بأزقته الضيقة وممراته التي لا تزال تحكي، كلها، تاريخا مضى، كما تعطي العنان واسعا للخيال والتخيل حولها، يظل حي السويقة بقسنطينة أحد أهم مواقع الحياة بعاصمة الشرق الجزائري، فضلا عن كونه موقعا تجاريا من الدرجة الأولى بها، رغم المنافسة التي تأتيه من الأحياء الأخرى . ورغم تلك التطورات التي مست القيم والتغيرات التي طرأت على عادات الاستهلاك القديمة، وكذا بروز تحولات جديدة لدى الناس، إلا أن ذلك لم يزحزح ''السويقة'' بتاتا، عن تلك المكانة التي ظلت تحتلها على مر الزمن، بفضل أجواء خاصة بها عادة ما تميز الاحتفال بالمواسم والأعياد الدينية، على غرار عيدي الفطر والأضحى وعاشوراء والمولد النبوي الشريف، وبالأخص في شهر رمضان الكريم. ففي هذا الشهر المبارك، يستعيد الحي القسنطيني العتيق بريقه الأول، كما يصبح القبلة الأولى لمتسوقي وسكان قسنطينة من أجل معاودة ملامسة أجواء خاصة تراكمت ملاحمها وأشكالها منذ عهود قديمة ولم يستطع الظرف الراهن إزالتها أو محوها، رغم تلك المحاولات التي تحاول التقليص من تعلقها بالماضي. هنا، يستعيد الكثير من سكان ''المدينة''، التي تثمن بشكل مذهل قدراتها الاقتصادية وتاريخها وثقافتها، ارتباطهم بماضيهم الذي يفيض مواقع يتعين ملاحظتها والتدقيق فيها بعمق كونها مرتبطة عند البعض بذكريات جميلة لا تزال حية بالذاكرة. ''السويقة''.. سوق كبير لمحبي فن الأكل ورغم أنها ظلت، على مر الأيام بقدراتها الاقتصادية المعروفة، مقصورة على الرجال، إلا أن ''السويقة''، اليوم، منفتحة أمام النساء. وإذا كان دافع الكثير من الرجال يكمن في جولة رمضانية على مدخل وعبر ثنايا الحي مرده الاستجابة لعادة متأصلة لديهم في زيارة مواطن نشأتهم ومواقع حياة أجدادهم، فإن دوافع النساء، في الغالب، لا يطبعها حنين بقدر ما توفر أسبابا براغماتية أكثر من خلال البحث هناك عن أشياء نادرة وأسعار مغرية، إذ هن لا يفرقن، عادة، بين التجارة القانونية والباعة المتجولين. ويقترح، هؤلاء الذين يبدون أكثر تنظيما، أصنافا متعددة من المنتجات الأكثر طلبا عليها خلال الشهر الفضيل، كما هو الشأن بالنسبة للحوم البقر والأغنام ''التي غالبا ما يجهل مصدرها''، وكذا الألبان مرورا ب ''الخطفة'' أو ''الذيول'' التي تستعمل في إعداد ''البوراك'' الشهي ووصولا إلى ''الكسرة'' أو الرغيف المحضر بالمنازل ومواد غذائية أخرى متفرقة . ففي حي السويقة، يختلط كل شيء بصورة غريبة .. الشرعي كما ذلك الذي لا يكتسب وجودا قانونيا، ولا يطرح، على ما يبدو، أي مشكل في مجال المنافسة مع التجار المعتمدين الذين ينشطون في مختلف التخصصات التجارية . وفي السويقة تجد كل شيء تبحث عنه : لوز، بندق، فول سوداني، صامسا.. والكثير الكثير من المواد الأخرى المستوردة، والتي يجرى تسويقها هنا بأسعار تتحدى كل منافسة. ومن جهة أخرى، وفي مثل هذه الأجواء التي يطبعها الإفراط العام في الاستهلاك، فإن شبكات الاتجار غير القانونية لا تتردد في دخول ميدان حساس كالمشروبات الغازية في أوقات تتسم بالحرارة. وهنا، تظهر علامات متعددة بأشكال وأسماء معروفة أو غير معروفة، وبكميات صناعية كبيرة لقارورات بلاستيكية مقترحة بأسعار مغرية يرجع كرمها السخي، على ما يظهر، لكون هذه المنتجات ذات صلاحية محددة. ومن بين النشاطات الأخرى الأكثر حضورا بالأزقة التجارية لهذه الحاضرة، كما في كامل مدينة قسنطينة، تجارة الخبز بأنواعه المختلفة، العادي منها و المحسن. وهنا، يتمركز سوق موازي حقيقي، كما يلاحظ بعين المكان، بما يهدد باحتكار هذا المنتوج الحيوي في معيشة القسنطينين، إذ يجري بيع كميات هائلة من الخبر، يوميا، بما يدر على أرباب هذا النشاط الموازي هوامش ربح جد مريحة . وفي ظل سوق، يباع فيه كل شيء من اللحوم التي تكاد تكون غير صالحة للاستهلاك إلى التوابل المستوردة، لا يجد القسنطيني أي حرج، بتاتا، في الذهاب لاقتناء مواد، والمغامرة عبر ثنايا هذا المنعرج الاقتصادي الهام للمدينة