مكنت، القرارات المتمخضة عن لقاء الثلاثية الأخيرة، من احراز مكاسب اضافية لفائدة العمال، وبالتالي امتصاص غضب الجبهة الاجتماعية جراء تدهور القدرة الشرائية بفعل ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية. ويؤكد المتتبعون بأن التفاوض المستمر والاعتماد على الحوار الدائم يعد السبيل الأنجع للتكفل بانشغالات العمال، وقد جنبت اللقاءات بين الشريك الاجتماعي والحكومة، كثرة الاحتجاجات ودخول الجبهة الاجتماعية في دوامة الاضرابات وعدم الاستقرار. وبرأيهم، فإن الاضرابات الكثيرة التي عرفها القطاع الاقتصادي خلال منتصف العقد الماضي لم تحقق النتائج المرجوة، وكان لا بد من اللجوء إلى اعادة ترتيب العلاقة بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين، لأن ذلك يعد المدخل لضمان الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي، الذي بدونه يستحيل تحقيق أي تقدم على مستوى الجبهة الاجتماعية. ويقابل هذا الالتزام من طرف الشريك الاجتماعي، ارادات سياسية من قبل رئيس الجمهورية، الذي أعطى تعليمات لتصحيح هذه الاختلالات التي تعيش على وقعها الجبهة الاجتماعية، هذا ما جعل الثقة تتعزز في الاتحاد العام للعمال الجزائريين كشريك قوي قادر على تمثيل العمال. وكانت القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا، والتي أدت الى وقف الاضراب الذي دعت إليه النقابات المستقلة، والذي دام 3 أسابيع، شل بسببه قطاعي التربية والتعليم العالي، تأكيدا على وجود رغبة على المستوى السياسي من أجل التكفل بالمطالب المشروعة في حدود ما يسمح به الوضع الاقتصادي للبلاد. وبعد أن أشعلت التعليمة الصادرة في ديسمبر 2008 المتعلقة بمراجعة الأنظمة التعويضية للموظفين نارا في النقابات المستقلة، لم يطفىء لهيبها إلا قرار تعديل هذه التعليمة على نحو يأخذ في الحسبان الاثر الرجعي، وبالطبع تحقق هذه المكسب بفضل التفاوض بين النقابات المستقبلة والحكومة، وما ينبغي الاشارة إليه ان الحوار أخرج المطالب الاجتماعية من دائرة الاستغلال السياسي، حيث لم تعد الاحتجاجات وسائل ضغط تستخدمها بعض الأطراف لتحقيق أغراض سياسية وهذا مؤشر في غاية الاهمية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة. والجدير بالذكر أن هناك هدنة اجتماعية تحققت ودامت 4 سنوات تقريبا بفضل الاتفاقيات المبرمة بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل. وما لا ينبغي نسيانه كذلك أن إطار التفاوض الدائم والحوار المستمر والمتواصل من أجل التكفل بانشغالات العمال، جنب البلاد كثرة الاضرابات والاحتجاجات التي تكلف الاقتصاد الوطني كثيرا. وغالبا ما تحقق مكاسب قليلة للعمال، وهذا ما يستدعي احترافية أكثر لدى النقابات في مطالبتها بحقوق العمال لافتكاك أكبر عدد ممكن من المكاسب، بدون الخروج عن دائرة التفاوض والحوار الذي يجب أن يكون مثمرا .