تشير الملاحظات الأمنية في شهر رمضان الجاري، إلى تحوّل بارز في مهام مكافحة الإرهاب الموكلة لمختلف الأسلاك الأمنية، بما أن الانشغال الأمني تحوّل تدريجيا إلى خارج الحدود على حساب المعطى الداخلي، بحكم تراجع النشاط الإرهابي إلى أقصى درجة منذ ميلاد الإرهاب في الجزائر قبل عقدين. تحول انشغال الجزائريين بالملف الأمني، خلال شهر رمضان الذي يشارف على نهايته، إلى منطقة ما خارج الحدود تماشيا وانتقال الرهانات الأمنية تدريجيا إلى دول في الجوار وتراجع النشاط الإرهابي في الداخل، حتى في المنطقة التي توصف بمعقل الجماعات الإرهابية. لكن انتقال الظاهرة لم يرافقه بالضرورة تقلص في حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية، بل قدم تعقيدات جديدة على كاهل الجيش الذي يقف متفرجا أمام ”هزال” خطط مكافحة الإرهاب في بلدان الجوار، وافتقادها للرؤية التي تجمع بين التعاطي العسكري والفكري. وبحكم التجربة، فإن ما تسميه النخب الأمنية ب«دابر الإرهاب” ظل مترابطا إلى حد ما بالشهر الفضيل، وكلما تقلصت دائرة العنف خلال رمضان، كان بالإمكان القول بتراجع الظاهرة. ومن هذا الباب، يحتمل الواقع الأمني نتيجة واحدة، أن ”القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” قد فقدت جل قدراتها على تهديد الجزائريين. وأهم عوامل هذا التراجع، هو فقدان القدرة على التجنيد وعلى تطوير خطاب يجلب مقاتلين جدد. إلا أن هذه العوامل تجد ما يناقضها تماما في بلدان الجوار، حيث تتقاطع البيئة السياسية المناسبة بما تحمله من مظاهر استقطاب على أساس عقائدي بين إسلاميين وعلمانيين، ووجود خزان بشري جاهز ومدرب على القتال صنعته ظروف الحرب في سوريا، وقبلها ليبيا، وهو في طريق العودة إلى البلدان الأصلية، لاسيما تونس، وهو وضع يشبه عودة الجزائريين الأفغان من أفغانستان إثر حرب السوفييت والأمريكان نهاية الثمانينات، والذين شكلوا النواة الأولى للجماعات المسلحة. في حين يكمن العامل الثالث في وجود مخازن سلاح مفتوحة داخل ليبيا، سهلت على أنصار ”القاعدة” تأمين العتاد اللازم في حربها ضد ما تسميه ”الأنظمة العميلة للصليبية”. ويكون الملف الأمني في الغرب التونسي، أبرز ملاحظات الملف الأمني في الشهر الفضيل، بما أن الأمر لا يبدو متعلقا بتعقيدات في مناطق بعيدة، بل في منطقة تشكّل عمقا استراتيجيا للأمن القومي الجزائري في هذه الفترة بالذات، بوجود خلافات أو على الأقل عدم توافق مع المغرب وليبيا ومالي المنشغلة بتبعات الانقلاب العسكري وتحرير أراضي الشمال، والنيجر التي لا تمثل انخراطا بارزا في خطط مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي. وقد عجّل بروز نشاط إرهابي في جبل الشعانبي، غربي القصرين وعلى مشارف ولاية تبسة، بانخراط الجيش الوطني الشعبي في هذه المسؤولية الجديدة، سواء بتأمين المناطق التابعة للتراب الوطني عملا بعقيدة عدم توريط الجيش في مهام خارج الوطن، أو بتفعيل التعاون المعلوماتي مع الأجهزة الأمنية في تونس، في انتظار ما ستفعله الحكومة الليبية التي تتجه من تعقيد أمني نحو آخر، لاسيما بعد فرار الآلاف من المساجين الإسلاميين قبل أيام في عملية يعتقد خبراء أن ”القاعدة” هي المستفيد الأول منها.