يسلّط توفيق حسني الخبير في شؤون الطاقة في هذا الحوار الخاص ل»الشعب الاقتصادي» أضواء تحليله على مؤشرات السوق البترولية في ضوء النتائج السلبية لاجتماع الدوحة، الذي فشلت فيه البلدان من كبار المنتجين من داخل وخارج منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبيب» في تجسيد اتفاق لتجميد الإنتاج المسجل في جانفي الماضي قصد إعطاء فرصة للأسعار لتستعيد توازنها بعد أن عرفت انهيارا قويا بسبب تخمة العرض وتراجع الطلب وانتشار الأسواق الموازية خاصة في المناطق البترولية التي يفتقد فيها الأمن. ويتناول محدثنا - الذي يتابع تطورات السوق البترولية وسبق له أن توقع ما وصلت إليه حاليا- مختلف جوانب الموضوع مع إعطاء رؤية مستقبلية خاصة بالنسبة للجزائر التي تواجه صعوبات جراء الصدمة المالية الخارجية، مبرزا في هذا السياق أهمية التوجه إلى بناء مسار تحول اقتصادي يرافقه بالموازاة وفي الجوهر تحول طاقوي يرتكز على اعتماد خيار الطاقات المتجددة البديلة وأبرزها الطاقة الشمسية وإطلاق صناعة الألواح والمعدات اللازمة لذلك. وهو ما ينبغي أن يتم من خلال تنمية التعاون مع الجامعات ومراكز البحث والتنمية. وفيما يلي مضمون الحوار كاملا: «الشعب الاقتصادي»: انتهى اجتماع الدوحة لكبار منتجي النفط في العالم من أجل تجميد النتاج دون انجاز اتفاق ينعش الأسعار، ما هي قراءتك للأسباب والخلفيات؟ توفيق حسني: من خلال متابعة التطورات فإن الأسباب متعددة: أولا: ينبغي التذكير بأن المبرر الذي قدمته السعودية كان الحفاظ على حصتها في السوق أمام البترول الصخري وكسبت المعركة الأولى مؤخرا في ظلّ تراجع الإنتاج في أمريكا مؤخرا. من المنطقي أن لا تكسب الحرب إذا ارتفعت الأسعار إلى 50 دولار، علما أن المؤسسات البترولية الأمريكية يمكنها أن تستمر بهذا المستوى من الأسعار بحيث تتردد البنوك في ترك تلك الشركات تؤول إلى الإفلاس. غير أن التوجه هذا العام يكون مصيريا، ذلك أن البنوك الأمريكية ستكون مضطرة لترك الشركات البترولية الأمريكية تواجه مصيرها، ولذلك فإن العربية السعودية لن تقلل من وتيرتها. صحيح أن السعوديين قبلوا تقليص العجز المسجل في الصناعة الأمريكية عن طريق إعادة شراء اكبر مصفاة أمريكية تعرضت للإفلاس. ثانيا: هناك أيضا عناصر أساسية لشرح انهيار مستويات الأسعار. فقد سجل انجاز مستوى للمخزون بحولي 540 مليون برميل وهو رقم لم يحدث منذ عشرات السنين ومن ثمة يفهم عشية حلول موسم الصيف أن مستوى المخزون مرتفع جدا. ثالثا: الكل يعلم ويشير إلى الخلاف القائم بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية وتداعياته بالتأكيد مباشرة على تقلبات السوق البترولية ومن ثمة تراجع أسعار البرميل. هل يمكن تحديد حجم الإنتاج الحالي ومستوى المعروض الفائض المسجل في السوق البترولية؟ ^^ يقدر حجم إنتاج البلدان أعضاء «أوبيب» بحوالي 32,5 مليون برميل يوميا. ويجب العلم أن الأرقام الحقيقية غير معروفة بشكل دقيق، لذلك فإن الفائض التبرولي المعروض في السوق يقدر بحوالي 2,5 مليون برميل / يوم. ومع ذلك، فإن الإنتاج الحقيقي لبعض البلدان لا يمكن تجاهله كما هو الحال بالنسبة لإيران التي تفيد مؤشراتها أنها وضعت في السوق 400000 برميل /يوم، وبإمكانها كما تتجه إليه تصدير في المدى القريب 2 مليون برميل / يوم مع إبداء النية الصريحة إلى بلوغ الحصة التي كانت لديها في الماضي (أي قبل العقوبات الدولية) والمقدرة ب 4 مليون برميل / يوم. ولذلك فإن الفائض سيرتفع خاصة في الصيف الذي يتميز بتراجع الطلب. بالمقابل ماذا عن انعكاسات النزاع العميق بين المملكة السعودية وجمهورية إيران وتداعيات الموقف الروسي أيضا؟ ^^ صحيح، إن الخلاف القائم بين العربية السعودية وإيران مدرج في المعادلة بل أن بعض بلدان الخليج يرون الطلب الإيراني منطقيا برد الاعتبار لمستوى حصتها الإنتاجية السابقة قبل الحديث عن مسألة تجميد الإنتاج. وسبق أن وجد مثل هذا المطلب قبولا بالنسبة لحالة العراق غداة خروجها من الحرب. من جانب آخر وبخصوص الموقف الروسي، فإنه يشبه موقف إيران، كون روسيا تعاني من عجز في الموازنة لنفس الأسباب الخاصة ببلادنا أيضا، كون أنها (أي روسيا) تعاني هي الأخرى من تبعية مفرطة للمحروقات كما أنها بلد يمر بركود، ومن ثمة يجب عليه أن يعثر على محاور متنوعة للنمو، والمخرج الوحيد بالمقابل الارتكاز على البترول والغاز وهما قطاعان يعرفان تراجعا غير مسبوق من حيث الإيرادات. لكن بالموازاة، أين يمكن ترتيب موقع الولاياتالمتحدة (الحاضر الغائب) في كل هذه التقلبات؟ بالنسبة لموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإنه يتطابق مع موقف العربية السعودية فيما يخص السعي لإضعاف روسيا اقتصاديا. وبالنظر لعدم استسلام روسيا فإن البلدين يواصلان الضغط على أسعار الخام. وتبقى أمريكا البلد الوحيد الذي لا يعاني من تراجع أسعار برميل النفط كون الإنعاش الاقتصادي هناك حقيقي والبطالة في أدنى مستوياتها إلى جانب أن الأموال السعودية تساعد الاقتصاد الأمريكي. (وفرة السيولة). فيما يخصّ بلدنا الجزائر أمام هذا التحدي الصعب، ماذا يمكنها القيام به وماذا عن الدور الخاص بالدبلوماسية الاقتصادية؟ في ظلّ هذه الوضعية، فإن بلدنا الجزائر ليس أمامه الكثير من الخيارات، ولذلك فإن الخيار الأنجع يتركز حتما حول ضرورة تنويع اقتصادها. وفي هذا الإطار وقصد تجاوز التداعيات السلبية ينبغي أن تبادر بإطلاق مسار التحول الاقتصادي وذلك باعتماد سبيل التحول الطاقوي. بالموازاة لا يمكن التعويل على الدور الدبلوماسي، ذلك أنه إذا اعتمد على نشاط دبلوماسي تجاه أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول «اوبيب» فلا يمكن تحقيق الكثير من ورائها بفعل الخلافات مع أكبر المنتجين (السعودية). وكون ليس لدينا ما يصدر خارج المحروقات في الوقت الراهن على الأقل فلا خيار سوى النفط والغاز لضمان الحد الأدنى من الموارد المالية في انتظار انجاز اقتصاد إنتاجي ومتنوع وهو التحدي المصيري خاصة في المديين المتوسط والطويل. في هذا الإطار يطرح خيار التحول الطاقوي من أجل تجاوز الظرف الراهن، ما هي الإمكانيات والصعوبات من أجل إرساء ذلك؟ بالفعل يشكل التحول الطاقوي موضوع نقاشات متعدّدة، وحان الوقت للتنسيق من خلال جمع كافة الخبرات الجزائرية وهي موجودة. إن المسارات نحو ذلك محددة، وعليه فإن الطاقات المتجددة وأولها الطاقة الشمسية والألواح الشمسية ينبغي أن تكون البديل الأكثر واقعية مع إشراكها بالغاز الطبيعي في مشاريع هجينة. ويوجد جانب آخر مهم يتعلق بالفعالية الطاقوية ومكافحة التبذير بحيث أن البلاد لا يمكنها أن تواصل في ترك الاستهلاك يصل مستويات لا يمكن تلبيتها. وبرأيي لا يمكن تحقيق هذا وتجسيده إذا لم ندرك بان التحول يكون له طابع منهجي ومنظم. ويقود هذا بالضرورة إلى إصلاحات شاملة للنظام الاقتصادي. وهناك عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو ضرورة الدخول وبشكل مباشر وواضح في اقتصاد اخضر وهو اقتصاد يضمن تحقيق التنمية المستدامة ومن خلاله يتم التوصل إلى حماية الموارد التقليدية للأجيال المستقبلية. إنه اقتصاد يحمي البيئة ويكتسي طابعا مندمجا بحيث يستوعب البعد الاجتماعي ويحمي الفئات الاجتماعية المحدودة.