عبد القادر بلكروي فنان مسرحي من المسرح الجهوي بوهران، محترف منذ سنة 1979 مع أول فرقة متخصصة في مسرح الطفل، شارك في عدة محافل دولية ومتوّج مع فرقته بجوائز داخل وخارج الوطن، له عدة نصوص مسرحية للأطفال وللكبار، كما عالج واقتبس عناوين منها ما تطرقت إليه دراسات جامعية كرسائل الدكتوراه والماجستير..وهو عضو العديد من لجان التحكيم والدورات التكوينية. يحدّثنا بلكروي في هذا الحوار عن المجهود الواجب بذله في الحفاظ على إرث الفنانين والتعريف به، كما أكد على أن التكريم الحقيقي للفنان هو توزيع أعماله. ❊ الشعب: خسرنا في السنوات القليلة الماضية أسماء فنية كبيرة في مختلف المجالات..هل تعتقد أن المشهد الثقافي الجزائري بإمكانه تعويض هذه الأسماء؟ ❊❊ عبد القادر بلكروي: لقد فقدت الساحة الثقافية والفنية أسماء بارزة وشخصيات كبيرة من عالم الفكر والفن، قامات لها وزنها ورصيد من المؤلفات والإنتاجات والإبداعات الخالدة التي يصعب علينا تعويضها، وذلك لخصوصيات هؤلاء الفنانين الذين كانوا ينتمون إلى جيل تشبّع بتاريخه وهويته، وعايش أحداثا ذات قيمة وطنية ودولية بالنظر إلى حركية العالم الجيوستراتيجية وبحكم تاريخ الجزائر المعاصر النضالي التحريري. لقد فقدنا الكثير من الأسماء وصحيح أنهم فعلا خسارة كبيرة، لكن يمكن للشباب أن ينقش اسمه وعناوينه..لا يمكن أن نوقف عجلة التاريخ، هذا جيل يسمى بجيل الاستقلال متبوع بجيل الظروف العسيرة ليس كسابقيه، ولد حرا وكبر في الشدائد يعيش ثورة تكنولوجية لا خدود لها يتطلع إلى الأفضل، يبحث عن موارده يتكون باستمرار، فلما نسمع اليوم أن مبدعين شباب يتحصلون على جوائز إقليمية في شتى ميادين الكتابة والشعر والاختراعات وغير ذلك، وهذا مؤشر هام، وكما يقول المثل الشعبي لكل زمن رجاله. ❊ ما هي أحسن طريقة للاستفادة من الإضافات التي جاء بها هؤلاء الفنانون الكبار الذين فقدناهم؟ وهل يجوز الاكتفاء بالتكريمات في مختلف المناسبات؟ ❊❊ ما يلام عليه الباحثون والإعلاميون هو عدم إعطاء فرص لمحاورة مبدعين متألقين وكبار بإنجازاتهم، وعدم تسليط الأضواء على إبداعاتهم، وفي بعض الأحيان كانت الإشادة تنحصر على البعض عوض الكل..مثلا في المجال الذي أنشط فيه وهو المسرح، نجد كتاب صور للراحل علي حفياد، يؤرشف فيه الفنانين والمسرحيات، حتى ولو نسي وضع صور لنا كمجموعة فنية تنشط في مسرح وهران مختصة في مسرح الطفل، وأملك صورا من إنجازه لمسرحياتنا، وهناك أيضا مجلة «بانوراما المسرح الجزائري» التي صدرت في عهد المرحوم محمد بن قطاف. ما هو المانع من أن تطبع النصوص المسرحية المنجزة على مستوى المسارح بمجهودها المادي؟ لماذا لا توضع صور الفنانات والفنانين في بهو المسارح الجهوية التي لا تقوم بهذه العملية؟ لماذا لا توجد أشرطة للمسرحيات المصورة في بعض المسارح؟ مع العلم أنه يمكنها الحصول على الأرشيف من التليفزيون، وكذا تخصيص فضاءات ملائمة لعرض الجوائز المحصل عليها والتي لا يعلمها جيلنا اليوم، بل ويخطئ في نسب الإنجازات إلى أصحابها. يجدر بنا التقرب من المخابر الجامعية للتدوين، للبحث وللدراسة في وثائق الأرشيف، وكذا إصدار قائمة وطنية للفنانين في كل المجالات، وكثير منهم ذهبوا في نسيان تام رحمهم الله. إن التدوين والاعتراف أغلى وأحسن من التكريمات التي لا معنى لها.. نكرم الفنان على إنجازاته، على تميزه، على عطائه، أما مساعدته في ظروفه الصعبة فلا بد أن تتم في إطار يحافظ على كرامته. ❊ من الفنانين الذين فقدتهم الجزائر في أوج عطائهم عبد القادر علولة وسيراط بومدين وقد عرفتهما جيدا، ورغم تجربة أمثالهما الكبيرة في المسرح وغيره من مجالات الفنون إلا أن الدراسات حولهما تبقى قليلة..ما هو دور النقد، البحث العلمي والتكوين في إبقاء إبداع فنانينا حيا؟ ❊❊ كنت جد محظوظ بتواجدي في واحد من أكبر مسارح الجزائرية وهو مسرح وهران، والقامات والأسماء الكبيرة التي كان يحتويها على غرار عبد القادر علولة، ولد عبد الرحمن كاكي، ونظرا لأهمية أعمالهم وتاريخهم الحافل قدمت عنهم دراسات وبحوث، وطبعت نصوصهم كما أصبحوا مصدر اهتمام جامعات أجنبية وأوروبية، ولكن يبقى المفعول الوطني ضئيلا من الرغم من المجهودات المبذولة من أقسام الفنون لعدة جامعات جزائرية أذكر علي وجه الخصوص قسم جامعة وهران..لكن على مستوي التمثيل هناك فنانين من طراز عالي أمثال سيراط، بلمقدم، عصمان، حمودة، أو الفنانتين المرحومة وافية ويمينة غسول، وغيرهم على مستوى وهران ممّن يستحقون الدراسة. ❊ نلاحظ أن مبدعينا لا يكتبون مذكراتهم، ولا يُكتب عنهم..ألا يؤثّر ذلك على التّأريخ للفن الجزائري؟ ❊❊ أنا متّفق معك تماما، حتى إذا لم يكتب فنانونا مذكراتهم لأن أغلبهم رحل بغتة وهو في سن العطاء، بسبب المرض والظروف الصعبة، لكن هذا لا يمنع الإدارات على مستوى المسارح التي تحتوي على مصالح وموظفين مكلفين من أن تسد هذا الفراغ. ❊ ما هو أحسن تكريم للفنان سواء الفقيد أو الذي ما يزال بيننا؟ ❊❊ الفنانون والمثقّفون يحتاجون إلى أطر يدافعون فيها عن مطالبهم، ويتمنون أن يتوقف التهميش والحصار على الذين يختلفون بآرائهم ووجهات نظرهم، لأن الفن والثقافة أفكار وقد نختلف ونتجادل لإثراء النقاش والمفاهيم. الفنان لا يتمنى إلا الاعتراف والعمل المستمر، وتكريمه يكون بتوزيع عمله والنظر إليه كمواطن لا يهمّه إلا تطور مجتمعه، وسعادة شعبه. أخلص هذا الحوار بالترحم على جميع موتانا، وأسأل اللّه أن يتغمّدهم برحمته وللأحياء الصحة والعافية. رحمة اللّه على صديقي عبد الحميد رماس، الفنان اعمر الزاهي وذكرى خاصة للمرحوم حمودة بشير، ونحن على أيام فقط من مضي سنة على ذكراه.