المتابعة الإعلامية لانتخابات الرئاسة في إيران تحولت إلى ما يشبه الحرب الإعلامية التي تشنها وسائل الإعلام الغربية، وتنقاد وسائل الإعلام العربية إلى هذه الحملة بغباء منقطع النظير حتى أننا لا نكاد نميز موقفا عربيا من الحراك السياسي داخل إيران رغم أن العرب أقرب إلى إيران سواء حسبنا المسافة جغرافيا أو ثقافيا. في يوم الانتخابات اتجه مير حسين موسوي، وهو أبرز منافسي محمود أحمدي نجاد، إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنائي ودعاه إلى حماية الانتخابات،ولم تكن الدعوة موجهة إلى أمريكا أو إلى أوروبا، ولا حتى للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، فالإيرانيون، من إصلاحيين ومحافظين، لا يختلفون اليوم حول النظام ومبادئه، ولعل هذه من نقاط القوة التي تميز إيران اليوم، وما يجري من تنافس إنما يتم وفق قواعد لعبة يلتزم الجميع باحترامها، ولا يبدو أن هناك من سيجرؤ على الدعوة إلى تجاوز المبادئ التي جاءت بها الثورة التي غيرت وجه إيران والمنطقة منذ ثلاثين عاما خلت. الصورة التي يراد تسويقها في الغرب هي عن صراع محتدم بين إصلاحيين يريدون نظاما ليبراليا وبين محافظين يتمسكون بحكم الملالي، وهذا التبسيط يعطي صورة مشوهة عن واقع فيه تعقيدات كثيرة، وأكثر من هذا يتم الإيحاء، من قبل وسائل الإعلام الغربية والعربية، أن هناك مجموعة من رجال الدين سطت على السلطة وهي الآن تمارس الديكتاتورية الصريحة وتمنع التغيير الذي ينشده الشعب الإيراني، وهذا غير صحيح أيضا، وما لا يستطيع أن ينكره الغرب هو أن الانتخابات في إيران، وعلى عكس ما يجري في الأغلبية الساحقة من البلاد العربية، هي انتخابات حقيقية ونزيهة وحرة وهي تجري ضمن قواعد زكاها الشعب الإيراني، وإذا كانت الجمهورية خارج النقاش والمساومة في فرنسا فإن مبادئ الثورة خارج النقاش والمساومة في إيران. لقد حكم محمد خاتمي الإصلاحي ولم يغير شيئا في جوهر السياسة الإيرانية، وخسر الإصلاحيون الانتخابات أكثر من مرة، وعلى العرب أن يستوعبوا هذا الدرس جيدا وأن يجيدوا التعامل مع هذه القوة الإقليمية بدل الاكتفاء بتنفيذ الأوامر الأمريكية التي قد تدفع الجميع إلى الهاوية.