التحولات الاجتماعية العربية، قضايا التحول الاجتماعي، المشاكل التي تواجه المجتمعات العربية، تجارب الدول العربية في التصدي لمثل هذه القضايا وأمور أخرى، هي محور الحديث الذي جمعنا بالسيد إبراهيم جعفر السَّوري، مدير إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية بجامعة الدول العربية. -"المساء": ما سر الاهتمام العربي بقضايا التحول الاجتماعي؟ *جعفر السوري: قضايا التحول الاجتماعي واطراد التقدم الإنساني تمثل مركز الصدارة في العمل العربي المشترك، وتشغل قضايا الدفاع الاجتماعي أولوية خاصة في هذا الإطار، نظرا لتداخلها وتقاطعها مع كثير من القضايا التي تؤرق مجتمعاتنا العربية كقضايا خفض الفقر والارتقاء بنوعية التعليم وتحسين جودة خدمات الصحة وتمكين الأسرة، وكلها قضايا ذات تأثير مباشر على مجتمعاتنا، ذلك انه كلما زادت حدة الفقر وانخفض مستوى التعليم وتدهور الأوضاع الصحية، اتسعت بؤر الجنوح وتعاظمت معدلاتها وازدادت فرص التفكك الاجتماعي، وهو أمر نأباه مصيراً لمجتمعاتنا. - كيف تقيمون تجارب بعض الدول العربية في التصدي لقضايا التحول الاجتماعي؟ * هناك تحولات كبرى تشهدها دول المنطقة لأسباب مختلفة، لكن بالتأكيد من بين هذه التحولات تلك المرتبطة بالضغوط السكانية او الزيادة السكانية، ومحدودية الموارد التي ساهمت في إحداث تحولات هيكلية، وهناك ايضا الاختيارات الاقتصادية التي ظهرت بتبني اقتصاد السوق الذي أحدث بدوره تحولات كبرى داخل المجتمعات، وهناك التحول المرتبط بالتقدم الذي حدث بالدول العربية مثل ارتفاع مستوى التعليم، وارتفاع مستوى الصحة الذي زاد من مستوى العمر المتوقع وارتفاع مستوى المواليد الذي يصاحبه ايضا ارتفاع في الشيخوخة العربية وهذا يرفع من معدلات الإعالة بحكم ارتفاع عددالمسنين. وهناك التحولات التي تمت على مستوى العالم، العولمة، التحول في وسائط الاتصالات، والمجتمعات العربية تمر بتحولات كبيرة هي في طابعها العام تحولات ايجابية، لكن ترافقها تحولات سلبية وهذا الآمر معروف لدى علماء الاجتماع، فكل تحول ترافقه مظاهر ايجابية ومظاهر سلبية، وهنا تكمن فعالية المجتمع في تعظيم التحولات الإيجابية وتقزيم السلبية، المجتمعات العربية يسود فيها خياران: الحداثة بالتقليد والأعراف والعشائرية والقبلية، والتوازن بينها يمثل ضمانة لإحداث تحولات هادئة ومطمئنة سلمية، لكن الاختلال يمكن أن يؤدي الى الصدام وبالتالي العنف... وهذا يمكن أن يكون من بين التفسيرات التي تحتاج إلى التدقيق وبحث معمق ودراسات ميدانية للتأكد من مدى صحة هذا الطرح. المجتمعات العربية تمر بتحولات كبرى، لكن الاثر الأكبر والمساهم الأكبر، هو التحول في الخيارات التنموية من الاقتصاد المخطط الى اقتصاد السوق، وهو التحول الذي يمكن إعادة النظر فيه، فهناك اتجاهات على المستوى الدولي تنادي بمراجعة كل السياسات المتعلقة بإطلاق العنان لقوى السوق، وإعادة الاعتبار لدور الدولة التي تعتبر الضامن للعقد الاجتماعي. - لماذا أعطيتم عنصر الضمان للدولة؟ * لان الدولة هي الفضاء الذي تتحرك فيه كل القوى الاجتماعية وبالتالي تضمن العقد الاجتماعي، بأن تعطي لكل ذي حق حقه وتكفل ما يضمن العدالة والمساواة والمشاركة، وبالتالي هناك مراجعات تتم على المستوى العربي في الكثير من القضايا، وهناك محاولات جادة لإعادة النظر في العقد الاجتماعي العربي الذي يكفل الحيوية والفعالية، ونحن الآن أمام عمل لمراجعة السياسة الاجتماعية وهناك حركة نشيطة عربيا. - في نظركم ما هو أكبر خطر يتربص بالأسرة العربية؟ * أنا لست ميالا الى قضايا الخطر الذي يهدد الأسرة، كونها أقدم نواة وهي أقدم كيان عرفته الإنسانية، وقد مرت الإنسانية بظروف أصعب كالحرب العالمية الأولى والثانية، حروب التحرير الوطني، والوقوف ضد الاستعمار، الأسرة العربية مرت بصعوبات، ولا استطيع أن اقبل فكرة المخاطر، لكن يمكن القول هناك تحديات تتعلق بدور الأسرة، خاصة أن هناك ضغوطا متزايدة حول دور الأسرة داخل المجتمع وقدرتها على توفير حياة آمنة، ومن بين القضايا التي تشغل الفكر، قضايا التفكك الأسري والانفصال. - لماذا فضلتم مصطلح تحديات؟ * لان الأسرة ستبقى لأنها أقدم كيان اجتماعي، و تستمد قوتها من الشرعية الطبيعية التي لا تحد قوتها، لكن هناك تحديات يمكن القول أن من بينها ازدياد معدل الطلاق الذي يشكل تهديدا على كيان الأسرة، وهنا علينا أن ندرس على نحو معمق أسباب زيادة معدل الطلاق في الحقبة الأخيرة، وكذا التحديات الأخرى المتعلقة بالأسرة وتأخر سن الزواج للذكور والإناث، هذه قضايا متشابكة لها ظروف مختلفة، وهذا الأمر يحتاج الى إيجاد برامج تكفل سلامة الأسرة. - في تدخلكم تحدثتم عن القدرة على بناء الثقة والتفاعل الاجتماعي المبني على الشفافية والوضوح.. ماذا تقصدون؟ * الوضوح هو أن نواجه مجتمعاتنا ونقول أن هناك تحديات فعلية ونبحث عن العلاج المناسب لها، كعلاج مشكل ازدياد معدلات الطلاق، الشفافية أيضا مهمة جدا، كأن نقول أننا أحرزنا فوزا في إنزال معدل الفقر، وفي أن نقول أن المنطقة العربية يسودها الفقر وأن نطلع أوسع قطاع من الرأي العام بالحقائق السائدة داخل مجتمعنا، إذ لا يمكن تغطية الشمس بالغربال، وهذا ما قصدته، أن نكون على قدر كبير من الشفافية وفي طرح القضايا، وهذه المسائل يجب أن تتم فيها المصارحة والمكاشفة، لأننا نواجه حالة ستتحول الى ظاهرة حتى يأخد كل فرد دوره في إحداث التحول الإيجابي، يجب أن تكون مشاركة واسعة، لان انفراد أية قوة بأخد القرار في الشأن الاجتماعي لن يؤدي الى نتائج إيجابية، بل يجب تضافر كل قوى المجتمع لإحداث التقدم. - ما هي البرامج التي أقرها المكتب التنفيدي للجامعة العربية لتجسيدها في القريب العاجل؟ * أقر المكتب التنفيذي عدداً من البرامج لتنفيذها خلال عام 2010، تسهم في تعزيز استراتيجيات الدفاع الاجتماعي، من بينها أثر الإرهاب على التنمية، تحقيق الوئام المدني والمصالحة الوطنية، حالات العنف في الأسرة العربية، أثر الأزمة المالية العالمية على الإنفاق الاجتماعي، سياسات خفض الفقر، إدماج المعاقين، إطلاق عمل البرلمان العربي للطفل الذي يهدف إلى تدريب الطفل على إتقان لغة الحوار ومبادئ قبول الآخر، الحق في الاختلاف، وغيرها من الممارسات الإيجابية التي تتيح للطفل إيجاد بيئة تفاعليه إيجابية مع محيطه الاجتماعي، فهذه البرامج وغيرها تتيح لنا ان نقوم بخطوات مقدرة نحو تناول قضية الدفاع الاجتماعي باعتبارها مسؤولية إنسانية، تمكننا من القيام بدراسات معمقة وبحوث تطبيقية وميدانية، ذلك ان العديد من أقطارنا العربية لا تزال بحاجة الى الكثير من الجهد في هذا المجال، ويمكن لهذه الندوة من خلال الأوراق العملية المقدمة فيها، ان تعد إسهاما يمكن الاستفادة منه في اعادة النظر في المناهج والوسائل التي تمكن مجتمعاتنا من الحفاظ على قيمها النبيلة وتصبح قادرة على تحقيق الاندماج الاجتماعي.