تشن وسائل الاعلام الاميريكية هذه الايام حملة اعلامية كبرى على ايران، احتجاجا على ما تعتبره تزويرا لنتائج الانتخابات الرئاسية التى أعلن فيها فوزالرئيس محمود أحمدى نجاد، وتضامنا مع منافسه مير حسين موساوى الذى أصبح، فى رأى الاعلام الاميريكى، منقذ ايران الاصلاحى. ولا نريد أن نقلل من أهمية الدعوى التى رفعتها الجهات الاصلاحية لمجلس صيانة الدستور والذى اعترف بنفسه حصول تجاوزات فى عملية الانتخابات، الا أننا نتساءل عن جدوى اهتمام الاعلام الغربى بالانتخابات الايرانية بهذه الدرجة و فى الوقت الذى ينقصها الدليل القاطع لاثبات فوز السيد موساوى . بل بالعكس، فان نتائج هذه الانتخابات جاءت متجانسة مع تنبؤات أكثر من 30 استقصاء اجرته جهات مختلفة، من بينها مؤسسات معروفة بولائها للاصلاحيين مثل مؤسسة أخبار العمال الايرانيين و تابناك، التى تنبأت بفوز الرئيس أحمدى نجاد بنسب فاقت العشرين بالمائة. لذلك نتساءل لماذا؟ ورد الاعلام الاميريكى على تلك الاستقصاءات بأنها نظمت فى فترات بعيدة عن موعد اطلاق الحملة الانتخابية التى، حسبهم، رجحت الكفة للاصلاحيين بزعامة السيد موساوى، متناسية بأن الرئيس أحمدى نجاد كان قد فاز بالمجادلات الثلاثة التى جمعته مع خصومه، و من بينهم السيد موساوى، والتى شاهدها الملايين من الايرانيين على شاشة تلفزيوناهم الوطنية. هذا ورغم أن ، وسائل الاعلام الاميريكية نفسها كانت تنتقد السيد موساوى وتشكو من عدم امتلاكه للكاريزما التى تساعده بالفوز . وبالمقابل سلطت وسائل الاعلام الاضواء على زوجته ،زهراء راهناورد، لدرجة أنها كتبت بأن الجمهور الايرانى يأتى لمهرجانات السيد موساوى للسماع فقط لزوجته وبمجرد ان تنهى القاء كلمتها، مباشرة يغادرالجمهور الحفل وبدون الاستماع لخطاب السيد موساوى . وفى هذا المجال، قدمت وسائل الاعلام الاميريكية نفس التحليل للتشكيك فى فوز الرئيس الايرانى بأصوات الآزريين الذى ينحدر من أصلهم السيد موساوى متجاهلة بأن الرئيس الايرانى يتقن اللغة الآزرية حيث مكث اكثر من ثمانية سنين بمقاطعتين آزريتين كموظف رسمى وكسبه سمعة طيبة لحسن أداءه للمهمه التى وكل بها حيث ساهم فى تطبيق برامج متنوعة استفاد منها اهالى تلك المناطق. علاوة على هذا فان الرئيس الايرانى عرف كيف يستغل هذه العلاقة ليكسب ود هذه الاقلية، فاستعمل شعارات شعبية آزيرية فى خطاباته لسكان هذه المناطق. وفوق هذا كله، تجاهل الاعلام الاميريكى حقيقة ان الامام على خامنائى نفسه من أصل آزرى. ان هذه الحجة تفقد اية مصداقية فهى تروج لفرضية غالطة ترى بأن الآزريين سيصوتون لصالح السيد موساوى لأنه منهم ولأسباب عرقية بحتة، وهذا ما جاء فى مقال الدكتور فلينت ليفرت من مؤسسة أميريكا الجديدة: مشروع ايران بمشاركة المستشارة السياسية هيليرى مان فلينت. وفى ظل غياب الدليل القاطع لاثبات التزوير، اعتمدت وسائل الاعلام الاميريكية على مراسليها والاعلام الالكترونى لتغطية الاحتجاجات التى نظمها انصار الاصلاحيين فى محاولة منهم الضغط على أعضاء مجلس صيانة الدستور والامام خامنائى لاعادة فرز الأصوات والبث فى حقهم. وفى هذا