إن القمة ال21 للتغيرات المناخية التي تحتضنها العاصمة الفرنسية باريس تؤكد مرة أخرى أن الكبار في هذا العالم لازالوا عاجزين عن وضع تصوّر جامع ينهي هذه المعضلة البيئية المتزايدة التي يعاني منها كوكب الأرض، وتعد بوضع كارثي قادم قد تصبح معه الحياة البشرية شبه مستحيلة، وما نشهده اليوم من اضطراب في وظائف الظواهر الطبيعية مثل الأمطار الطوفانية،التداخل بين الفصول، نشاط زلزالي غير منتظم وارتفاع درجة الحرارة...الخ إلا مجرد إنذار بقادم أسوا لا قدر الله. إن المثير للقلق أكثر، أن هذه الكارثة وجد فيها الضحية نفسه في سلة واحدة مع المتهم بينما لم يكن حظ دول الجنوب في هذا الوضع إلا الأشواك، التلوّث وازدياد تدهور المحيط المعيشي بجميع أبعاده في حين بنت على أنقاضه الدول الكبرى مجدها الصناعي والتكنولوجي الذي تحتكره اليوم وتعمل على سدّ كل الأبواب أمام الطموحات الصناعية للدول الأخرى وتغلق في وجهها نادي الصناعيين كما أغلقت في السابق النادي النووي ولا تزال تحتكر هذه التكنولوجية وتعمل على عرقلة كل دولة لديها طموحات في هذا الاتجاه ولو كان لأغراض سلمية على غرار ما تفعل مع إيران ودول أخرى في حين كان من الأجدر أن تكون القدوة وتبادر بتفكيك ترساناتها النووية العسكرية التي أصبحت تهدّد وجود الإنسانية بأكملها وكانت تجاربها النووية وراء تسميم الحياة في الكثير من المناطق من هذا العالم وتشهد رقان وعين اكر ومناطق أخرى من الصحراء شاهدة على مدى التلوث الذي تسببت فيه التجارب النووية الفرنسية في الجزائر. الأكيد أن الدول الكبرى هي المسؤول الوحيد عن المأزق البيئي الذي نعيشه ويا ليتها اكتفت بمحاولات التملص من المسؤولية فقط ولم تنصب نفسها معلما يعطي الدروس للآخرين في كيفية الحفاظ على كوكب الأرض بينما لا تبدي بالمقابل اي إرادة حقيقية في هذا الاتجاه بل انها تعلن استعدادها في كل مرة لارتكاب المزيد من الحماقات البيئية من أجل الحفاظ على نمط معيشتها المسرف في البذخ والاستهلاك، بينما تطالب الآخرين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بشد الحزام والمشاركة في تغيير هذا الوضع وهي تعلم يقينا أن أولئك لا يستطيعون فعل أي شيء لتحسين هذا الواقع المفروض عليهم وكيف تتمكن من ذلك ياترى؟ والإحصائيات تقدم أرقاما مثيرة للدهشة، فهل من المنطق والأخلاق مطالبة دولة كالصومال بالمساهمة في هذا التغيير ومواطنها المسكين يستهلك في سنة كاملة ما يستهلكه مواطن أمريكي واحد خلال أسبوع واحد بل كيف للقارة الإفريقية كلها أن تتحمّل جزءا من المسؤولية في حين أن استهلاكها من الكهرباء يعادل ما تستهلكه مدينة لاس فيغاس الأمريكية وهذا دون التطرق لنقاط أخرى كحظائر السيارات مثلا أين تناهز حظيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية من السيارات 300 مليون وحدة من أكثر السيارات تلويثا للبيئة وهذا دون احتساب ما تمتلكه أوربا والصين وروسيا ..الخ؟! إن القرار الذي يجب أن تخرج به قمة باريس ال21 حول التغيرات المناخية هي التزام الدول الكبرى بمسؤوليتها الكاملة اتجاه هذا المأزق وذلك بداية من خلال القيام بتعويض دول الجنوب عما لحقها من ضرر جرّاء سياساتها الصناعية التي أدت إلى هذه الكارثة وجعلت ظروف الحياة في الكثير من دول الجنوب مستحيلة بسبب التسمم، الجفاف والتصحر وكذا بسبب القضاء على النسيج النباتي والحيواني الضروري للحياة البشرية وبعد ذلك عليها التفكير في تقديم مخصصات مالية لتلك الدول من أجل التخلّص من مخلّفات التلوث الذي تسببت فيه ولا يجب أن تكون هذه المساعدات في شكل جرعات “السيروم” لذر الرماد على العيون ولكن مبالغ يمكنها أن تحدث الفارق وتمكّن تلك الدول من حماية نفسها ومحيطها ليس تقديم الفتات وتصويرها على أنها صدقات وأعمال خير وبر في حين ما جنته الدول الصناعية الكبرى ولا تزال على حساب غابات، مروج ومعادن القارة الإفريقية وحدها تقدر بآلاف البليارات من الدولارات الأميركية.