تفيد المؤشرات الكلية للاقتصاد الوطني أن الازمة المالية العالمية لن يكون لها تأثير مباشر عليه على الاقل في المنظور المتوسط، و بالامكان أن يتخطى الانهيار المالي بأقل الاضرار وان كان الضوء الاحمر لا يزال شغالا، مما يتطلب تعزيز منظومة إجراءات مرافقة آليات تسيير الوفرة المالية المحققة، بفضل تراكم مدخرات موارد المحروقات والتشديد على النفقات الاجتماعية لسنوات طويلة، و من ثمة الحرص على أن تتولى البنوك زمام الامور باحترافية رقابية لا ينبغي أن تعطل الديناميكية التنموية. لكن إلى متى يستمر رهن مصير دواليب الاقتصاد الوطني بتغيرات موارد الخزينة العمومية، بينما يتطلب الوضع ومنذ مدة رفع تحدي التوصل الى إرساء اقتصاد بديل للمحروقات بالرهان على قطاعات لطالما أكد الخبراء والمحللون قابليتها للعب ادوارها الاقتصادية بجوانبها الاجتماعية والمالية، من خلال السعي وباستمرار لولوج الاسواق العالمية عبر القارات تماما كما يفعله متعاملون من ربوع العالم تغلغلوا الى السوق الوطنية مبكرا ويعرفون اليوم من أين تؤكل الكتف، فيما يبقى المتعاملون المحليون في موقف المتفرج يلهثون وراء تمويلات و قروض عمومية يبدو أن اغلبها يصب في المضاربة العقارية ومظاهر الغنى الفاحش كما تعرضه مشاهد الحياة الاجتماعية اليومية. إن القطاعات التي يتعلق بها مصير الديناميكية التنموية بشروطها الاجتماعية المكرسة للاستقرار تنحصر في الوقت الراهن في ميادين الفلاحة ذات المشاريع الكبرى للمحاصيل الاستراتيجية كالحبوب والحليب والزيوت النباتية واللحوم والصيد البحري بمفهومه الاقتصادي الحقيقي، و ليس كما هو الحال عليه حاليا بتسيير غير عقلاني للموارد المالية العمومية المرصودة لقطاع بإمكانه أن يحقق نقلة ملموسة على صعيد التنمية البشرية وتنشيط الصناعة التحويلية، والى جانبها تبقى الصناعة احد محاور النشاط التي يمكن الاعتماد عليها في بلوغ الاهداف المرسومة بالبحث عن شركاء جادين وكسر شوكة الاطراف المستفيدة من حالة الركود، مستغلة لعبة الاستيراد والتسويق للغير، كما هو الشأن في قطاع السيارات والميكانيكا الصناعية، إذ لا يعقل أن يستمر وضع غير طبيعي كهذا، دون أن تستفيد الصناعة الميكانيكية المحلية المرتقبة من تغيرات السوق العالمية، الامر الذي يتطلب بالأساس امتلاك قدرات الاستشراف وانتهاز الفرص، وهو ما لا يبدو متوفرا لدى الجهة المعنية بترقية الاستثمارات، مكتفية كما يظهر بسلوك بيروقراطي محوره الخوصصة ثم الخوصصة لكل مؤسسة عمومية تنهار بفعل عوامل غير اقتصادية، و تضع نصب أعينها على العقار، أو تُحسن اللعب على حبال التمويلات العمومية لما يوصف بمشاريع استثمارية طال انتظار نتائجها. إن مسار التنمية يستدعي كل مرحلة وقفة تقييمية من أجل ادخال التحسينات المطلوبة، لبلوغ وتيرة مستدامة لا تعطلها مستجدات طارئة، و يمكن للمنظومة البنكية أن تدخل الساحة كشريك في مشاريع بتمويلات أساسية من الدولة، و تقام على عقارات عمومية تسيل لعاب الكثيرين من قراصنة اقتصاد السوق ومنهم من لديهم نفوذ أو يد طولى في القرار الاقتصادي، مثلما أظهرته مؤخرا سلسلة من الفضائح في قطاع الاشغال العمومية والصيد البحري وقبلها في الفلاحة، و ما خفي لربما أعظم في قطاعات اخرى تراهن عليها الدولة في انجاز الاقلاع الاقتصادي الاستراتيجي.