أكد رئيس الجمهورية الحالي والمترشح لرئاسيات أفريل القادم على تعزيز مجال تدخل الدولة في اطار الاقتصاد وضبط الاستثمار ومراعاة التوازنات الكبرى في ظل اقتصاد السوق الذي جدد تأييده ولكن في اطار تواجد الدولة. والدولة الجزائرية طيلة العشرية الماضية ركزت على دعم دورها في مجال الاقتصاد وان كانت في البداية محتشمة لاسباب عديدة تعود بالاساس الى تاثيرات المحيط الخارجي ووصفات الهيئات والمنظمات الدولية في مجال المال والاقتطاد التي تتصر من كل سياسة اقتصادية أو مالية وطنية تستند الى دور الدولة كممول ومسير ومراقب أو بسبب عدم الوفرة المالية، الا أنه وخلال السنوات القليلة الماضية تدعم دور الدولة محليا وعلى مستوى العلن لتأخذ مؤسسات الدولة على عاتقها تجسيد المشاريع والورشات الضخمة التي تم فتحها هنا وهناك وجندت لها أموال ضخمة. وتتماشى وحجم الطموحات والآمال المعلقة على هذه المشاريع في ترقية مستوى معيشة المواطنين ورفع الغبن عليهم بعد طول معاناة من خلال استعادة الدولة لدورها في التكفل بتوفير كافة الهياكل والمرافق القاعدية ووضع سياسات خاصة بالسكن والتشغيل والتعليم لتدراك التأخر الذي تراكم لسنوات طويلة. هذا المجهود الذي قامت به الدولة ما كان ليتدعم لولا تلك الأموال الهامة التي تم جنيها من الربح النفطي وعوضت الى حد ما الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي أبت أن تأتي، فلم تجد السلطات المعنية من حل آخر سوى التركيز على الامكانيات المالية المتوفرة محليا واعتماد سياسة التمويل الذاتي في تمويل مخططي دعم النمو واستكمال التنمية بعيدا عن الاملاءات والشروط التي عادة ما كانت محجفة. واجهت سياسة التمويل العمومي للاستثمارات الضخمة انتقادات داخلية وخارجية، ووصفت بغير المنتجة لأنها لم توفر قيمة مضافة لتثمين هذه الاستثمارات ولانها أعطت صبغة عمومية في تدخل الدولة في المجال الاقتصادي على حساب القطاع الخاص، مما ترك الانطباع لدى منتقدي سياسة الحضور القوي للدولة في الدائرة الاقتصادية والمالية في الداخل والخارج، على عزم الدولة اعادة النظر في الخيارات الأساسية لاقتصاد السوق، خاصة بعد التدخل القوي للدولة في تمويل الاستثمارات الضخمة وتكفلها بقطاعات ومجالات تتنافى بحسب هؤلاء المنتقدين مع توجه الاقتصاد الحر، ثم توالي عمليات غلق العديد من البنوك الخاصة لأسباب تتعلق بعمليات احتيال نصب وعدم احترام القواعد التي تنظم القطاع المصرفي الخاص، فضلا عن كسر تلك الاجراءات التي كادت أن ترهن أهم قطاع حيوي وحساس في الاقتصاد ألا وهو قطاع المحروقات، نظرا لما تضمنه قانون المحروقات المعدل من اجراءات كان هدفها اعادة النظر في خيار التأميم كما أكد على ذلك الكثير من الخبراء في المجال. لكن كل الاجراءات والخطوات التي اتبعت قبل سنوات كانت تتماشى والاحتياجات الداخلية من جهة، ولكن أيضا كانت تتماشى ومقتضيات المرحلة الراهنة التي كانت تفرض حضورا قويا للدولة لاستعادة كل التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها، وهو ما عملت به الجزائر طيلة المرحلة الماضية قبل أن تبرز الأزمات المالية والاقتصادية العالمية والتي كانت أحد أهم وأقوى أسبابها انسحاب الدولة الكلي من الدائرة الاقتصادية والمالية الذي فسح المجال واسعا أمام احتيال وطمع المضاربين الذين تسببوا في انهيار النظام المصرفي المالي لتنتقل العدوى بسرعة البرق الى الدائرة الاقتصادية وتبرز أزمة اقتصادية، أحد أهم مظاهرها الانكماش الذي تشهده اقتصاديات أهم الدول الغربية. وحاليا وخلافا لكل قواعد اقتصاد السوق التي ظل النظام العالمي يلقنها للجميع طيلة العقود الماضية، تحركت الدول والحكومات بسرعة وحاولت التدخل بقوة لانقاذ ما يمكن انقاذه من خلال ضخ مئات الملايير، وتعدت اجمالا الآلاف في النظام المصرفي أولا الذي أبى الخروج من الأزمة المالية الراهنة العميقة، لتنتقل عملية ضخ الاموال الضخمة الى قطاعات اقتصادية انتشر فيها الكساد بسرعة فائقة وغير متوقعة، خاصة في قطاع السيارات، شريان اقتصاد العديد من الدول المتقدمة ولا سيما الولاياتالمتحدةالأمريكية. الجزائر وبالنظر الى الأزمة التي لا تزال تعصف بالعالم تجد نفسها بعيدة الى حد ما عن التأثيرات المباشرة لهذه الأزمة، طالما أنها حافظت على قدراتها المالية الحالية وليست تلك بالتي ستأتي من عائدات النفط مستقبلا التي ستتأثر بتراجع الأسعار، كما ان مشاريعها يمكنها أن تتجسد بفضل التمويل الذي تم توفيره سابقا، وفي هذا الصدد أكد بوتفليقة على مواصلة مجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية رغم الأزمة العالمية من خلال ما يمكن توفيره من امكانيات مالية قدرها ب 150 مليار دولار للسنوات القادمة. وهو رقم ضخم في ظرف كهذا يتميز بأزمة مالية واقتصادية ليست هينة. عزم بوتفليقة الاستمرار في تجنيد الموارد الداخلية دون اهمال لتلك الخارجية يعكس الى حد كبير الحرص على اعتماد سياسة الحذر والحيطة وكذا الاعتماد على سياسة وطنية في تجسيد أولويات البرامج التنموية انطلاقا من الاحتياجات الداخلية الملحة وليس بناء على وصفات الهيئات المالية الدولية التي أثبتت قصورها ومحدوديتها ووقفت عاجزة أمام الأزمة العالمية وفي اقتراح الحلول كما كانت تفعل مع العديد من بلدان العالم الثالث ومن بينها الجزائر.