من السذاجة بمكان التذكير بأن رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان وجهان لعملة واحدة وتحديدا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والتسوية بشكل عام ، فهما معا يعكسان برنامج الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة . وقد قدما للعرب والفلسطينيين والمسلمين والعالم اجمع حقيقة بلا رتوش تقول إن إسرائيل لا تريد السلام الذي عنه يتحدثون , وهما معا اشترطا على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية ولليهود ، وهما معا اعتبرا أن تفاهمات انا بوليس وما قبلها وما بعدها ماتت وعفا عليها الزمن , وهما معا يختصران الصراع العربي الصهيوني بمجالي الأمن والاقتصاد، ويعتبران أن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني قد وصلت إلى طريق مسدود ، بما يعني أن حل الدولتين في نظرهما قد سقط، وبات في خبر كان , وبالتالي فالحكومة بقيادتهما غير معنية بالاتفاقيات والتفاهمات ولا حتى بالمبادرة العربية للسلام . فما هي قيمة التمييز بينهما أو تفضيل احدهم على الآخر , وما هي قيمة التودد لحكومة إرهابية على هذه الشاكلة ؟ هذه مواقف معروفة للرجلين، وسبق أن أعلناها جهاراً نهارا قبل أن يصلا إلى موقعيهما الحاليين وبعد ذلك. لكن البعض لا يريد أن يرى أو يصدق ذلك . هذا البعض غير مستعد للتخلي عن خيارات إستراتيجية تضعه في مأزق في غياب البديل , على الرغم من أن هذه المفاوضات ليست أكثر من غطاء للإيحاء بأن عملية التسوية ماضية ولم تتوقف وإن كانت لا تحقق شيئاً. إن الحكومة الإسرائيلية الحالية كانت حاسمة وواضحة، ومواقفها كانت أمام المبعوث الأمريكي جورج ميتشل المكلف بالبحث عن إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية أكثر وضوحا . وحسناً فعل نتنياهو وليبرمان لوضع الجميع أمام مسؤولياتهم، إذ عليهم بعد الآن أن يحددوا مواقفهم في ضوء الموقف الإسرائيلي الذي يقول علانية وصراحة، إن حل الدولتين غير مطروح، وإن الاحتلال باقٍ، وإن أقصى ما تقدمه إسرائيل هو السلام مقابل السلام، ولقاء ذلك على الفلسطينيين والعرب أن يقبلوا بالأمر الواقع والسلام الاقتصادي، وبإسرائيل دولة يهودية نقية وصافية بما يعنيه ذلك من طرد لما تبقى من أصحاب الأرض العرب من داخل فلسطين إلى خارجها كي يضافوا إلى ملايين اللاجئين في الشتات بعد أن قطع نتنياهو وليبرمان أي أمل بحق العودة ولا حتى البحث فيه . والحال هذه كنا نتوقع من هذا البعض وحرصا على المصالح العربية العليا وعلى مكانتهم أن يبادروا بقطع علاقاتهم مع إسرائيل ويغلقوا السفارات والمكاتب ويضعوا حدا للتطبيع معها ويجمدوا مبادرة السلام العربية . وعوضا عن ذلك رأينا شيئا لم يتغير , نتانياهو تلقى دعوة لزيارة أم الدنيا في الوقت الذي تتعمد فيه مصر توتير علاقاتها مع أكثر من طرف عربي لأسباب في مجملها غير مقنعة. بدءا من قطر وغيابها عن القمة العربية التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة لدعم غزة في مواجهة العدوان الهمجي الإسرائيلي مرورا بافتعال أزمة مع إيران وحزب الله الذين تتهمهما بتدبير مؤامرات لاستهداف الأمن المصري العام ..! وخلال المحادثات التي أجراها الوزير سليمان في إسرائيل وجه أيضا دعوة رئاسية إلى وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك بطل مجازر غزة لزيارة القاهرة , كما التقى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان من وراء ستار ، وفق ما أفادت المصادر الإسرائيلية . ولا نعرف سر هذا التسامح المصري مع إرهابيين هدد احدهم بقصف سد أسوان وإغراق مصر وتطاول على رئيسها . وكان الاجتماع بين سليمان ونتنياهو قد تركز على "العلاقات الثنائية والتهديدات الإرهابية ومصير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والوضع في قطاع غزة" حسب نفس المصادر , وعلى ذلك يبدو واضحا أن زيارة الوزير سليمان اقتصرت على توجيه الدعوات وبحث موضوع شاليط . فالعلاقة الثنائية على خير ما يرام سياسيا من حيث العداء المشترك لإيران وحزب الله , وكذلك اقتصاديا من حيث ازدهار التجارة وتصدير الغاز رغم الرفض الشعبي والمحاكم , وامنيا فقد عبر مسئولون امنيون إسرائيليون غير مرة عن ارتياحهم لجهود السلطات المصرية في تدمير الأنفاق ومكافحة تهريب الأسلحة إلى غزة بما فيها حماس . فإذا كانت القاهرة ومعها عرب الاعتدال لا يزالون يدعمون إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في 1967 و يطالبون بوقف الاستيطان. وهم يعلمون جيدا أن حكومة نتانياهو ترفض انسحابا من هذا النوع ولا تفكر في إقامة دولة فلسطينية تتمتع بالسيادة وتعتزم مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية والحرب على غزة , فعليهم البحث عن وسائل ضغط أخرى غير هذه التي تفتح شهيتها لإذلال العرب . أم هي سياسة الاستجداء ؟