تعهد السيد عبد العزيز بوتفليقة لدى إعلانه أول أمس ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية المقبلة، بمواصلة الجهد الجاري بذله على درب التقويم الوطني ومسيرة المكاسب التي حققتها الجزائر خلال العقد الأخير، ملتزما بتعزيز المصالحة الوطنية ومواصلة إصلاح الحكم ودعم الجهود التنموية الاقتصادية والاجتماعية المكثفة. وفيما أوضح بأن الفرصة ستتاح له مستقبلا للاستفاضة في شرح التزاماته العامة للشعب، حتى يعلم هذا الاخير على أي أساس يمنحه صوته "إن كانت تلك رغبته التي سيعبر عنها بكل حرية"، أشار السيد بوتفليقة أمام الحضور الحاشد بالقاعة البيضاوية بالعاصمة، إلى انه يعتزم مواصلة الجهد الجاري بذله في سياق الأشواط الطويلة التي قطعتها الجزائر على درب التقويم الوطني ومواصلة مسيرة تحصين البلاد من الأزمات تحصينا محكما وذلك لضمان تنمية ورفاهية للأجيال الآتية وتأمينها من كل ما قد يطرأ من أحداث، مؤكدا في الصدد بأن مستقبل الجزائر لن يكون سوى نتاج مجهود جماعي حقيقي وثمرة إرادة وتضحيات مشتركة. وفي انتظار الخوض في تفاصيل برنامجه المستقبلي والسبل والوسائل التي سيقترح على الأمة الأخذ بها لمواصلة وتأكيد المسار الذي شرع فيه منذ 1999، تعهد السيد بوتفليقة بمواصلة ترقية المصالحة الوطنية ومصالحة الجزائريين مع أنفسهم ومع وطنهم، مع الاستمرار في التصدي لشرور الإرهاب وإبقاء الباب مفتوحا أمام كل من يرغب في العودة إلى سواء السبيل. وفي سياق متصل اعتبر المترشح بوتفليقة أن ترقية الديمقراطية والدفاع عنها قضية كل الفاعلين السياسيين وكل مواطن عقد العزم على الدفاع عن حقوقه وحرياته، في وقت تضطلع فيه مؤسسات الدولة بدورها كحكم نزيه من اجل فرض تطبيق القوانين والامتثال لها، مؤكدا بالمناسبة بأن الديمقراطية ستتعزز بفضل فتح مجال أوسع أمام المرأة التي تشكل نصف الهيئة الناخبة، والتي سيتم العمل بعزم على تجسيد الأحكام الدستورية الجديدة المتعلقة بترقية مكانتها في المجالس المنتخبة. فيما اعتبر في الاطار أن تصالح الجزائريين فيما بينهم ومع وطنهم سيتم كذلك بالاستناد إلى الهوية الوطنية والأصالة وتثمين الجهد الذي تم بذله لترقية المكونات الثلاثة للهوية الوطنية ومواصلته بترقية كتابة التاريخ الوطني وتعليمه للأجيال الناشئة. أما التعهد الثاني الذي أعلن عنه السيد عبد العزيز بوتفليقة، فيتعلق بمواصلة عملية إصلاح الحكم في جميع الميادين وتعزيز سلطان القانون، مذكرا في هذا الباب بالإصلاحات الهيكلية التي تمت مباشرتها في مختلف المجالات، والتي سمحت باستعادة هيبة الدولة وتعزيزها، بينما لاتزال الجهود مستمرة لتأكيد سلطان القانون، الذي يشكل حسبه تحديا يقتضي المساهمة الفعالة من جميع أفراد المجتمع. من جانب آخر تعهد الرئيس المترشح بمواصلة مجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية المكثف، مبرزا في هذا الإطار أهمية الإمكانيات التي تتوفر عليها الجزائر، والتي تسمح لها بالحفاظ على انطلاقتها التنموية رغم الأزمة الاقتصادية العالمية. ودعا في هذا الصدد إلى ضرورة تدارك التأخر واللحاق بالركب العالمي الذي يمضي قدما، ولا سيما