سيعرف المهرجان الوطني لمسرح الهواة الذي تتواصل فعالياته لليوم الرابع على التوالي بمدينة مستغانم، مشاركة 20 فرقة مسرحية تتنافس 10 فرق منها على لقب وجوائز أعرق مهرجان مسرح عربي للهواة وتنشط أخرى خارج المنافسة بعروض شيقة على ركح مسرح دار الثقافة عبد الرحمن كاكي، نال بعضها اعجاب الجمهور العريض لأب الفنون وظلّ بعضها يحاول استدراج جمهور جديد على غرار عروض مسرحية لفرق من عمق القبائل الجزائرية منها ما سينشط عروضه المسرحية في إطار منافسة حادة لنيل اللقب وأخرى ستحظى بشرف المشاركة خارج المنافسة لتبليغ أسمى الرسالات الفنية والانسانية. فالثابت في كل ذلك أن المسرح وجد ليحلل تناقضات الحياة على أصعدة متعددة ويعطيها جماليات فنية، فيما يكمن المتغير في الطرق والأساليب المعتمدة في ذلك وألوان أبجديات الفن الرابع واضحة لكن لا يتقنها لحد الوعي إلاّ الممارسين للمسرح والقريبين من الركح حد الشغف. وتقدّر مشاركة الفرق القبائلية بعروض مسرحية تجسد لتمسك المنطقة بهويتها الامازيغية والثقافية بنحو 40 بالمائة من العروض بتوزيع 4 عروض داخل المنافسة و4 عروض أخرى خارج المنافسة منها عرض مسرحي للجمعية الثقافية “اثران” من ولاية البويرة التي تشارك في مهرجان مسرح الهواة لأول مرة بعد تأسيسه منذ نصف قرن، إلى ذلك تبقى مشاركة الفرق القبائلية بعروض مسرحية متميزة باللغة الأمازيغية أمرا يعكس بشدة إلحاح هذه الفئة من الفنانين الجزائريين على نضالاتها المستميتة للحفاظ على هوية المنطقة سواء في المحافل الوطنية أو الدولية، لكن ماذا عن حاجز اللغة الذي ينهار أمام هيبة أب الفنون ويُخرص مخارج النطق أمام تعابير الإيحاء الفني والحركات الجمالية؟ أسئلة كثيرة طرحت ونقاشات ثرية دارت حول عائق اللغة والتواصل ومدى تمكن المسرح القبائلي من تبليغ رسالته لجمهور يتلقى فيعجب بالتلقي دون أن يفهم وعن ذلك حاولت “الشعب” البحث عن ايجابيات في صمت المتابعين لمسرحية “يوليوس قيصر” لمخرجها الغائب عن المهرجان عقباوي شيخ للجمعية الثقافية تاغرما لولاية بجاية التي احتضنها ركح قاعة ريما بدار الثقافة عبد الرحمن كاكي. تحفظ على تعيين أجانب في لجنة التحكيم لمنافسات المهرجان علمنا أن للفرقة المسرحية الهاوية تاغرما مشاركات عدة باللغة الأمازيغية في تظاهرات دولية، حيث يتحمل عناصر الفرقة مشقة ترجمة النصوص المقتبسة من الأدب العالمي إلى اللغة الامازيغية رغبة منهم في فرض اللغة الأمازيغية كلغة عالمية وليس لغة وطنية رسمية فحسب،وذلك ما يتطلع اليه أيضا المؤلف والمخرج المسرحي صالح هوش في دفاعه عن أداء العروض المسرحية باللغة الأمازيغية على هامش جلسات فكرية ضمن برنامج التظاهرة، ويؤمن المسرحي صالح هوش أن مهرجان وطني بحجم مهرجان مسرح الهواة هو تظاهرة ملك لكافة الجزائريين وفضاء تلتقي فيها الطبوع الفنية والتقاليد الجزائرية وحضارة أمة كاملة، فضلا عن تصوره للمهرجان كفضاء وحيد يجد فيه الهواة ضالتهم لصقل مواهبهم وقدراتهم بفعل الاحتكاك بفرق أخرى من مناطق الوطن إلى جانب تأثير التظاهرة في عامل التقارب ولم الشمل بين الفنانين المسرحيين، وأوضح صالح هوش في حديث ربطه ب«الشعب” منتقدا الجانب التنظيمي الذي خول لمحافظة المهرجان تعيين شخصيات مسرحية من دول صديقة في لجنة تحكيم المنافسة، منهم 5 أعضاء لا يتقنون اللغة الرسمية الثانية للبلاد، حيث تضم لجنة التحكيم لمنافسات الطبعة الخمسين لمهرجان مسرح الهواة، الناقد المسرحي والأكاديمي المغربي عبد الرحمن بن