تشكّل ظاهرة فوضى العمران وغياب معالم المدينة الحضرية والعصرية، أبرز سمة في مدن ولاية بومرداس، فقد يمكن للملاحظ البسيط أن يرى حجم الفرق بين المدن القديمة التاريخية ذات التصميم العمراني المتكامل، الذي تراعى فيه كل متطلّبات وأركان المدينة بأزقّتها وطرقها التي تربط كل الزوايا، وبناياتها المتراصة بعناية فائقة وانتظام، والتجمعات العمرانية الحديثة أو ما يعرف بالمدن الجديدة التي أتت على مساحات واسعة من العقار بما فيه الفلاحي، لكنها تغيب فيها أدنى أساسيات الحياة، وبالتالي استحقت باقتدار مصطلح "أحياء مراقد". لقد شدّد المشرّع الجزائري عبر مجموعة من اللوائح والقوانين التنظيمية الخاصة بالتهيئة العمرانية، منها المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير في القانون المعدل والمتمم بالقانون 04 / 05 الصادر سنة 2004، لا سيما المرسوم التنفيذي رقم 91 / 177 لسنة 1991، الذي يحدد إجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير المعدل والمتمم بالمرسوم التنفيذي رقم 05 / 317 لسنة 2005، على ضرورة تحديد المناطق المبرمجة في مشاريع التوسعة، مع تحديد المناطق التي يجب احترامها وحمايتها من الاسمنت، وخاصة الأراضي الفلاحية والفضاءات البيئية بما فيها الموارد الطبيعية، بمعنى تحقيق تنمية متوازنة تستجيب لكل متطلبات الحياة الكريمة للمواطن. وفي هذا الإطار، حاولت ولاية بومرداس انطلاقا من مخططات التهيئة العمرانية للبلديات، التي تتم مناقشتها في المجلس الشعبي الولائي تقديم مشاريع توسعة للمدن بما يتماشى والنمو السكاني وحاجيات هذه المنطقة للتنمية والتطور، لكن أغلبها اصطدم بعراقيل الأراضي الفلاحية والمستثمرات، ما يعني تدخل عدة جهات وزارية مشتركة للموافقة على تحويل العقار الفلاحي لانجاز مشاريع عمومية وسكنات، أو استغلال جيوب عقارية هنا وهناك لانجاز مشاريع سكنية فاقدة لمعالم المدينة العصرية بكل مرافقها الحضرية من شبكة للطرقات، السكك الحديدية، الهياكل القاعدية وفضاءات خضراء حتى لا نقول حدائق عمومية دقيقة التصميم ومفرغة عمومية مراقبة لا تعبث بها الحيونات والكلاب الضالة.
أحياء مراقد..بلا طعم
لقد تكالبت عدة مظاهر سلبية على واقع العمران بولاية بومرداس، فبالإضافة إلى غياب التنسيق بين الهيئات المحلية والمديريات في كيفية تجسيد برامج التنمية المحلية، ومخططات التهيئة العمرانية بطريقة تشاورية مع المجالس المنتخبة مثلما أكد عليه رئيس بلدية تيجلابين ابراهيم جيار في حديثه عن الموضوع، هناك انسحاب شبه تام لفرق الرقابة، وخاصة شرطة العمران ومصالح مديرية السكن والعمران وحتى البلدية، هذه الأخيرة أصبحت عاجزة في معالجة ملف السكنات الفوضوية التي تغزو كل الأحياء، وطالت حتى الأراضي الفلاحية دون قدرتها في كبح الظاهرة. وهنا يقول رئيس بلدية تيجلابين متحدثا ل "الشعب": "لقد أحصينا على مستوى إقليم البلدية لوحدها أكثر من 300 سكن فوضوي في مركز البلدية وحي عليليقية، أغلبها عائلات نزحت من مناطق مجاورة أثناء الأزمة الأمنية، إضافة إلى 600 شالي من مخلفات زلزال سنة 2003، وهي حالات اجتماعية تفرض مزيد من الضغط للاستفادة من السكنات الاجتماعية، إضافة إلى عدد آخر من السكنات الهشة، في وقت تعاني البلدية من نقص العقار لتجسيد المشاريع المبرمجة، التي يتم تسجيلها أحيانا دون علم المجلس الشعبي البلدي المخول قانونا بعرض البطاقيات التقنية ومخطط التهيئة العمرانية بعد المداولة عليه بالمجلس". هي مثال عن حالة فوضى العمران بولاية بومرداس التي تحصي أكثر من 7 آلاف سكن هش حسب إحصائيات سنة 2007، في حين يبقى عدد السكنات الفوضوية غير قابل للحصر، ولا أحد من المسؤولين المحليين بإمكانه التجرؤ لتقديم رقم دقيق، في ظل التنامي السريع للظاهرة خاصة بعد الزلزال الذي ضرب الولاية، وقد أوجد هو الآخر أكثر من 15 ألف شاليه عبر أكثر من 90 موقعا أنجب عدة أحياء قصديرية غير شرعية نتيجة التوسع العشوائي، صعّبت هي الأخرى من عملية الترحيل وإفراز المستفيد المنكوب من المتملق، وبالتالي عطّلت مخطّطات التوسعة والتنمية المحلية للمدن، فسادت الفوضى ولم يعد هناك دور للمهندس المعماري والمدني في هذه المعادلة.