المنعرج الحاسم في النضال التحرري للجزائر إنشاء قناة تلفزيونية تهتم بالتاريخ الوطني حماية للذاكرة منذ سنة 1830 تاريخ الاحتلال الفرنسي للجزائر، وسفاحوها يرتكبون إبادة جماعية ضد الشعب الجزائري، وصولا لمجازر الثامن ماي 1945 التي تعد واحدة من أبشع الجرائم المرتكبة في حق شعبنا ومثيلاتها كثيرة يجهل بعض منها، هذا ما أوضحه المجاهد ووزير سابق وعضو مجلس الأمة صالح ڤوجيل لدى نزوله ضيفا على منبر جريدة “الشعب”، بمناسبة الذكرى 71 لمجازر الثامن ماي 1945. استهل صالح ڤوجيل مداخلته بالحديث عن السياسة الاستطانية الممنهجة للاستعمار الفرنسي في الجزائر، منذ تاريخ احتلاله سنة 1830، قائلا إن الاستعمار الفرنسي للجزائر يختلف عن استعمار تونس والمغرب ومصر، فهو استيطاني جاء لتعويض الشعب الجزائري بشعب آخر من حثالة أوروبا. كما أن الإدارة الاستعمارية كانت تقوم بإحصائيات كل أربعين سنة لمعرفة تعداد الشعب الجزائري إن ارتفع أو انخفض، فمنذ 1830 إلى 1870، أي قرابة أربعين سنة، أظهرت الأرقام أن هناك 3 ملايين جزائري وفي 1910 قاموا بإحصاء آخر فوجدوا العدد انخفض إلى مليونين. وبحسب المجاهد، فإن هذه الإحصائيات دليل قاطع على حرب الإبادة التي ارتكبها الاحتلال الاستيطاني في حق شعبنا الأبي، مشيرا إلى أنه بحلول سنة 1950 أصبح عدد الجزائريين 6 ملايين، كون الاستعمار خفّف من سياسة الإبادة التي انتهجها منذ دخوله، بحكم ظروف الحرب العالمية الثانية، حيث عمد لتجنيد آلاف الجزائريين من 20 إلى 22 سنة لإقحامهم في حرب الحلفاء ضد النازية من 1942 إلى 1944، منهم الشهيد مصطفى بن بولعيد، كريم بلقاسم، محمد بوضياف، أحمد بن بلة، محمد ڤوجيل... الذين تنقلوا من سكيكدة الى مدينة نابل الإيطالية وساهموا في المعارك الكبرى، منها معركة “كاسينو”، حيث أعطتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية الإمكانات من أسلحة وطيران حربي ووسائل نقل. وأضاف قوجيل، أن الجزائريين كان لهم وعي وتنبهت الحركة الوطنية لتصريح الرئيس الأمريكي روزفلت، الذي يقرّ فيه بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وقاموا سنة 1944 بتأسيس تنظيم تجنّدت فيه كل التيارات السياسية الوطنية يسمى “أحباب البيان”، برئاسة فرحات عباس، هذا الأخير سلم الوثيقة لقنصل أمريكا في الجزائر مورفي، تتضمن مطالب الشعب الجزائري. لكن الجزائريين دفعوا ثمن احتفال الحلفاء بالانتصار على النازية بسقوط 45 ألف شهيد في سطيف، قالمة وخراطة، مشيرا إلى أن المنطقة التي كان يقطن فيها، وهي قرية ياقوت، كانت بين سطيف وباتنة، حيث كان هناك سوق أسبوعي يأتيه المتسوقون من كل المناطق، وفي يوم الثامن ماي كان يشاهد المعمّرين ومعهم السجناء الألمان والإيطاليون الذين تم تسليحهم، يذهبون إلى سطيف مرورا بقريتهم لقتل الجزائريين، ثم يعودون إلى مزرعتهم. وأبرز في سياق حديثه، أن مجازر 8 ماي 1945 لم تكن الوحيدة التي ارتكبت في حق الجزائريين، بل هناك مجازر إبادة عديدة مسكوت عنها، منها قصف منطقة الأوراس بالنابلم سنة 1954، مضيفا أن هذه المجازر خلقت حركية تفكير في عدم البقاء على الهامش، وضرورة انتزاع الاستقلال بالسلاح؛ اللغة التي يفهمها الاستعمار، حيث جاءت الظروف للمساعدة على القيام بالثورة. الثورة نجحت لأن بيان أول نوفمبر كان القاسم المشترك أكد عضو مجلس الأمة في هذا الإطار، أن الثورة الجزائرية نجحت، رغم بعض المشاكل والتصفيات وتمكنت من زعزعة أركان