تقديم: محمد سيف الإسلام بوفلاقة تعدّ مجلة بونة للبحوث والدراسات واحدة من المجلات الجزائرية والعربية البارزة التي فتحت دروباً للنقاش والحوار العلمي العميق والرصين، وأضاءت سماء الفكر والإبداع والمعرفة، وامتازت بحضورها على الساحة الثقافية بمواضيعها، وأبحاثها العميقة، والجادة التي تمازج بين الأصالة والمعاصرة، لتضمن التواؤم بين القديم والجديد، بحسب ما أفاد به محمد سيف الإسلام بوفلاقة أستاذ بجامعة عنابة. أوضح في هذا الإطار، أن العدد الثاني من المجلة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كتب فيه عدد كبير من الباحثين، والعلماء المتميزين، اشتمل على مجموعة من الدراسات القيّمة عن جمعية العلماء المسلمين، وأفكارها، ونهجها الإصلاحي، كما تناول قضايا كثيرة تتعلق بمبادئها، وأسسها، ومشروعها الإصلاحي، وقد قسِّم العدد إلى قسمين رئيسين: خصّص القسم الأول للأبحاث والدراسات، ونجد فيه دراسة للدكتور رابح تركي مامرة، موسومة ب: « التعريف بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين: نشأتها، أهدافها، وأعمالها التربوية الوطنية، ودورها في ثورة الفاتح نوفمبر»، وقد قسّمها إلى عدة عناصر، حيث عرّف بالجمعية، وفي العنصر الثاني تحدث عن المبادئ التي ناضلت من أجلها، وتطرق لأركانها، وسلّط الضوء على محاربتها لسياسة التجنيس، والإدماج، بكل قوة وعنف في جرائدها وخطبها ومختلف شعبها. نقرأ في هذا العدد مقالاً للدكتور عبد الملك مرتاض تحت عنوان: «جمعية العلماء: الأسس، والمبادئ، وجبهات النّضال... «، ذكر فيه في البدء أن جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين مؤسّسة فكريّة وتربويّة ودينيّة كبيرة، وهيئة سياسيّة متألّقة تعتمد الثقافة والعلم والفكر سبيلاً لها في تحقيق أهدافها، وإجراءً في نشر أفكارها وآرائها. وهي هيئة لم يعرف التّاريخ الثقافيّ، ولا السّياسيّ مثيلاً لها في الجزائر، كما رأى أنها فلتة في التّاريخ الوطنيّ فلا تتكرّر، وهي أنجح الحركات الإسلاميّة في بلوغ بعض غاياتها، وقدم عدة براهين على ذلك. في حين الدكتور محمد بن سمينة -رحمه الله-، فقد أفرد مقاله للحديث عن «مسار الجهاد السياسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، من خلال تجربة رئيسها الإمام ابن باديس في المؤتمر الإسلامي 1936، وقد وصف بحثه هذا بأنه ينظر في بعض الصفحات من سجل مسار الجهاد السياسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، رائدة الحركة الوطنية الحضارية، وذلك من خلال تجربة الإمام عبد الحميد ابن باديس ( 1889/ 1940) مؤسس هذه الحركة، في المؤتمر الإسلامي المنعقد 1936 في الجزائر العاصمة. لاحظ أن إسهامات الإمام في العمل السياسي، قد شملت هذا الميدان بجانبيه النظري والعملي وقد تمركزت مناقشته لإجلاء هذا الموضوع في المحاور الآتية: في الحقل النظري، في البعد السياسي، في المشروع الباديسي، مفهوم ومنهج، اختيار وتعليل، وفي الحقل العملي من خلال معالم من مسار الجهاد السياسي للإمام ابن باديس، وتجربته في المؤتمر الإسلامي، نضج وتطور، وخلص فيها إلى التأكيد على أن الإمام ابن باديس، قد استمر على هذا النهج إلى آخر حياته مجاهدا في سبيل نصرة دين الله الإسلام، ولسانه اللّغة العربية، مدافعا عن الجزائر قيمًا ومقوّمات، حقوقًا وتطلعات. كتب العلاّمة الشيخ عبد الرحمن شيبان-عليه رحمة الله- عن «جمعية العلماء وثورة التحرير المباركة»، وقبل أن يتحدث عن دور الجمعية في ثورة التحرير المظفرة، قدم نبذة مختصرة عن تاريخ الجمعية، وأكد على أنها قد أدت مهمتها التي فرضها الله، والوطن عليها في الإطار العام للحركة الوطنية الجزائرية قبل الثورة المسلحة وأثناءها، وهي الآن ما زالت قائمة تواصل رسالتها نحو الإسلام الهادي إلى سواء السبيل في كل عصر وفي كل مصر، قال الأستاذ الجامعي. قال أيضا أنه في هذا القسم يوجد مقالاً للشيخ أحمد حماني- رحمه الله- عن ابن باديس والثورة، تطرق فيه إلى جملة من القضايا الهامة، ومن أبرز ما جاء فيه ما رُوي عن تلاميذه وهو أن الشيخ ابن باديس كان منذ 1356 ه (1937 م) يصرّح بعزمه على الثورة المسلحة، وفي بعض هذه التصريحات أنه يخشى أن يدفع الأمة إليها قبل كمال الاستعداد، قائلا: «إن من ذلك ما سمعته بأذني وحضرته، بنفسي في إحدى أمسيات خريف 1939 م في مجلس بمدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة». تطرق الحديث إلى موضوع الحالة السياسية بالجزائر بعد إعلان الحرب، وموقف بعض كبار رجال الأحزاب السياسية الذين جندوا –إجباريا أو تطوعا– في صفوف الجيش الفرنسي، وكان الشيخ رحمه الله متألما جدا من هذا الضعف فيهم، وقد صرّح بما فحواه: «لو أنهم استشاروني واستمعوا إلي وعملوا بقولي، لأشرت عليهم بصعودنا جميعا إلى جبال الأوراس، وإعلان الثورة المسلّحة». وقد اختتم هذا القسم بمقال الدكتور سعد بوفلاقة الموسوم ب: « ابن باديس: لمحات في سيرته، وجوانب من جهوده الإصلاحية والتربوية»، وقد ناقش فيه جملة من القضايا من أهمها حديثه عن منهجه في الإصلاح والتربية، فقد رأى أن منهجه في الإصلاح والتّربية يختلف عَمّن سبقه من المصلحين لأنه استطاع أنْ يربط بين الحياة الاجتماعية، والحياة الثقافية، أي: ربط بين الإصلاح الديني والاجتماعي، كما كان إصلاحه تطبيقيا أكثر منه نظريا وهذا الذي لم يوفق فيه غيره من المصلحين السابقين له، أضاف بوفلاقة. في القسم الثاني، أشار المتحدث إلى أن المجلة تحتوي على مقتطفات هامة من آثار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، هي: شعب الجزائر مسلم، وبيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتأييد الثورة المباركة للشيخ الفضيل الورتلاني، ونداء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى الشعب الجزائري، للشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وفاجعة قسنطينة أو معركة قسنطينة بين المسلمين واليهود، وفتوى جمعية العلماء فيما يخصّ التجنيس بالجنسية الفرنسية، وأيتها الحرية المحبوبة، ولمن أعيش؟! لابن باديس، والشّاب الجزائري كما أتمثله.. للشيخ الإبراهيمي، وجاء الحق وزهق الباطل.. للشيخ الطيب العقبي..