زيدان المعروف بإسهاماته الكثيرة في مجال الكتابات النقدية للمسرح العربي عموما والمغربي على وجه الخصوص. إلى جانبه الأكاديمي الفلسطيني عضو الهيئة العربية للمسرح نادر القنة الذي سيثري ندوة فكرية حول مسرح الهواة الفلسطيني في إطار تخصيص يوم من المهرجان للتضامن مع القضية الفلسطينية، إلى جانب أعضاء من الجزائر على غرار المسرحي عبد الحميد حباطي من مسرح قسنطينة والسينوغراف مراد بوشهير والكاتب شارف بركاني، لكن ما لم يعجب الفرق المسرحية القادمة من القبائل الكبرى والصغرى بشمال الوطن وامتد حتى لباقي الفرق الجزائرية المتنافسة في المهرجان هو تعيين أجانب على رأس لجنة التحكيم لمهرجان وطني بأدق الكلمة، فبحسب هؤلاء الممتعضون من مسألة تعيين أجانب ضمن لجنة التحكيم، أنه كان يجدر بمحافظة المهرجان التفكير في انعكاسات إقصاء الفرق القبائلية التي تمثل 40 بالمائة من الفرق المشاركة في المهرجان بفعل حاجز اللغة ولو أن لا لغة للمسرح، موضحين أنه كان على الأقل تعيين عضو يفهم اللغة الامازيغية حتى يتمكن من تسهيل عملية فهم وترجمة التعابير خاصة إذا ما تعلق الأمر بمنافسة جادة في الطبعة الأكثر تميزا من عمر المهرجان، زيادة عن ذلك يقول صالح هوش ان ضيوف المهرجان مرحب بهم لكن كان ينبغي ان يكون حضورهم شرفا وليس أساسيا على رأس لجنة تنظيمية. موضحا ان المسرح الجزائري يزخر بالنقاد والنجوم ليقيّموا عروضا مسرحية تعكس البيئة الجزائرية المحيطة بها وتحول دون ان يختطف مهرجان مسرح الهواة ولم يخفي الكاتب المسرحي قلقه من إقصاء وتهميش للقدرات القبائلية التي بلغت ذروة الابداع المسرحي في مجال التمثيل والكتابة المسرحية ولا تشاء إيجاد بديل عن تظاهرة المهرجان الوطني لمسرح الهواة للتميز وعرض قدراتها المسرحية، في وقت اعتبر فيه القائمين على المهرجان وجود ضيوف وأصدقاء لمسرح الجزائري في لجنة تحكيم المنافسة كإضافة للمهرجان تسمح بتقييم الهواة واكتشاف المواهب الجديدة ورفع مستوى المهرجان، فضلا عن عنصر الرغبة في الرقي بمسرح الهواة الجزائري إلى مصاف المهرجانات العالمية. التنوع الثقافي يخدم المسرح الجزائري وبالنظر للتأثير الايجابي للتنوع الثقافي الذي تزخر به الجزائر وتعدّد اللهجات والطبوع الفنية على الموروث الثقافي والفني الجزائري، دعا صالح هوش إلى الاستثمار في هذه الميزات التي يتمتع بها المسرح الجزائري وتطويرها، ونزولا عند هذه الرغبة، تمّ إنشاء جائزة الكاتب المسرحي “محيا” لتشجيع هواة المسرح والمحترفين على الكتابة باللغة الأمازيغية، حيث تقام التظاهرة في ديسمبر من كل سنة وتشهد مشاركة نحو 25 نصّ مسرحي باللغة الأمازيغية على الأقل وفي هذا أكد الكاتب المسرحي صالح هوش أن المسرح القبائلي يعيش ذروة الإبداع في مجال التمثيل والكتابة المسرحية. رهانات تتقطر رغبة في استمرارية مسرح الهواة والرقي به وفي خضم المناقشة حول حاجز اللغة وتأثيرات التنوع الثقافي الجزائري، أكد الدكتور عمر دوراة مخرج وناقد مسرحي مصري، أن الوصول الى الابداع يتطلب الجمع بين الهواية والمعلومات المحصل عليها من خلال التكوين الأساسي في مختلف مجالات المسرح، مشيرا أن التنوع الثقافي في الجزائر سيظل يخدم المسرح الجزائري عامة والمسرح العربي عموما، كما يرى المشاركون في المهرجان الوطني لمسرح الهواة انه يجب أن يخرج المهرجان بعد نصف قرن من عمره من حلقة الجهوية التي تخنقه على أمل ان خرج الشق الفكري والأكاديمي لمهرجان بتوصيات تصبّ لصالحه فتجسد على الأقل لبعض الأهداف التي جاء بها في طبعته الخمسين فيكون ما مضى من عمر المهرجان مجرد محطة اقلاع نحوالعالمية مليئة بالنضالات المستمية للحفاظ على تواجد التظاهرة في الساحة الفنية رغم المتاعب المادية والارهاصات التي تسبّب فيها تفوق المسرح المحترف وليد مسرح الهواة، فيكون المهرجان في طبعاته القادمة برزخا من الإبداع تذوب فيه شتى الخلافات القائمة حول التنظيم. على الهامش ..