من لا يتحكّم في التكنولوجيات الحديثة ويبقى بعيدا عنها في ممارسته المهنية وحتى في مجريات حياته اليومية فهو جاهل. نعم الأمّي الآن، والكل يدرك ذلك، هو كل من لا يُحسن استعمال الإعلام الآلي وأحدث التكنولوجيات ولو كان حاملا للشهادات الجامعية والعليا. المؤسسات في مختلف القطاعات التي تأخّرت عن إدخال هذه التكنولوجيات ومازالت تستخدم الوسائل التقليدية كالفاكس والورق والقلم، نجد مردودها ضعيفا أو أقل مستوى مما تتطلبه العصرنة. الحديث هنا يجرّنا إلى عصب الحياة الاقتصادية، الذي سبق وأن تناولناه في افتتاحياتنا ألا وهو نظامنا البنكي الذي إن لم ينفّر الزبائن، على الخصوص المستثمرين، فهو لا يشجّع على النهوض باقتصادنا، خاصة فيما يتعلّق بالتعامل المصرفي الذي يعاني ركودا شبه تام، من أبسط العمليات النقدية إلى أكبرها، وهذا ما يعصف بالثقة اللازمة من أجل توفير مناخ مشجّع على تنمية منسجمة لكافة القطاعات وكذا تهيئة الشروط اللازمة لراحة المواطن فكريا، معيشيا ونقديا، لأن هناك العديد ممن يستغنون عن البنوك، سواء بفتح حسابات في بنوك أجنبية والتعامل معها أو بالإدّخار المنزلي (كم من مليارات سرقت أو اكتشفت في منازل معينة) أو بالتحايل وتهريب الأموال والفضيحة الكبرى تبقى البيع العلني للعملات الصعبة في شوارع العاصمة أمام مرآى ومسمع كلّ المارة. هذه الظاهرة، تتطلّب إحداث طوارئ لإيجاد حلول جادة لهذا الاستنزاف تنظم شريان السيولة المالية مثلما هو الحال في البلدان المتقدّمة وحتى تلك السائرة في طريق النمو، نعتقد جازمين أن أحد شروط استعادة الثقة تكمن هنا. استحداث وزارة منتدبة للاقتصاد الرقمي وعصرنة الأنظمة المالية يفسّر جهود الدولة من أجل استدراك الأمور للقفز بهذا القطاع وتسوية وضعية أصبحت حديث العام والخاص، هذا العامل الأساسي لأي تطور وتنمية سيقضي لا محالة على حالة الجمود ويزيح الظلامية، لأن الرقمنة تعني الشفافية، فشتان بين اقتصاد مظلم وآخر شفاف، يضمن تنمية منسجمة صلبة تخدم أجيالا تلو الأخرى. صحيح أن الدينار ليس عملة صعبة ولا نرضى أن تتحول مكاتب الصرف المطلوب فتحها إلى بالوعات للدينار، ولكن لايمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا العبث الممارس خارج الأطر القانونية عوض أن تقننه الدولة وتجني منه ثمارا. هذا ليس صعبا فهناك قطاع رفع التحدي في هذا المجال وقام بثورة رقمية ونجح فيها ألا وهو وزارة الداخلية التي وضعت حدا لمعاناة المواطنين بعصرنة مناهج عملها كما هو الشأن في الدول المتقدمة.