قال مدير إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية في جامعة الدول العربية السيد إبراهيم جعفر السوري، في هذا الحوار الذي خص به جريدة ''الشعب'' أنه يتعين على القادة والمسؤولين العرب العمل على وضع البرامج التي تحمي المجتمعات العربية وتثبت هويتها لمواجهة التحولات والظواهر التي تؤثر سلبا على المجتمع العربي، كاشفا في سياق متصل عن قيام الجامعة العربية بإعداد مشروع برنامج لتنفيذ الاسترتيجية العربية للأسرة مس 8 دول عربية منها الجزائر، قال أنه سيكون محل مناقشة خلال اجتماع لجنة الأسرة العربية المقرر تنظيمه في الجزائر يومي 26 و27 أكتوبر الجاري على أن يرفع لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب المزمع عقده في ديسمبر المقبل لتطويره أو تنفيذه كما جاء . الشعب: اتفق المشاركون في اليوم الثاني من أشغال ندوة استراتيجيات الدفاع الاجتماعي لمقاومة ظواهر الانحراف والمشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري وإهمال الطفولة على ضرورة تحديد التحولات التي تعرفها المجتمعات العربية، وبالتحديد، الأسرة العربية حتى يتم الوصول إلى بناء استراتيجيات فعالة من شأنها التصدي للظواهر السلبية التي تؤثر سلبا على المواطن العربي، هل تشاطرون هذا الرأي؟ ❊❊ إبراهيم جعفر السوري: صحيح، هناك جدل واسع حول ما تمر به الأسرة من تحولات في العالم العربي، هل هي ايجابية أم سلبية.. والنقاش حول هذه القضية هام جدا لأننا لا نستطيع أن نتفق أو نجد البرامج المناسبة ما لم نحدد هذه التحولات، فعلى مستوى البرامج واتخاذ القرار هناك جدل واسع يدور.. ونحن نريد أن نعرف حتى نضع البرامج والسياسات الملائمة التي تكفل للأسرة ليس استعادة دورها فقط، وإنما إعطاءها دورا حيويا في التحولات الجارية، وعليه، ما لم يتم الاتفاق حول طبيعة هذه التحولات ونوعيتها، سنجد انه من الصعوبة بما كان أن نضع السياسات الملائمة والقادرة على استيعاب هذه التحولات لتأكيد ايجابيتها. نحن، الآن، بصدد وضع برنامج تنفيذ الإستراتيجية العربية لصحة الأسرة التي أقرها مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب في دورته الماضية ال 28 على أن نرفعها للدورة ال 29 التي ستنعقد يوم 20 و21 ديسمبر ليتم البت فيها. وستجتمع لجنة الأسرة العربية يوم 26 و27 أكتوبر في الجزائر لمناقشة مسودة مشروع البرنامج التنفيذي للإستراتيجية العربية للأسرة، وحين يتم التوافق عليها من قبل اللجنة يرفع في ديسمبر إلى مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب ليقرر إذا كان يحتاج إلى تطوير أو ينفذ كما جاء. والإستراتيجية ستتعلق بالتحولات الجارية حول تمكين الأسرة العربية في الجانب الاجتماعي والاقتصادي، ونحن سنضع خطة تنفيذية لها على أن تقوم الوزارات بإعداد خططها على المستوى الوطني وتنفيذها وفق احتياجاتها. هو مشروع كبير ينفذ في الجامعة العربية على مستوى الدول العربية، انطلق في سنة 2001 وفي الجزائر انطلق في 2008 حيث قمنا بمسح شمل الأسر الجزائرية، والآن، سنقوم بجمع البيانات المجزأة التي تتضمن المعلومات المتعلقة بطبيعة تركيبة الأسرة وبما تمتلكه من مؤشرات تتعلق بالمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية