حملت الزيارة التي قام بها الوزير الأول عبد المالك سلال إلى قسنطينة، للمشاركة في احتفالات الذكرى 60 لهجمات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 والتي تتزامن مع يوم المجاهد ومؤتمر الصومام التاريخي في سنة 1956، أكثر من دلالة، ترمز في شموليتها وسياقها الظرفي الراهن إلى الاعتماد، وفي كل الظروف، على الموروث التاريخي الثوري المشرف كلحمة لترصيص الحاضر واستشراف مستقبل أكثر استقرارا وثباتا، وهذا دعما ومحافظة على أسس دولة دفعت أعز ما تملك من أجل النصر والعيش في كنف الحرية. إن هجمات الشمال القسنطيني، التي يحضرها اليوم الوزير الأول عبد المالك سلال، محملا برسالة من فخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، تؤكد مرة أخرى، أن هذه الأحداث كانت بمثابة النقلة الثانية، بعد إشعال فتيل ثورة التحرير المجيدة في الفاتح من نوفمبر 1954، حيث نقلت الثورة الجزائرية من الأيادي التي فجرتها اقتناعا منها بالطريق الثوري المسلح لنيل الاستقلال، لترمي بها إلى أحضان الشعب حتى يتبناها لتصبح ثورة جماهيرية تعم كامل أرجاء التراب الوطني. كانت قيادة جبهة التحرير الوطني مقتنعة كل القناعة، بعد الحصار الذي فرض على منطقة الأوراس واستشهاد بعض قيادات الثورة، أمثال ديدوش مراد وسجن بعضهم الآخر، فرصة ثمينة بعد أن تولى البطل زيغود يوسف قيادة المنطقة الثانية، أن يوجه هذا الأخير نداء ليلتحق أبناء الشعب بصفوف الثورة الشعبية والتعجيل بالاستقلال، لأن الثورة لن تكون إلا بالشعب وللشعب، فكانت هجمات الشمال القسنطيني إذاً إعطاء الدفع القوي للثورة وتفنيد مزاعم فرنسا بأن من يقومون بها متمردون خارجون عن القانون ومن ثمّة رفع معنويات المجاهدين بأن أسطورة «فرنسا لا تقهر» واهية. كما جسدت هذه الهجمات أيضا وقفة من قياديي الثورة وجنودها والشعب الجزائري برمّته تضامنها القوي مع الشعب المغربي الشقيق في ذكرى نفي السلطان محمد الخامس والتي تصادف ويوم 20 أوت وبهذا كانت أهداف الثورة الجزائرية ذات بعد مغاربي ودفاعا عن الماضي والتاريخ المشترك للمغرب العربي الكبير. وأكدت رسالة رئيس الجمهورية التي حملها عبد المالك سلال، بمناسبة ذكرى هذه الأحداث، على العمق التاريخي لتضحيات رجال الثورة الجزائرية العظماء، مثمنا نيتهم الصادقة في التضامن مع المغرب الشقيق ودعم القضية النضالية المشتركة لشعوب المغرب العربي قاطبة للتخلص من براثن الاستعمار البغيض. كما شفع رسالته بتمسك الجزائر بمشروع الصرح المغاربي وفقا للقيم النبيلة التي تستمدها شعوبنا من ماضينا وتاريخنا المشترك. كما حملت الرسالة دلالات ومعاني سامية في المحافظة على الجزائر كأمانة ووديعة في أعناق كل الجزائريين.