تشكل الفلاحة العائلية النشاط الرئيسي في القرى والمداشر والتجمعات السكانية الثانوية بولاية سوق أهراس، انطلاقا من الجهة الغربية على مستوى أكبر سهول الولاية بكل من دائرة سدراتة ومداوروش إلى غاية الحدود المتاخمة لولاية أم البواقي، على مستوى بئر بوحوش وأم العظائم، وهي تعطي مردودا وفيرا من الحبوب الجافة والبقوليات على مدار السنة، كما يمثل التوزع السكاني الريفي بالجهة الجنوبية للولاية بكل من دائرة الحنانشة والمشروحة وكذا عين سنور أغلب الموارد الطبيعية التي تزود ولاية سوق اهراس بصورة يومية بالاحتياجات الغذائية للسكان كالحليب والخضر والفواكه. خلال جولة «الشعب» بهذه المناطق الريفية، تبين أن النشاط الزراعي العائلي يتوزع بكل من مشاتي وقرى ولاية سوق أهراس، إنطلاقا من القرى التابعة للتجمعات السكانية الثانوية، إذ تمثل بلدية عين سنور بكل من قرى الحويمة ورزقون ومقر البلدية بما يزيد عن أكثر من 2000 سكن ريفي موزع على مستوى المشاتي والمداشر، النشاط الرئيسي هو زراعة الخضر والفواكه على مدار السنة إلى جانب تربية الأبقار والمواشي ولكن بنسبة أقل نظرا للظروف المناخية الصعبة على مستوى هذه القرى التي تدعمت مؤخرا بالبناء الريفي الذي حسن نوعا ما ظروف المعيشة. يتوجه سكان هذه القرى بصفة يومية باتجاه الحقول التي تم تسييجها بناء على ملكية كل شخص، تتميز بوعورة مسالكها، وبمحدودية مساحاتها المزروعة، فهي أراض جبلية تم استصلاحها بشق الأنفس، تم مؤخرا حسب شهادة سكان مشتة الحويمة ببلدية عين سنور إعادة إنجاز الطريق الرابط بين بلدية عين سنور وبلدية المشروحة والذي يعتبر المسلك الرئيسي الرابط بين هذه القرى والطريق الرئيسي سواء باتجاه بلدية المشروحة أو عين سنور، في حين ما تزال حسب شكاوي سكان المنطقة من فلاحين مداشر لم تربط بطرق رئيسية وبالتالي يتعذر على العربات التنقل ماعدا الجرارات، لتتأزم الوضعية أكبر خلال فصل الشتاء خاصة. كما كانت لنا وقفة على مستوى منطقة ريفية خلابة تتميز بتضاريسها الوعرة تدعى المزرعة، حيث رحب بنا سكان المنطقة مؤكدين أنهم يعانون من عزلة مميتة رغم المردود الوفير للخضر والفواكه الموسمية التي يزودون بها السوق المحلية. 2300 إعانة موجهة للسكن الريفي أجمع كل من التقينا بهم من فلاحين ومزارعين وعائلات من قرى ومداشر بلديات عين سنور وكذا أولاد إدريس، أن للبناء الريفي الفضل الكبير في تحسين مستوى معيشتهم، سواء من خلال الاستقرار السكني كمرفق تساهم الدولة في إعانة للفلاح من أجل بناء بيت بمعايير عمرانية لائقة، على غرار أكواخ الديس والحجر التي كان السكان يقطنونها من قبل والتي لا تزال شاهدة على ما عانته هذه العائلات من ظروف عيش قاسية جدا. وفي إطار المخطط الخماسي 2010-2014 تم منح أزيد من 2300 إعانة موجهة للسكن الريفي على مستوى بلديات الولاية ال 26 بما يوازي حوالي مليار و750 مليون سنتيم الغرض الرئيسي من هذه السياسة هو مساعدة تثبيت سكان القرى في مداشرهم، تدعيما لأنشطتهم الزراعية والتي تمثل مورد ثمين في تزويد الأسواق المحلية من الإحتياجات الغذائية اليومية كالخضر والفواكه والحليب ومختلف اللحوم الحمراء، إذ حسب تأكيد الفرع الوطني للسكن أن أغلب هذه الاستفادات وما يمثل ال 90 % منها موجهة أساسا لسكان القرى والمداشر. مختصون يدعون إلى تطوير الفلاحة الأسرية وتثمين عائداتها من أجل تدعيم وتعزيز الفلاحة العائلية بسوق أهراس، نظمت مديرية الفلاحة وكذا رئيس الغرفة الفلاحية مؤخرا، ملتقى وطنيا حول الفلاحة العائلية والتنمية المستدامة، حضره ممثلون عن وزارة الفلاحة على رأسهم حمد خياطي المكلف بفرع الإرشاد لدى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية وأساتذة ومختصون عن جامعات الوطن وكذا جامعات دولية إلى جانب متعاملي القطاع وفلاحين. ونشط البروفسور عمر بوسعود الباحث والأستاذ في المعهد الزراعي المتوسطي بمونبلييه بفرنسا والمتخصص في السياسات الزراعية بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب الأستاذ الباحث العبداوي جمال عن جامعة مستغانم، وكذا أساتذة آخرون من جامعات