على أن تعقبها مسوحا ميدانية أخرى لتجميع هذه البيانات. فما لم ندقق هذه البيانات ونحللها تحليلا معمقا سنجد صعوبة في تحديد المتغيرات والتحولات، كما أن إطلاق الأحكام دون قاعدة أو منهجية تتناول المسألتين معا، سواء التحليل الكمي والنوعي، سيكون صعبا. نتائج المسح ستعرف مع نهايات 2009 وبدايات 2010 حيث ستكون لدينا البيانات التي تمكننا من الاتفاق على طبيعة التحولات القائمة في مجتمعنا العربي. ❊ برأيكم، ما هي الصعوبات التي تمنع من تحديد طبيعة التحولات الجارية، وبالتالي، تحديد إستراتيجية فعالة تقضي على المشاكل الاجتماعية والآفات في المجتمعات العربية؟ ❊❊ الصعوبات تكمن في مجال طبيعة التحولات الجارية وتحديدها في مختلف المجالات، سواء في مستوى معدلات الفقر، المستوى التعليمي، الصحة، الدخل، توزيع الدخل داخل الأسرة.. لكن الدراسة ستخلص إلى ما هية البرامج المناسبة والملائمة لتمكين الأسرة العربية، فالمشروع سيمكن الأسرة، أي سيوفر لها القدرات التي تمكنها من القيام بدورها بوصفها الخلية الأساسية في المجتمع. ❊ قلتم أن الدراسة شملت الجزائر من خلال مسح مس الأسر الجزائرية، هل لكم أن تطلعونا على التقييم الأولي للمشروع؟ ❊❊ التقييم الأولي للمشروع أظهر أن التحولات الجارية في الجزائر فيها ما هو ايجابي وداعم للأسرة ولدورها وقدرتها، فمثلا أصبح لدى الأسر الجزائرية معدلات دخل مرتفعة وتوزيع الدخل داخل الأسرة يكاد يكون متساويا، وهذا تطور ايجابي يساهم في تمكين الأسرة الجزائرية.. مستوى التعليم داخل الأسرة في الجزائر، كذلك، أصبح مرتفعا من ذي قبل، بمعنى أن مستوى الأمية داخل الأسرة الجزائرية تراجعت، وان معظم أفراد الأسرة الجزائرية أصبح بإمكانهم التوجه إلى المدرسة. أما بالنسبة للتشغيل، فيحتاج إلى جهود إضافية، لكن هناك برنامج متطور يتعلق بالأسرة المنتجة، بمعنى أن الوزارات المعنية تقوم بتدريب أعضاء الأسر وإعطاءها القدرة على اكتساب المهن، ثم تقوم في فترة لاحقة بمدها بالقروض لإنشاء وحداتها الاجتماعية التي تمكنها من الاستفادة من دخل. ❊ جهود كبيرة تقوم بها الجامعة العربية أو الدول العربية منفردة في مجال الدفاع الاجتماعي حيث تقوم بإعداد خطط وبرامج واستراتيجيات دفاع غير أنها تبقى مجرد حبر على ورق، ما الذي يمنعها من التطبيق؟ ❊❊ ككل الاستراتيجيات في العالم، وهذا ليس حكرا على العرب، فعادة الاستراتيجيات تواجه عثرات في التنفيذ، وذلك لسبب بسيط هو أن الاستراتيجيات هي مجموعة من المبادئ والأهداف والغايات التي تتطلع جهة ما لتنفيذها، لكن دون أن نجد برنامجا تنفيذيا لهذه الاستراتيجيات ستظل المعوقات التي تتعلق بتطبيقها. لكن نحن نواجه هذه المسألة ونعترف بها، نعم هناك صعوبات وهناك بعض التراجعات والانتكاسات، لكن في المحصلة العامة أن الاستراتيجيات تستطيع أن تخط الطريق الصحيح للدول في مجال الدفاع الاجتماعي، وبالتالي، ربما هذه الاستراتيجيات، بحد ذاتها، هي بحاجة إلى تطوير لأن المتغيرات داخل المجتمعات العربية عادة ما تكون متسارعة، وعلينا أن نواكب هذه التحولات حتى نتمكن من تطوير الاستراتيجيات وأن نضع البرامج المناسبة لنتمكن من مواجهة ظاهرة من الظواهر والتفاعل معها من اجل تقليص مما هو سلبي وتعظيم الايجابي. ❊ أمام كل هذه التحولات والمعوقات، ما الذي ينبغي على القادة والمسؤولين العرب فعله للتقليل، على الأقل، من كل الظواهر والانحرافات؟ ❊❊ هناك الكثير الذي يجب فعله، فنحن مجتمعات نامية والمجتمعات النامية تشهد عادة تحولات تتسم بالصعوبة، وبالتالي، علينا وعلى القادة والمسؤولين العرب، أن نعمل على وضع البرامج التي تحمي، في البداية، المجتمعات العربية، ومن ثمة، في وقت لاحق، أن تمكنها من تأكيد ذاتية الأسرة العربية والحفاظ على القيم الايجابية والقضاء على المظاهر السلبية، لأنه ليست كل القيم العربية هي قيم ايجابية، حيث أن بعض هذه القيم يمكن أن يكون سلبيا ويمكن أن تكون معادية للتنمية، وبالتالي، علينا أن نتعامل مع القيم التي تمكننا من تعديلها وتقليص تأثيراتها، على سبيل المثال القيم المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، هناك قيم غير ايجابية في عدد كبير من الدول العربية. ❊ سبق للجامعة العربية أن ثمنت تجربة الجزائر المتعلقة بقانون السلم والمصالحة الوطنية، كيف سيستفاد من هذه التجربة؟ هذه الخبرة والتجربة سيتم دراستها ومناقشتها خلال مؤتمر دولي سينظم في الجزائر، في نهاية هذا العام، وستشارك فيه كل الدول النامية، ليس فقط لدراسة الخبرة والتجربة الجزائرية الهامة، ولكن أيضا لدراسة خبرات وتجارب الدول الأخرى التي مرت بتجربة مشابهة لما مرت بها الجزائر.. هناك قضايا معقدة في هذا الموضوع، ليس على المستوى الوطني، لكن تأثيراتها على المجتمع العربي وتأثيراتها السياسية على مستوى الوطن العربي، وهذه القضايا لا بد أن تدرس بشكل منهجي يتسم بالرزانة حتى نصل إلى بعض الدروس المستفادة التي تمكن من وضع سياسات قادرة على الارتقاء ومواجهة ظاهرة الإرهاب والقضاء عليها، ومن ثم، تكريس المصالحة الوطنية ومبادئ العدل والشفافية والمساواة، وبالتالي، فهناك عمل يجري، وهذا العمل يبنى على أساس المؤتمر العربي لدراسة ظاهرة الإرهاب وأثرها على التنمية الذي عقده مجلس الشؤون الاجتماعية العربي منذ عامين في 2007 في شرم الشيخ بمصر، وكانت هناك نتائج مهمة لهذا المؤتمر درستها الدول العربية والمجالس العربية المعنية الأخرى من بينها مجلس وزراء الداخلية العرب، حيث يتم حاليا الاستعداد لعقد هذا المؤتمر. ❊ وكيف تقيمون مسعى السلم والمصالحة الوطنية؟ ❊❊ نتائج هذا الميثاق ملموسة من كل الذين يزورون الجزائر، فهناك انحصار كبير للإرهاب في الجزائر والقضاء على العمليات التي تقوم بها الجماعات الإرهابية، ويوجد في طور الانتهاء ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أعلنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واستطاع أن يفتح الحوار الوطني على المستوى الداخلي والحفاظ على المجتمع الجزائري والقدرة على تطويره، فهذا الميثاق يمثل قاعدة رئيسية لأهداف وغايات أخرى يمكن الوصول إليها من خلال ميثاق المصالحة الوطنية الذي هو ميثاق هام يمكن كل القوى الحية في المجتمع الجزائري من أن تكون قادرة على المساهمة في إرساء السلم والوئام المدني، والحمد لله، الجزائر وصلت إلى هذا الوئام الذي يمكن أن يتعمق من خلال ميثاق المصالحة الوطنية.