تشهد ساحة الشهداء المتواجدة بقلب العاصمة منذ بداية الشهر الجاري الى غاية شهر أوت أشغال جرد وتشخيص لآثار تعود الى حقب تاريخية متعددة أسفرت و لغاية الساعة عن اكتشاف عدة معالم أثرية "هامة" تشكل " شواهد قاطعة على غنى تاريخ الجزائر وخلال زيارة ميدانية لهذا الموقع نظمت أمس لفائدة وسائل الإعلام أوضح المسير المساعد للورشة السيد كمال ستيتي أن كل ما سيتم اكتشافه يعد "لبنة جديدة في اعادة بناء المراحل المشكلة للتاريخ الإنساني عموما و تاريخ الجزائر بوجه خاص". وأضاف قائلا بأن تاريخ الجزائر "كتب في أغلب الأوقات بأقلام غربية لم تكن واقعية في الكثير من الأحيان" حيث سيسمح هذا العمل ب"تصحيح الكثير من الحقائق و اعادة كتابة تاريخ بلادنا بصورة أدق ". وبخصوص ما تم اكتشافه لحد الآن ذكر السيد ستيتي أنه و بعد نحو خمسة أمتار من الحفر تمت اماطة اللثام عن عدة طبقات تمثل كل واحدة منها حقبة زمنية معينة أولها طبقة سفلية عبارة عن واد ذي اتجاه شمال-جنوبي يعود الى الفترة الرومانية و فوقه جدار تم هدمه محاط بتربة استخرجت منها شظايا لقطع من السيراميك يعود تاريخها الى نهاية القرن الأول الميلادي. وتعلو هذه الطبقة منشأة دينية يعتقد أنها كنيسة (بازيليك) وذلك بالنظر إلى قطع فسيفساء عبارة عن دوائر يتوسطها صليب كانت تشكل أرضية هذا البناء وهو طراز كان شائع ما بين القرن الرابع والخامس بعد الميلاد . وبعد هدم هذه الكنيسة استغلت الأرضية كمقبرة حيث اكتشف فريق العمل عددا من الأجداث تم فتح واحد منها أين وجدت بقايا هيكل يعود الى طفل صغير و آخر لرضيع يضيف السيد ستيتي في شرحه. أما الطبقة العليا فتضم حيا للصناع الحرفيين تعرض لمسح شامل من طرف القوات الاستعمارية في 1831 أين تم العثور على قطع نقدية و أخرى نحاسية و معدنية بالاضافة الى طلقات مدافع يقول ذات المسؤول مضيفا أن الحيز ما بين الحي العثماني و المقبرة سيتم اخضاعه لتقنية الإشعاع الكربوني لتحديد عمر المنطقة. وحول آجال الانتهاء من عمليات الجرد هذه و التي تشمل موقعي بحث أوضح السيد ستيتي أنه "تم تحديدها ببداية شهر أوت ليتم بعدها تسليم تقرير مفصل الى السلطات الجزائرية التي ستبت فيما إذا كان الأمر يستدعي إجراء عمليات تنقيب أكثر عمقا وعلى مساحة أكبر". وبدوره تطرق مساعد مدير المعهد الفرنسي للبحوث في علم الآثار الوقائي السيد هارفي تيتو الى أهمية هذه العملية في الكشف عن بعض الجوانب الخفية من تاريخ الجزائر و التي سترتكز على "الخبرة الطويلة للمعهد في علم الاثار الوقائي الذي يسمح بانشاء المشاريع الحضرية مع الحفاظ على الآثار التاريخية". وتعد هذه التجربة التي يسهرعلى تجسيدها فريق عمل مكون من 12 عالم آثار جزائري و خمس متخصصين فرنسيين "حلقة أخرى للتعاون الذي يجمع بين المعهد و وزارة الثقافة و الذي يعود الى 2005 " يتابع السيد تيتو. ويجدر التذكير بأن هذه العملية التي تعد "الأولى من نوعها في العالم العربي" تندرج في إطار التحضير لإنجاز محطة الميترو في شقها الرابط بين البريد المركزي و ساحة الشهداء حيث اتفقت وزارتا الثقافة و النقل على ضرورة تكييفها حسب طبيعة الموقع الذي يضم آثارا تعود الى حقب تاريخية متعددة "تشكل ذاكرة و عنوان الهوية الثقافية للجزائر " و التي "يتعين حفظها للأجيال القادمة". وفي هذا الاطار تم التوقيع بداية الشهر الجاري على اتفاقية تعاون بين الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية و المعهد الفرنسي للبحوث في علم الآثار الوقائي تهدف الى إجراء تشخيص لساحة الشهداء لتقييم المخزون الأثري الموجود بهذه المنطقة وذلك قبل الشروع في أعمال الميترو