الجهة الشرقية من الوطن أهم محاور الملتقى والتي ارتكزت على تقييم سياسات دعم وتثمين الزراعات العائلية ومدى مساهمتها في التنمية المستدامة ودفع عجلة الاحتياجات الاقتصادية الوطنية. الملتقى تمحور حول أهمية دعم الزراعة العائلية من منطلق تحقيق الأمن الغذائي على مستوى محلي، حيث أكد خياطي محمد ممثل فرع الإرشاد ولدى وزارة الفلاحة والتنمية الريفية على ضرورة تنسيق الجهود وإشراك كل متعاملي القطاع للرقي بمستوى أداء الأسرة الريفية الزراعي، كما أكد على دعم الوزارة وتثمينها لكل المبادرات المبذولة في هذا السياق، داعيا بالمناسبة إلى «تنسيق الجهود وتدخل كل الفاعلين، كعنصر رئيسي من عناصر التنمية التي تقوم على بلورة مختلف الأنشطة المتعلقة بالفلاحة والتنمية الريفية في إطار النشاط الفلاحي الدوري للأسرة الجزائرية». التطوير التقني لتحديث زراعة تتماشى مع المعطيات الاقتصادية كما أوضح خياطي خلال هذا اللقاء أيضا بأن «الوزارة الوصية تسعى من خلال التأطير إلى التطوير التقني لتحديث زراعة لتتماشى مع المعطيات الاقتصادية دوليا» مشيرا إلى أن هناك «ديناميكية فعّالة في المجال الفلاحي ترمي إلى تحقيق الأمن الغذائي وطنيا مع الحفاظ على المحيط والمياه وإرساء قواعد علمية وإدخال مبتكرات في المجال الفلاحي تتلاءم مع الاحتياجات اليومية الاستهلاكية للأسرة». وذهب البروفسور عمر بوسعود عن معهد مونبولييه بفرنسا، إلى إعطاء مقارنات ضمنية تمحورت حول أهم دول حوض البحر الأبيض المتوسط ومختلف الأنشطة الزراعية التي تمتهنها هذه الأسر من منطلقات وظيفية، حيث توصل إلى خلاصة تؤكد أن حوالي 75 ٪ من النشاط الفلاحي في دول حوض البحر الأبيض المتوسط عبارة عن زراعة عائلية (تمارس على مساحة أقل من 10 هكتارات) في شكل زراعة الحبوب والخضروات وتربية الأبقار والأغنام وغراسة الزيتون، حيث أكد على السياسة الرشيدة التي انتهجتها الجزائر بإعادة ترتيب الريف الجزائري وتحديثه، وضمان أهم المرافق المعيشية الضرورية، وهي العوامل الرئيسية التي تساعد على تطوير الفلاحة الأسرية وتثمين عائداتها. وأبرز عبد الغني فيلالي والي الولاية الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات المحلية في دفع عجلة تنمية الريف بسوق اهراس، من خلال فتح مسالك في المناطق الريفية الوعرة، وبناء المدارس وكذا المصحات الريفية، إلى جانب تشجيع مبادرات الإستثمار النوعي على مستوى أهم بلديات الولاية، كما أكد على أنه لم يدخر أي جهد في دفع المشاريع الفلاحية التي تقام على مستوى عائلي فيما يخص برامج تدعيم الشباب وزراعة الأشجار المنتجة، وكذا تدعيم منتجات الموطن. تقلبات المناخ والظروف المعيشية القاسية ...صعوبات قائمة بالعودة إلى زيارتنا المقتضبة للعديد من المشاتي والمداشر الموزعة عبر إقليم الولاية، اشتكى أغلب السكان من الظروف المعيشية القاسية التي تكابدها هذه الأسر من أجل العيش، ترتبط بالجانب الاجتماعي والمعيشي لها، خاصة ما تعلق بتمدرس أبنائهم حيث رفعوا لنا انشغالاتهم والتي تتمحور حول ترقية المرافق على مستوى هذه المداشر خاصة الطرقات والمدارس والمستوصفات الصحية، هذا إلى جانب تدعيم هذه الأنشطة والتي كادت أن تنقرض لولا إعادة تثمين سياسة السكن الريفي والتي أعطت أملا للفلاح في أن يبقى في أرضه ولا يغادرها، لكن أن يبقى في هذه الأرض ويرى معاناة أسرته هذا عبء ثاني يجب أن تقف السلطات الولائية له بالمرصاد لتذليله كعقبة تحد من الاستقرار لهذه الأسر التي تمتهن الزراعة بالقرى والمداشر. كما أجمع القائمون على الملتقى الوطني الذي احتضنته ولاية سوق أهراس عن الزراعة العائلية، أنه من الضروري ان تدعم الدولة هذه الأنشطة الزراعية الرئيسة وأن ينظر إليها بعين التثمين وليس الاستصغار، لأن هكتار واحد فقط يمكن أن يغطي احتياجات عدد كبير من السكان من مادة غذائية معينة، وبالتالي لا يمكن أن نرتقي بالنشاط الزراعي العائلي في غياب الاعتراف والاحتفاء بهذا النشاط الرئيسي للعائلات، هذا بالإضافة إلى المرافقة الدورية للأنشطة الزراعية العائلية فيما يخص التأمين والأدوية على مدار السنة.