من خلال تثمين الإمكانيات والمكتسبات للقضاء على العجز المسجل على المستوى الاجتماعي، وبناء اقتصاد متنوع يدر إيرادات إضافية إلى مداخيل المحروقات. وفي سياق متصل أكد المترشح بوتفليقة أن الدولة ستستمر في تعبئة مواردها بصورة مكثفة في خدمة تنمية البلاد، معلنا بأن السنوات الخمس المقبلة ستعرف رفع هذا الالتزام إلى 150 مليار دولار ومواصلة حشد الاستثمارات المحلية والأجنبية، وشدد في هذا الصدد على ضرورة مواصلة الجهود للتخفيف من أزمة السكن ومواصلة المعركة ضد البطالة بفضل برامج الاستثمار العمومي وترقية الاستثمار الاقتصادي في كافة المجالات زيادة على الآليات العمومية للمساعدة على التشغيل، متوقعا إحداث 3 ملايين منصب شغل خلال السنوات الخمس القادمة، نصفها من خلال آليات التشغيل المؤقت. كما سيتم ضمن نفس المسعى مواصلة تطبيق إصلاح وتحديث منظومة التعليم وترقية البحث العلمي والحفاظ على وتيرة بناء المدارس ومراكز التكوين المهني والجامعات، وفي نفس الوقت بذل جهود أكبر في مجالات الفلاحة والصحة العمومية، حيث يرتقب فتح مستشفيات ومرافق صحية جديدة واستكمال إصلاح قطاع الصحة العمومية من أجل شفافية أكبر في خدمة المواطنين. وبخصوص مواصلة جهود تنمية الاقتصاد العمومي، أوضح السيد بوتفليقة ضمن التزاماته بأنه سيتم دعم إنعاش القطاع العمومي القادر على البقاء، وفق قواعد السوق والمنافسة، مع دعم القدرات الوطنية على الاستثمار ومواصلة تشجيع الاستثمار الأجنبي في ظل مراعاة مصالح الاقتصاد الوطني وعلى أساس تقاسم الربح، مؤكدا في هذا السياق عزمه السهر على تعزيز دور الدولة في مجال ضبط الاقتصاد، خدمة للتنمية الوطنية ومراعاة للتوازنات ولمستقبل اقتصاد البلاد. كما أكد من جانب آخر إبقاء الدولة على السياسة الوطنية للعدالة الاجتماعية والتضامن الوطني والسهر على مكافحة أشكال التبذير، مع توجيه هذه السياسة إلى أصحاب الحق في الاستفادة منها. مذكرا في خطابه الذي أعلن من خلاله الترشح في رئاسيات أفريل القادم، استجابة لنداءات مختلف فئات الشعب الجزائري التي كان يتلقاها في كافة أنحاء الوطن، بجملة الإنجازات التي حققتها الجزائر، بعد أن منحه الشعب ثقته في رئاسيات 1999 و2004، مشيرا في هذا الصدد إلى انه اجتهد من أجل إشاعة السلم والنهوض بمسببات المصالحة الوطنية، التي تم إحلالهما إلى حد كبير عبر ربوع الوطن بفضل وعي الشعب الجزائري كله الذي زكى بقوة قانون الوئام المدني والميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية. كما أوضح بأن الانشغال الثاني الذي حداه أثناء العهدتين الرئاسيتين، كان يشمل وضع حد لعزلة الجزائر في الساحة الدولية ورفع الحصار غير المعلن الذي كان مفروضا عليها، وقد عادت الجزائر بفضل كل الجهود المبذولة في هذا الإطار إلى مكانتها المعترف بها على مختلف الأصعدة، مذكرا بالدور الريادي الذي أصبحت تتمتع به الجزائر على الساحتين العربية والإفريقية، وكذا على مستوى علاقاتها مع أوروبا التي توسعت لتشمل الاتحاد من أجل المتوسط "الذي سنواصل انضواءنا فيه من دون التنكر لمبادئنا والتزاماتنا وعلى الخصوص منها إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة"، بينما تسعى الجزائر مع بقية العالم إلى ترقية حقوقها الاقتصادية وتواصل مفاوضاتها للانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة وفق شروط تخدم تنميتها الوطنية، وتضطلع بدور نشط في كافة المداولات التي تخص المجموعة الدولية، ولا سيما في المباحثات المتعلقة بإصلاح منظمة الأممالمتحدة. وفي مجال إعادة إعمار البلاد وتعزيز دعائم الدولة وسيرها، ذكر السيد عبد العزيز بوتفليقة بالموارد العمومية الضخمة التي تم حشدها على امتداد عشر سنوات وبالإجراءات المتخذة لتشجيع الاستثمار الخاص في جميع المجالات، حيث تم تسجيل قرابة 250 مليار دولار من الاستثمارات من بينها حوالي 160 مليار دولار من الاستثمارات العمومية. وابرز السيد بوتفليقة الثمار الأولى التي تمخضت عن كل هذه الجهود، والتي سمحت بتخفيض نسبة البطالة من 30 بالمائة في 1999 إلى ثلثها في غضون السنوات العشر الماضية لتصل إلى أقل من 12 بالمائة، مشيرا في السياق إلى توظيف قرابة 3 ملايين ونصف المليون من المستخدمين في الإدارات ومختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الفلاحي والورشات المتعددة التي تم فتحها، إضافة إلى أكثر من مليونين ونصف المليون من المناصب التي تم استحداثها من خلال مختلف الآليات الجديدة الموجهة لمحاربة البطالة. كما ذكر بالمنجزات المتعددة التي تحققت في مجالات السكن والطرق والسكك الحديدية والهياكل المدرسية والجامعية والهياكل الصحية، وكذا فيما يخص توسيع شبكات توزيع الغاز والكهرباء والماء الشروب، حيث تم تسليم 39 سدا جديدا بالتزامن مع الإطلاق الفعلي لبرنامج تحلية مياه البحر، مشيرا لدى تطرقه إلى البرنامج العمومي الكبير لدعم التنمية إلى أن هذا الاخير سمح برفع نسبة النمو بالجزائر خارج المحروقات، إلى 5 في المائة، بينما فاق 6 في المائة في السنتين الماضيتين. كما تم إحداث قرابة 120 ألف مؤسسة جديدة صغيرة ومتوسطة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بفضل تطبيق هذا البرنامج الإنمائي الذي تزامن مع الإصرار على تخليص البلاد من التبعية المالية للخارج التي تراجعت بالفعل من 29 مليار دولار عام 1999 إلى أقل من 5 ملايير دولار حاليا، بينما تقلصت المديونية العمومية الخارجية للدولة إلى أقل من 500 مليون دولار، وتوصلت السلطات العمومية إلى توفير مخزون من الصرف تجاوز حاليا 140 مليار دولار وتوفير أكثر من 4 آلاف مليار دينار في صندوق ضبط الإيرادات، وهو ما سيمكن الجزائر، من مواجهة الأزمة المالية الدولية، حسبما أكده السيد بوتفليقة الذي شدد على أن مستقبل الجزائر "لا يمكن أن يتوقف على مؤسسات الدولة فضلا عن رجل واحد" وإنما يجب أن يتكفل به الشعب الذي ينبغي أن يضمن ترسيخ القيم والخيارات الأساسية للبلاد ويخوض معركة البناء ويرجح إرادته الكاملة في تحديد المستقبل الذي يريده لنفسه، مؤكدا في الصدد بأن الرئيس لن يكون رئيسا إلا إذا كان مدعما بثقة الأغلبية الساحقة للشعب، وداعيا بالمناسبة الشباب الجزائري بشكل خاص إلى التجند مجددا لرفع تحديات صيرورة الوطن وتعزيز ثقته في نفسه وفي وطنه.