رغبة لاستعادة أمجاد مسرح الهواة بوزيان بن عاشور : الصحفي المخلص لمسرح الهواة والحركة الفنية الجزائرية أكد المدير العام لجريدة الجمهورية بوزيان بن عاشور والمختص في النقد المسرحي في مداخلة قصيرة خلال الجلسة الثانية لندوة الفكرية حول اسهامات مهرجان مسرح الهواة في الحركة المسرحية الجزائرية، أنه سيظل يتنصب كمحامي دفاع عن أعرق تظاهرة مسرحية في الجزائر واعتبر بوزيان بن عاشور شخصه كشاهد على العصر في خضم التطورات والتحولات التي عرفها مسرح الهواة طيلة الخمسين سنة مضت وأكد الصحفي الفنان بوزيان بن عاشور أنه ان وصل مسرح الهواة إلى نصف قرن من عمره رغم المتاعب والمشقات، فهذا يعني انه كان يمثل كل التناقضات الاجتماعية والايديولوجية وغيرها موضحا ان النقد المسرحي والصحفي كان دافعا لأن يواصل مسرح الهواة مسيرته . المخرج الحبيب بوكليخة : لا يمكن بناء مسرح بدون حرية تعبير تحوّل الجانب الأكاديمي لمهرجان مسرح الهواة بمستغانم إلى مجال لطرح التساؤلات المبنية أساسا على الاختلاف بين مسرح الهواة والمسرح المحترف، حيث طرح الأستاذ المحاضر والمخرج الدرامي حبيب بوكليخة التساؤل عن مدى نجاح الجزائر في التأسيس لفعل مسرحي مبني على الكلمة والفعل، مشيرا أن التجربة الطويلة لمهرجان مسرح الهواة قد أظهرت من خلال شهادات الفاعلين في الحركة المسرحية أن السلوك السياسي قتل الجانب الجمالي في حركة مسرح الهواة خاصة بالنسبة لبعض من المؤسسين الذين دافعوا عن الكلمة، ودعا حبيب بوكليخة إلى التخلص من هيمنة السلوك السياسي انطلاقا من خمسينية مسرح الهواة والاهتمام بالفعل مؤكدا ان الفن عموما وان كان محترفا لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يعتمد على السياسة والمصالح ولا يمكن بحسبه ان يبنى مسرحا بدون حرية التعبير والمسرح يفقد قوته كلما تدخلت فيه الايديولوجيات السياسية، ودعا حبيب بوكليخة إلى الخروج من النقاش التاريخي والدخول في تحليل ومناقشة أهم محاور تطوير الأداء المسرحي من خلال اسقاط مقارنة على تجارب مسرح الهواة وواقعه اليوم، عبر نقطتين هما التكوين وتنمية محبة الفن المسرحي، حيث يرى حبيب بوكليخة أن المسرح الهواة الذي غذى المسرح المحترف يجب ان يتطور اكثر في جانبه التكويني بذكر ايضا حاجة مسرح الهواة الى عروض قوية تؤثر في الجموع البشرية وجماهير اب الفنون وذلك باستغلال ما هو متوفر من امكانات مادية ومرفقية، داعيا الفرق المسرحية الهاوية التخلص من الثقل المادي الذي يؤثر على نشاطها ويثقل كاهل الدولة. قادة جناح : بناء علاقة بين الفرق الهاوية ومسرح الهواة دعا الممثل المسرحي الهاوي قادة جناح من منطقة عين الصفراء المهتمين بمسرح الهواة إلى البحث عن سبل تكفل للمهرجان الظهور والحياة على مدار العام وليس فقط في ايام معدودات محددة بعمر المهرجان، مؤكدا على أهمية بناء علاقة بين المهرجان والفرق المسرحية للهواة، منتقدا المسيرة الحافلة بالتألق لمهرجان مسرح الهواة دون ان تلفظ للعالمية انتاجات مسرحية في مستوى الطموح. سجلتها: ام الخير . س