوت يباع ب13 دينار للتر، في حين أنه يكلف مرتين أو ثلاث مرات أكثر، وحينما نستورده فإنه يكلف 5 أضعاف السعر الحالي، وما يحدث هو أننا نستخرج البترول، ونصدّره لإيطاليا التي تصفيه وتبيعنا المازوت بسعر دولار واحد للتر، لنبيعه نحن بسعره المدعّم. لذا يعتبر عطار بأن سياسة الأسعار هذه التي نطبقها على المواد الطاقوية هي العدوّ الأول لكفاءة الطاقة وحتى الطاقات المتجددة، لذلك فإن الانتقال الطاقوي لا يعني فقط اللجوء إلى طاقات أخرى،ويؤكد عطار على أن قوله بعدم وجود كفاءة طاقوية لا يعني أبدا بأن الدولة لا تريد تطبيق هذه الكفاءة، ولكن الاحتياجات الاجتماعية تلقي بظلالها، وقد كشف وزير القطاع عن مخطط يقضي باقتصاد ما أقله 10 بالمائة من الاستهلاك الطاقوي العام، وذلك على مراحل إلى غاية 2030، ومن هذه المراحل ما تضمنه قانون المالية 2015 التي تجبر مستوردي السيارات على تجهيز 10 بالمائة من المركبات المستوردة على الأقل بسيرغاز، خاصة وأن التجهيز بهذا الوقود قد تراجع لأسباب منها الرؤية العامة التي ينظر بها مقتنو السيارات لهذا النوع من الوقود، والذين لا يفهمون الرهانات الحقيقية المتعلقة بهذا الخيار، لذا فإن الإجبار عن طريق القانون، والترغيب عن طريق الأسعار، هما الحلّ لدفع المستهلك إلى اختيار سيرغاز. كما يوجد حديث عن وضع معايير لكل المعدات المستوردة، وذلك تفاديا لاستيراد، أو صنع، معدّات وآلات كبيرة الاستهلاك للطاقة، وهو ما يمثل فوضى في الاستيراد، فهناك ماركات ممنوعة في أوروبا مثلا، ولكنها ما تزال تستورد للاستهلاك المحلي عندنا. نفس الشيء فيما يتعلق بقطاع السكن والعمران، حيث أننا نعمد إلى تشييد بنايات وسكنات دون اعتماد المواد الجديدة العازلة والمقتصدة للطاقة، ومنها مواد سبق وأن اعتمد عليها أسلافنا في الجنوب، ولكننا تخلينا عنها. وأقرّ عطار بصعوبة المهمة فيما يخص كفاءة الطاقة في قطاع البناء، بسبب الطلب الكبير الذي يعرفه، "وإذا اعتمدنا على تعمير سكنات مقتصدة للطاقة فقط، لما استطعنا سدّ الاحتياجات بالسرعة المطلوبة"، يقول محدثنا. ولا ينسى المدير العام السابق لسوناطراك الإشارة إلى عقبة أخرى غاية في الأهمية تعيق المضي قدما في مجال الكفاءة الطاقوية، وهي نقص الاستثمار الكافي والتطلع إلى أرباح فورية، فالربح في هذه الحالات يأتي مع التقدم في الزمن، وفي المقابل يغلب اللجوء في أحيان كثيرة إلى حل المشاكل الآنية بدل التفكير في الحلول التي تؤتي أكلها على المدى البعيد. وهذه الطريقة في معالجة الأمور هي نفسها ما يعيق استخدام الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الشمسية، لأن الاعتماد على هذه الطاقات مكلف في البداية لغلاء التجهيزات والمعدات، وفي المقابل تبقى الكهرباء أقل كلفة بكثير، ما يدفع الناس إلى اختيار الحلّ الأسهل والأقل تكلفة مؤقتا. ويشير عطار إلى وجود حوالي 20 نص قانون تشجع على استعمال الطاقات المتجددة، بل وتجبر الدولة على دعم لوحات الطاقة الشمسية ماديا، وتجبر سونلغاز على شراء الفائض من إنتاج الفرد في الكهرباء إذا ما اعتمد على هذه الطاقة المتجددة، وهو ما يجهله كثيرون ولا يلقى التطبيق في الميدان.