يزور بابا الفاتيكان، بنديكتوس السادس عشر، فلسطين هذا الأسبوع، للمرة الأولى منذ توليه مقام البابوية، خلفا للراحل يوحنا بولص الثاني، لترى عيناه مدينة بيت لحم، التي شهدت ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، في حصارها الجديد، وقد فصلها عن القدس الشريف، جدار يصفه بُناته بالعازل، ويصفه كل من وطأ الأرض بالعنصري. فهل يقولها البابا انحيازا منه لحرية كنيستي المهد ببيت لحم، والقيامة في قدس الأقداس، سيما أن سلفه السابق انتقد مجاهرا، البناء العنصري عند بداية التشييد، قائلا: أن العالم بحاجة إلى جسور وليس إلى جدران ! نشرت وكالة رويترز تقريرا، عن الزيارة والزائر، وأسهبت في وصف أول ما يمكن أن يشاهده البابا في حضرة الأرض المقدسة، فقالت بحيادية أنه ڤلا يمكن للبابا أن يزور بيت لحم دون أن يواجه الجدار الضخم الذي يمر بينها وبين القدس إلا إذا سافر معصوب العينين. ويتطلب السفر عبر ڤطريق الخليلڤ القديم من القدس إلى بيت لحم الذي يمر بقبة راحيل المقدسة لدى اليهود أن تفتح قوات الأمن الإسرائيلية ثلاث بوابات كبيرة من الفولاذ تبدو كالأهوسة في قناة من الاسمنت. ويتألف الجدار من ألواح إسمنتية سابقة التجهيز يبلغ ارتفاعها نحو ستة أمتار وهو نوع من البناء ربما يكون مألوفا لبنديكتوس وهو من ألمانيا حيث كان سور برلين يرمز لانقسام أيديولوجي عميق واستمر 28 عاما.ڤ على طريق الوصال الإسلامي المسيحي في فلسطين، تبدو المقدسات موصولة في المصير والمآل أيضا، في شراكة ملحمية مشرفة، على خط مواجهة سياسية الإلغاء والإقصاء والتضييق، التي تتبعها الدولة العبرية، بحق كل كتاب عربي، فيه تلاوة أو ترنيمة، يرددها عابد منحاز لإنسانيته، حتى غدت الأخوة الفلسطينية، بين المسيحيين والمسلمين على حد سواء، محط استهداف إسرائيلي من أجل ذاتها. فيما لم تدخر إسرائيل سابقا، جهدا خبيثا إلا وجربته لبث الفرقة، بين المسلمين والمسيحيين على أرض فلسطين، فضاع في جهدها التطلع والرجاء، وأثبت الفلسطينيون أن الأرض توحدهم في الرسالات السماوية، التي شهدت منها أرقى منازل الأنبياء والوحي، فاستعصى على إسرائيل ما كنا عصيين فيه. لقد كان ذلك قبل أن تولد الجبهة الإسلامية المسيحية، مبعث الاعتزاز الحقيقي، في تشكيلها للقيام على دعم وحفظ المقدسات بمآذنها وأجراسها، من العبث الإسرائيلي المتكرر في أنحاء الضفة الغربية، سيما القدس الشريف، التي تعيش مكاسرة استثنائية، في الصمود والتحدي والتوحد، ضد كل ممارسات وإجراءات دولة الاحتلال، التي لم تفرق بين عيد الأضحى قبل شهور، وعيد القيامة قبل أيام، في تقصدها لصد الواردين إلى بيوت العبادة ... فالله ثم الله فيك يا عدونا. تدرك إسرائيل أن الشراكة المصيرية، بين المسلمين والمسيحيين على أرض فلسطين، تحرج الدولة العبرية، وتقوض من مشروعها الاستعماري النافي للغير، لأن هذا يجعل إسرائيل في مواجهة مع نصف سكان الكون أو أكثر قليلا، سيما إن لامست المسألة حدود الروحانيات، التي تتوهج تحت قباب المآذن وأسقف الكنائس، بالتعدي والطغيان الحاصل بالمشيئة العبرية، ضد الديانات السماوية. فيما ندرك نحن أن لقضية الشراكة الإسلامية المسيحية، مسؤولية عن سلامة المقدسات وما جاورها، تتعدى حدود الإمكانية الفلسطينية ذاتها، ما لم يشاركنا فيها العرب، على طريق التكتل في استمالة مسيحي الغرب معنا، لوقف كل ممارسات التهويد الإسرائيلية الواقعة منذ ستين عاما، على أرض الرباط الإنساني العظيم، فلسطين. تشكل زيارة البابا لفلسطين، أولوية سياسية ودينية واعتبارية، يجب علينا استثمارها بالشكل المطلوب، الذي يمكننا من فضح إسرائيل، وإبراز وجهها القبيح، الساعي إلى فلترة السكان إلى يهود على الأرض، لا يجاورهم فيها حنفي أو نصراني. بينما تدلل خطوات البابا نفسها، ومحدودية حركته في الضفة الغربيةالمحتلة، على مدى الوقاحة الإسرائيلية، في التدخل فيما ينبغي للزائر زيارته، أو ما لا ينبغي له رؤيته، تحاشيا للتعليق الذي لا ترغب في سماعه إسرائيل. نرحب بزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر، في زيارته للأرض المقدسة، وتشرفه بوطء بيت لحم التي كان فيها ميلاد المسيح، عليه السلام، ونتمنى أن يكون على ذات شجاعة سلفه السابق، يوحنا بولص الثاني، صاحب المواقف المكتملة، في وصف ما يجري على الأرض، وقد اكتمل اليوم الجدار إلا قليلا، بخنقه القدس الشريف وعزلها عن توأمها المسيحي الإيماني، بيت لحم. كما نتمنى أن تحظى كنيسة القيامة بزيارة البابا الزائر، وإن لم تكن حتى الآن على جدول زيارة الضيف الكبير، لعله يشرح ما تقع عليه عيناه. لأن شرح المشاهدة ووصف المرئي، كافي بالنسبة لنا كفلسطينيين، بإدانة إسرائيل إدانة مطلقة، وتحميلها مسؤولية ما يجري على الأرض من تهويد وعربدة غير مسبوقة. فليت البابا يصف ويشرح ما يراه، ونحن كفيلون بتبيان ما بعد الشرح والتوصيف ... وإن حظينا بشرف مخاطبته الآن، فلن نقول له أكثر من يا أيها البابا: صِف ما تراه وفقط !