الاستعمار بإسقاط سبع حكومات وانقلاب عسكري كاد أن يودي بالجيش الفرنسي إلى الهاوية، لأن قاسمها المشترك هو بيان أول نوفمبر 1954، الصالح لكل زمان ومكان والذي كتبه مناضلون متشبّعون بأدبيات الحركة الوطنية، رغم مستواهم التعليمي المحدود، خاصة دعم الشعب الجزائري الذي لولاه لما استمرت الثورة. كما أن الجنرال شارل ديغول احتج رسميا لدى رئيس الجمهورية الإيطالية عن نشر إحدى القنوات المتلفزة التي فضحت جرائم فرنسا ببث صور لمجازر 8 ماي 1945 التي ارتكبت ضد الجزائريين. وفي سرده للأحداث، قال قوجيل إنه، بعد عامين من مجازر 8 ماي 1945، أراد الاستعمار الانفتاح على السياسة بالسماح لبعض الأحزاب الوطنية بممارسة نشاطها السياسي بشكل رسمي، منها حزب الشعب الجزائري الذي غيّر اسمه إلى الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، الذي عقد مؤتمره وشارك في الانتخابات ونجح بأغلبية، لكن فرنسا منحتهم خمسة مناصب فقط وضعت مكانهم الجزائريين الموالين لها. وأضاف، أن اللجنة المركزية فكرت سنة 1947، في تنظيم مسلح وهو إنشاء المنظمة الخاصة “لوس” برئاسة محمد بلوزداد، التي كان لها فروع عبر كل القطر الجزائري لمواجهة الاستعمار الفرنسي عسكريا، لكن أكتشف أمر المنظمة سنة 1950 فقررت اللجنة المركزية تجميدها، في حين رفض الشهيد بن بولعيد هذا القرار، وبقي تنظيمه ينشط على مستوى الولايتين الأولى والثانية أي الأوراس والقبائل. وفي ردّ ضيف منبر “الشعب” على سؤال حول اعتراف فرنسا بجرائمها، أجاب قائلا: “مادمنا قانعين بما حققناه لا يهمنا اعترافها، فنحن لم ننتظرها حتى نسترجع سيادتنا، فالحرية انتزعناها بقوة السلاح ودم الشهداء”. مضيفا، أن آخر كلمة كان يرددها الشهداء قبل موتهم هو الحفاظ على الجزائر، وهذه مسؤوليتنا، لأنه بدون الشهادة لما حققنا الاستقلال وتقلدنا مناصب لم نكن نحلم به. ولأول مرة يكشف قوجيل ل “الشعب”، أن قيادة جبهة التحرير الوطني، أقرت أن الجزائريين فقط هم من يسيلون دماءهم على الجزائر لا غير، وثانيا حين نتفاوض مع حكومة المحتل لا يجب أن تكون هناك وساطة بيننا، رغم أنه كانت هناك محاولات من ملك المغرب محمد الخامس، ورئيس تونس بورقيبة، وجمال عبد الناصر والماريشال تيتو، قائلا: “هذا الموقف كان صائبا للحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية، لو لم نفعل ذلك بفضل حنكة وتفطن قادة الثورة، لحدث لنا ما يجري الآن في فلسطين التي لم تتمكن من تسوية قضيتها”. وشدد المجاهد على ضرورة قراءة التاريخ، بشكل جيد وبتمعن لمعرفة الحاضر واستشراف المستقبل. وبحسبه، فإن كتابة التاريخ ليس بالأمر الهين، كون هناك من يتطفل على التاريخ بمذكراته. وفي هذا الصدد، اقترح على جريدتي الشعب والمجاهد، إنشاء قناة تعنى بالحديث عن أهم المحطات التاريخية الحافل، باعتبارهما رمزا وجرائد الثورة الجزائرية ولهما ما يكفي في هذا المسار من حيث الأرشيف، وهذا بالتنسيق ودعم من الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة المجاهدين. مثلما هو معمول به بفرنسا. وفيما يتعلق بالأرشيف الخاص بالثورة وأكثره يوجد لدى المكتبات الفرنسية، يرى محدثنا أن كل ما يوجد في الأرشيف ليس بالضرورة أن يكون حقيقة، منها قضية تآمر العقداء الذي، بحسبه، هو خلاف داخلي، لكنه صور على أنه أزمة كبيرة، مشيرا إلى أن كل ما يمس المصالح الفرنسية لا تمنحه للجزائر، قائلا: “يجب تنظيم أنفسنا قبل المطالبة بالأرشيف من فرنسا”.