يتواصل ركود الساحة السياسية في الجزائر، ليتأكد غياب ثقافة الممارسة الديمقراطية في بلادنا التي مر عليها أكثر من 20 سنة، حيث وبعد البداية المندفعة لمختلف الأحزاب السياسية التي ظهرت كالفطريات بعد دستور 23 فيفري ,1989 بدأ بريق تلك الأحزاب يتراجع مع مرور السنوات، بفعل غياب أرضية خصبة تكون للساحة السياسية، وترفع من مستوى الممارسة الديمقراطية، لإثراء المقترحات، وكشف النقائص بطريقة محترمة، بعيدا عن السب والشتم والإساءة للأفراد والمؤسسات. وبغض النظر عن الإرهاب الذي تسببت فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والمتربصين بمصلحة ومكانة الجزائر وما كان له من أضرار وخيمة على الممارسة الديمقراطية، إلا أن هذا العامل ليس الوحيد، فبمرور الوقت اتضح أن جل الأحزاب التي نشأت بفعل التعددية الديمقراطية ترفض ضمنيا مبادئ الديمقراطية، وخاصة التداول على المناصب وفي الأماكن الحساسة داخل الأحزاب، بالنظر إلى الامتيازات المعلنة وغير المعلنة التي يستفيد منها رؤساء الأحزاب وحاشيتهم، وهو ما قد يفسر المقاومة الشرسة التي يبديها رؤساء الأحزاب للحركات التصحيحية التي رفعت أشخاصا، وأبعدت آخرين عن الساحة السياسية. بداية مندفعة وتراجع رهيب جرّاء ضعف التكوين وغياب برامج واقعية وبمرور سنوات التعددية الديمقراطية وماعدا الانتخابات المحلية والتشريعية التي جرت في ,1991 والتي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل إلغاء المسار الانتخابي في ديسمبر ,1991 لم تبرز الأحزاب بشكل ملفت للإنتباه كأقطاب لتحريك الساحة السياسية و على الأقل مثلما قامت به الصحافة، كما كان لغياب انتخابات أخرى وإعلان حالة الطوارئ في فيفري 1992 تأثيرا واضحا في المجتمع، واستمر الوضع على ما هو عليه إلى غاية ,1995 أين تم انتخاب السيد اليامين زروال رئيسا للجمهورية، والتي نافسه فيها بعض رؤساء الأحزاب، على غرار المرحوم محفوظ نحناح رئيس حركة مجتمع السلم الذي حصل على قرابة 3 ملايين صوت، كما نافسه أيضا رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، و هو ما جعل الساحة السياسية تتنفس نوعا ما، بعد أن خرج الشعب الجزائري بقوة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، من أجل أن الحفاظ على الجمهورية والوقوف في وجه الإرهاب الأحمق. وفي ظل تلك الظروف التي تميزت بالتشنج، عرفت الساحة السياسية ميلاد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ضم العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية والتاريخية، وقام بإعطاء دفع للساحة السياسية، ولم يكتف بذلك بل حقق فوزا كاسحا في الانتخابات التشريعية لسنة ,1997 وبالرغم من الكلام الذي قيل حول تلك الانتخابات إلا أن الساحة السياسية تدعمت بأول برلمان تعددي، حاول تنشيط الساحة وإرساء معالم الهيئة التشريعية بعد زوال المجلس الانتقالي المنصب في .1994 واستمرت الأوضاع بين الأخذ والرد، إلى غاية الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في ,2002 وتميزت بعودة حزب جبهة التحرير الوطني إلى الواجهة، بعد فوزه في تلك الانتخابات ولو بأغلبية بسيطة، وهو ما أدى إلى إعادة بعث الحزب الواحد إلى الواجهة بعد أن ظن الجميع أنه دخل المتحف. وانتقلت المنافسة بين رؤساء الأحزاب من الانتخابات المحلية والتشريعية إلى رئاسة الحكومة، حيث وبعد مدة من التداول على رئاسة الحكومة بين الشخصيات التاريخية وبعض التكنوقراط لأول مرة يخلف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الأمين العام للأرندي السيد أحمد أويحيى، ومنه تغذت الساحة السياسية بشحنة جديدة، إلى غاية الانتخابات الرئاسية ل 2004 التي أعقبتها العديد من التحولات، على غرار ميلاد التحالف الرئاسي وبداية تاريخ الحركات التصحيحة بقوة، بعد تلك التي فشل فيها بن بعيبش على مستوى الأرندي، بعد الفشل الذريع الذي مني به الأرندي في انتخابات .2002 وعرف حزب جبهة التحرير الوطني في نهاية 2003 حركة تصحيحية، كانت ناتجة عن المؤتمر الثامن الذي انعقد في الأوراسي، حيث وبعد تعيين السيد عبد العزيز بلخادم على رأس الحركة التصحيحة، وإثر الصراع بالعصي في القسمات و مختلف الملتقيات، أنهى القضاء الأزمة بالفصل لصالح الحركة التصحيحية في نهاية ,2003 لتنطلق بعدها حركات تصحيحية مكثفة داخل مختلف الأحزاب، لتعرف الساحة السياسية بعدها موجة كبيرة من الحركات التصحيحية، والتي لقيت الفشل في العديد من المرات، لتزيد من متاعب الجمعيات ذات الطابع السياسي كما أسماها دستور فيفري .1989 نسب المشاركة في الانتخابات عكست هشاشة الساحة السياسية بدأت نسب المشاركة في الانتخابات المحلية والتشريعية تتدهور منذ سنة ,2007 حيث سجلت الانتخابات التشريعية 35 بالمائة، والانتخابات المحلية حوالي 45 بالمائة، وهي النسب التي علق عليها وزير الداخلية والجماعات المحلية السيد نورالدين زرهوني بأنها نابعة من ضعف الأحزاب السياسية التي لم تتأقلم مع الممارسة الديمقراطية، و هو ما اضطر السلطات إلى إحداث تعديلات في قانون الانتخابات، من خلال مطالبة الأحزاب بتحقيق انتشار، و جلب إمضاءات من 24 ولاية كحد أدنى للمشاركة، بالإضافة إلى تحقيق 3 بالمائة من الأصوات كحد أدنى في المشاركات الانتخابية للسماح للأحزاب بالمشاركة في الانتخابات، وكل هذا من أجل تنقية الساحة السياسية من الأحزاب الطفيلية التي أخلت بقواعد الممارسة السياسية، في ظل البزنسة التي عرفتها مختلف الانتخابات المحلية والتشريعية، وهو ما أساء كثيرا للممارسة الديمقراطية في الجزائر. ومن الأفلان إلى حركة الإصلاح الوطني، وصولا إلى الجبهة الوطنية الجزائرية، وعهد 54 التي تقاطعت في الحركات التصحيحية، تبقى الأحزاب السياسية في بلادنا رهينة النشاطات المناسبتية والحركات التصحيحية التي إن دلت على شيء إنما تدل على النظرة الريعية والمصلحية لهذه الأحزاب إلى أن يظهر الأحسن.