السياق، كانت التغطية الاعلامية الاميريكية منحازة للاصلاحيين حيث تجاهلت المظاهرات الاخرى التى نظمها انصار الرئيس احمدى نجاد. كما ركزت التقارير الاعلامية على وسائل البطش والاعتقالات التى مارسها ،حسبهم، أعضاء البسيج، مليشيا النظام . وبذلك أعطت صورة حية من ايران عن نظام الجمهورية الاسلامية كأنه دكتاتورى ولا يحترم حقوق الانسان وأن الاصلاحيين هم من دعاة الحرية ومقبلون على ثورة خضراء على نفس تلك الثورات التى أطاحت بالنظام الشيوعى سابقا . فما هو اذن هدف هذه الحملة الاعلامية ضد ايران؟ لآ يمكن ادراج أهداف هذه الحملة الا فى سياسة الرئيس السابق دبليو بوش الذى كان يحضر للاطاحة بالنظام الايرانى كما جاء فى مقال للكاتب سيمور حرش فى مجلة النيويوركه، 7 جويلية2008 ، بأن الكونغرس الاميريكى صادق على طلب من الرئيس بوش فى سنة2007 لتمويل عمليات استخبارية داخل ايران قدرت نفقاتها فى حدود 400 الف دولار من أجل تهديد استقرار النظام الايرانى و عن طريق تعبئة الاقليات من بلوشيين وعرب الاحواز. ولكن وصول الرئيس الحالى الى البيت الابيض، ومد يده للتحاور مع القيادة الايرانية، ابطل ذلك المشروع . وبهذا المنطق استطاع الجناع المناقض لسياسة الرئيس اوباما أن يعيد سياسة الاطاحة بالنظام الايرانى الى الافق السياسى الاميريكى وكسب الرأى العام الاميريكى، وكذا الغربى، و تعبئته من ضد ايران بمساعدة استعمال وسائل الاعلام. فمن هنا وصاعدا، سيصعب على الرئيس الاميريكى أن يمضى قدما فى سياسة التحاور مع ايران، لاسيما وأن جميع أعضاء مجلس النواب بالكونغرس، باستثناء نائب واحد واثنان تغيبا، صوتوا أخيرا على لآئحة عبرت عن تضامنهم مع الاصلاحيين. وهذا ما سيكون من أحد مبرراتهم للاعتداء على ايران، معللين بأن مهمة أميريكا انسانية، وليست استعمارية لأن هدفها تحرير ايران من بطش الدكتاتورية والحكم العسكرى، وهذه كلها تعاليل تعود المشاهد الاميريكى على رؤيتها هذه الايام. أخيرا أن مانراه اليوم من تغطية واسعة، وبطريقة استغلالية، لأحداث ايران هو استمرار لسلسلة من المواقف اتخذتها اميريكا ضد قوى اعتبرتها مهددة لمصالحها الوطنية أومصالح حلفائها. فعلى سبيل المثال مازالت وسائل الاعلام الاميريكية ترفض الاعتراف بفوز كتلة حزب الله بنسبة 53 بالمائة فى الانتخابات التشريعية الاخيرة. ومازال الخط الرسمى الاميريكى والعام يشترط على حماس التى فازت بالاغلبية فى الانتخابات التشريعية فى سنة 2005 بالاعتراف اللامشروط باسرائيل قبل أن تتعامل معها. أكيدا، أن من حق المعارضة الايرانية أن تحتج على نتائج الانتخابات، و صحيحا بأنه يصعب التأكد من شفافية الانتخابات الايرانية لأن الايرانيين رفضوا حضور مراقبين دوليين لمراقبتها، ولكن قبل أن تحكم وسائل الاعلام الاميريكية عليها بأنها مزورة كان من واجبها المهنى أن تقدم الدلائل التى تثبت تزويرها، والا ما جدوى اساس القانون الاميريكى الذى يؤمن ببراءة الشخص قبل اثبات اتهامه. وهذا معناه أن وسائل الاعلام الاميريكى تقيس بمكيالين، واضعة الاعتبارات الاستراتيجية فوق القانون، وليس تحته، كما هو مفروضا .