أكدت الجزائر تضامنها مع فرنسا في مواجهة الإرهاب الذي هزّ باريس، ليلة أمس، واصفة الاعتداء بالجريمة البشعة ضد الإنسانية. وبالفعل فإن الهجمات الدامية التي كسرت هدوء واستقرار عاصمة الجن والملائكة تعتبر عملا منبوذا، تستهجنه الأعراف والشرائع والقيم الإنسانية أظهر مرة أخرى للعالم أن ظاهرة الإرهاب لا تحكمها حدود مهما كانت مؤمّنة وشديدة المراقبة. وتمثل قيمة التضامن الإنساني للجزائر مبدأ ثابتا، يؤكد مدى جدية وقناعة بلد لطالما عانى من ظاهرة الإرهاب لأكثر من عشرية، فواجهها منفردا في وقت تخلت فيه المجموعة الدولية عن مسؤولياتها، بل كانت بعض العواصم الغربية بمثابة قواعد خلفية قبل أن تمتد إليها عدوى الآفة. وليس غريبا أن تقف الجزائر في هذه اللحظات مع شريك اتفقا على صياغة نمط جديد للتعاون في الاستثمار والتنمية والتصدي للأزمات بالتنسيق خدمة للعالم قاطبة، ولم تتوقف الجزائر عن المطالبة بتحرك دولي لمواجهة الخطر الذي يمثله أخطبوط الإرهاب الجهنمي، الذي ألبس بالباطل والبهتان رداء الدين الإسلامي الحنيف، مستهدفا بلدان ومجتمعات ناشئة تواقة للتنمية والرفاهية واللّحاق بالأمم المتطورة في مجالات العلوم والتكنولوجيات الجديدة، باعتماد التنمية والحوار مع احترام خصوصيات الشعوب. وبلا شك ضرب زعزعة استقرار عدد من الدول التي تم تصنيفها «خارجة عن بيت الطاعة» واستباحة سيادتها الوطنية من خلال إقحامها في نزاعات داخلية، أخذت طابع حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس وتحريض جماعات متطرفة على الدولة الوطنية، كما حصل في جهات مختلفة من العالم العربي والإسلامي ساهم في تنمية قوة الإرهاب وتمكين مدبريه من إيجاد مبررات لتجنيد منفذي مخططاته حتى من داخل المجتمعات الأوروبية نفسها. بلا شك أن هذا التطور الخطير الذي يضع أوروبا على فوهة بركان يستدعي صياغة مقاربة دولية واضحة المعالم ودقيقة الأهداف لتحييد الظاهرة وإبطال مفعولها باعتماد مبادئ وقواعد القانون الدولي التي تكرس السيادة الوطنية للدول وحق الشعوب في الحرية وبناء الخيار الديمقراطي بالتدرج وبإرادة الشعوب بعيدا عن أي مغالطة أو مخططات تدميرية أظهرت نتائجها العكسية، في وقت ما أحوج فيه العالم إلى تنشيط حوار الحضارات لإبطال مفعول التصادم ورفض الأخر. ويلعب الإعلام في الضفتين دورا بارزا في تطوير مسار التقارب بالتزام رؤية مستقبلية لا تترك فجوة تتسرب من خلالها «اذرع الأخطبوط» باعتماد أسلوب أداء يعطي للرأي العام صورة واقعية مع التصدي للتطرف ونبذ التحريض وتبرير توجهات تصب في تنمية قدرات الإرهاب. وبالتأكيد أن المرحلة أحوج أكثر من أي وقت مضى لرد الاعتبار للآليات الدولية الشرعية في معالجة الأزمات الإقليمية وتفكيك تعقيداتها في مناخ أكثر هدوءً بما يسقط أوراق المنظمات المتطرفة ويعزز إرادة الشعوب التي تعاني من حريق الفوضى «الخلاقة» فتحوّلت بلدانها إلى مرتع للإرهاب، الذي يهدد العالم برمته ويتطلب موقفا جماعيا حاسما لا يدع مجالا للتأويل.